قنبلة بيونغ يانغ تضع العالم في حيرة
أثار إعلان كوريا الشمالية عن امتلاكها للسلاح النووي الكثير من الشكوك. ويعود السبب في ذلك إلى الغموض الشديد الذي يتسم به الوضع الداخلي هناك، فقلما يتمكن المراقبون من الحصول على معلومات دقيقة تساعدهم على تقييم هذا الوضع بشكل صحيح. لذلك استُقبل الإعلان بالتحفظ وتوخي الحذر. وفي هذا الإطار يُجمع الخبراء على امتلاك البلاد لكمية يورانيوم مخصب كافية لإنتاج عدد محدود من القنابل الذرية، لكنهم لا يستطيعون الجزم بامتلاك بيونغ يانغ للتكنولوجيا اللازمة لصنعها.
يقول يواخيم كراوسه من معهد كيل للسياسات الدفاعية في حوار مع جريدة ميتلدويتشه تسايتونج إنه لا يستبعد أن تقوم كوريا الشمالية قريباً بإجراء اختبار نووي، وسيشكل هذا الأمر العنصر الحاسم في شأن امتلاكها للقنبلة النووية. لكنه أضاف: "أعتقد أن الإعلان الكوري محاولة للابتزاز النووي.". وفي هذا الإطار لا بد من القول أن بيونغ يانغ دأبت على استخدام ورقة السلاح النووي للحصول على مطالبها في المباحثات، كما أنها تعتبره عنصراً استراتيجياً في ميزان القوى مع الولايات المتحدة. أما هانس يواخيم شميدت خبير الشؤون الكورية في مؤسسة ولاية هيسن لأبحاث السلام والصراعات الدولية فيعتقد أن كوريا الشمالية تمتلك عدداً من القنابل النووية يتراوح من 6 إلى 8 منها." ويضيف ان قيامها باختبارات نووية يعني وجوب أخذ تهديداتها مأخذ الجد. غير أنها تدرك تماماً تبعات مشاريعها وعليه لا يُرجح استخدامها للسلاح النووي إلا عندما يصبح ظهرها إلى الحائط.
نظرة على المأزق النووي الكوري
خلال تسعينيات القرن الماضي نجحت الدبلوماسية في احتواء الأزمة النووية الكورية. وبموجب ذلك تم التوصل إلى اتفاق يقضي بتجميد بيونغ يانغ لمشروعها النووي مقابل الحصول على معونات وإمدادات نفط إضافةً إلى مفاعلين نوويين للأغراض السلمية. لكن الولايات المتحدة أعلنت في عام 2002 عن وجود صور استخباراتية من الجو لمواقع نووية كورية تثبت استمرار الأخيرة في محاولاتها لتخصيب اليورانيوم وبالتالي تطوير أسلحة نووية. وقد رفضت كوريا الشمالية الاتهام الأمريكي وأعلنت خروجها من اتفاقية الحد من انتشار السلاح النووي وعزمها على طرد المراقبين الدوليين. وبقيت العلاقات بين البلدين تراوح مكانها حتى عام 2003، إذ وافقت بيونغ يانغ على بدأ مباحثات ديبلوماسية مشتركة أطلق عليها المحادثات السداسية. وقد ضمت إضافة إليها الصين واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة. وخلالها طالبت كوريا الشمالية برفع الحصار عنها وإخراجها من العزلة المفروضة عليها. أما الولايات المتحدة فطالبت بتجميد فوري للبرنامج النووي الكوري الشمالي مقابل تقديم المعونات. وفي الاجتماع الأخير الذي عقد في بكين خلال يونيو/حزيران عام 2004 نصح المفاوض الأمريكي بيونغ يانغ بأن تتبع النموذج الليبي. لكن الاقتراح لم يلقَ إعجابا من الجانب الكوري الشمالي الذي قرر التوقف عن المشاركة في المفاوضات. وقد أعقب ذلك فترة جمود أملت كوريا الشمالية خلالها بنجاح جون كيري في الانتخابات الرئاسية وتغيير السياسة الأمريكية تجاهها.
ردود أفعال
تعاقبت ردود الأفعال العالمية على الإعلان الكوري: فوزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد عقب عليه بالقول: "لا أعرف ما إذا كانت كوريا الشمالية تمتلك حقاً قنبلة نووية أم لا". أما وزارة الخارجية الأمريكية فاعتبرت أن لا وجه للمقارنة بين حالتي إيران وكوريا الشمالية. وأوردت وكالات الأنباء قول مساعد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية آدم ايريلي: "ثمة وضعان مختلفان، وديناميكيتان مختلفتان. هناك آليات وإجراءات تطبق على بلد لكنها لا تصلح للتطبيق على الآخر."
أما رئيس الوزراء الاسترالي جون هاوارد فقد هوّن من شأن الإعلان الكوري الشمالي معتبراً إياه نوعاً من التهويش لدعم الموقف التفاوضي لحكومة بيونغ يانغ. وأضاف في حديث للتليفزيون الاسترالي أن المحادثات السداسية يمكن استئنافها مرة أخرى. وأثناء زيارته إلى لندن ناشد كوفي انان كوريا الشمالية بالرجوع إلى طاولة المفاوضات.
وعلى الصعيد الألماني أعرب المستشار الألماني غيرهارد شرودر عن أسفه لقرار كوريا الشمالية بوقف المحادثات الدبلوماسية، وأضاف أن على الغرب أن يستمر في جهوده لاستئناف المحادثات. وصرح من هامبورج بأنه خيرٌ لكوريا الشمالية أن تهتم برعاية شعبها عن أن تطور أسلحة ذرية. أما رئيس وزراء ولاية بافاريا ادموند شتويبر وزعيم الحزب المسيحي الاجتماعي المعارض فدعا إلى وحدة الصف أمام التحدي الكوري، غير أنه نادى باللجوء إلى الحل الدبلوماسي داعياً الصين لتحمل مسؤولياتها على أساس أن جزءاً كبيراً منها يقع على عاتق بكين.