أوروبا الطامحة إلى سياسة أمنية ودفاعية مشتركة
منذ إرسال قوات عسكرية دولية لحفظ السلام في البلقان لإنهاء حربي البوسنة وكوسوفو والدور العسكري الأوروبي يزداد أهمية في ضمان الاستقرار الأمني في أماكن النزاعات. ولم يتوقف هذا الحضور على النطاق الجغرافي الأوروبي وإنما تعداه أيضاً إلى أماكن أخرى في العالم. ولعل الدور الأوروبي اليوم في تثبيت الاستقرار في أفغانستان أوضح مثال على ذلك. وحتى الآن تنحصر الواجبات العسكرية الأوروبية في مهام إنسانية وتنموية بالدرجة الأولى. غير أن الاتحاد الأوروبي اليوم بصدد إنشاء وحدة تدخل عسكرية ضاربة وقادرة على النشاط الفوري حتى خارج حدود أوروبا، وتكون من جملة مهامها مكافحة الإرهاب. وهذا ما يعكس رغبتها في زيادة نفوذها على الساحة السياسية الدولية.
نفوذ سياسي لا يتناسب مع التفوق الاقتصادي
يُعد الاتحاد الأوروبي قوة اقتصادية عملاقة تربطها علاقات اقتصادية قوية مع جيرانها في شرق أوروبا وروسيا ومناطق أخرى في العالم. ومن أجل توثيق هذه العلاقات وقع الاتحاد معها اتفاقات شراكة لا تسهم في دفع عجلة الاقتصاد الأوروبي فحسب، وإنما تزيد من نفوذه السياسي على الصعيد الخارجي. وفي هذا الإطار تأتي المباحثات التي بدأها مؤخراً مع إيران بهدف عقد اتفاق تبادل تجاري معها. ومن المنتظر أن يسهم ذلك في احتواء أزمة الملف الإيراني وتحقيق انتصار مهم للدبلوماسية الأوروبية. من جانبه يسعى البرلمان الأوروبي إلى زيادة التكامل بين أعضاءه ويناقش تشكيل سلطة مركزية تكون لها أهمية أكبر في اتخاذ القرارات وتنفيذها. ومما يعنيه ذلك زيادة حجم القوة العسكرية المشتركة التي سيتم تشكيلها. كما قام الاتحاد بمحاولة لترجمة التفوق الاقتصادي إلي نفوذ سياسي، وذلك بتعيينه خافيير سولانا كمفوض مشترك للشؤون الخارجية. وحددت مهمة المفوض في العمل على بلورة موقف أوروبي موحد يعزز من المكانة السياسية لأوروبا على الصعيد الدولي.
تباين المواقف على ضفتي الأطلسي
يشكل تعداد جيوش الاتحاد الأوروبي مجتمعة مليوني جندي مسلح. وهذه قوة لا تضاهيها حتى قوات الجيش الأمريكي. غير أن جزءاً صغيراً منها فقط قادر على العمل خارج الحدود الأوروبية. لذلك يسعى الاتحاد الأوروبي في إطار سياسته الدفاعية والخارجية المشتركة لإنشاء قوات تدخل عسكرية خاصة قوامها 60000 رجل بحلول عام 2007. وينبغي لهذه القوات أن تكون قادرة على الوصول إلى أي منطقة في العالم خلال مدة قصيرة والبدء بعملياتها. من جانبها لا تنظر الولايات المتحدة الأمريكية بعين الارتياح لتكوين هذه القوة. فهي لا ترى حاجة لإنشائها على أساس أنها ستلحق الضرر بالانسجام القائم بين دول الاتحاد وحلف الناتو. أما الاتحاد الأوروبي فيجادل بان اعتماد سياسة دفاعية وخارجية مشتركة سيعود بالأمن على أعضاءه، ولن يكون له أي تأثير على الدور الذي تلعبه دول الاتحاد في حلف الناتو.
طريق طويل وعقبات كثيرة
"لن تصبح أوروبا دولة موحدة، لكنها ستكون منظمة ذات أجهزة تشريعية متكاملة تستطيع من خلالها 25 دولة اعتماد سياسة دفاعية وخارجية مشتركة ستساعدها في مكافحة الأزمات بشكل خاص"، هكذا يصف خافيير سولانا مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية الفارق بين أوروبا والولايات المتحدة. وبينما تتحدث القوة العظمى في العالم، الولايات المتحدة بصوت واحد تواجه أوروبا مصاعب جمة في هذا الشأن. فالأخيرة ما تزال تعاني من اختلاف المصالح السياسية بين أعضائها. وقد أظهرت الحرب على العراق مدى تباين مواقف الدول الأوروبية. وكادت أن تؤدي إلى تصدعات حادة في جسم الاتحاد الأوروبي. وانقسم أعضاءه بين معسكر رافض للحرب على رأسه ألمانيا وفرنسا، ومعسكر مؤيد للحرب يضم بريطانيا وايطاليا وأسبانيا. وفشلت أوروبا في التوصل إلى موقف موحد. وتجددت هذه الاختلافات مع طلب ألمانيا الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي. وهو أمر لم يلق حماس دول في الاتحاد مثل إيطاليا. من ناحية أخرى لا تزال بريطانيا على موقفها الرافض لتكوين أي اتحاد فيدرالي ذو طابع مركزي. كما لا تزال مترددة بشأن اعتماد العملة الأوروبية اليورو.
هيثم الورداني/ابراهيم محمد