قطاع النفط العراقي بين مطرقة الفوضى السياسية وسندان التخلف التكنولوجي
١٩ مارس ٢٠٠٦منذ زمن لم يعد يطلق على العراق بلد النخيل، وإنما موطن ثاني أكبر احتياطي نفطي عالمي بعد المملكة العربية السعودية. وقد كان إنتاجه النفطي قبل حرب الخليج الثانية في عام 1991 أكثر من 5 مليون برميل في اليوم وبحدود 2.5 مليون برميل يوميا قبل الغزو الأمريكي- البريطاني. أما اليوم فإن هذا الإنتاج لا يتجاوز سقف مليوني برميل في اليوم يتم استهلاك نحو نصفها في السوق المحلية. وإلى جانب تراجع الإنتاج أصبحت مصافي النفط العراقية قديمة ومتخلفة تكنولوجيا بسبب عدم تحديثها منذ نحو أكثر من عقدين. وهذا ما أدى إلى تراجع طاقتها التكريرية بسبب التوقف الجزئي أو الكلي عن العمل. ويزيد من تعقيد الوضع تعرضها لهجمات مسلحة وعمليات تخريب موجهة تطال خطوط الإمداد بشكل متكرر. وكان من تبعات ذلك تحول العراق من دولة قادرة على تكرير حاجاته إلى مستورد لمشتقات النفط الخفيفة وفي مقدمتها البنزين. وتفيد المعطيات المتوفرة أن القيمة السنوية لهذه الواردات تصل إلى نحو 4 مليارات من الدولارات سنويا.
فساد وقرارات خاطئة
لكن قطاع النفط العراقي لا يعاني فقط من المشاكل الفنية والأمنية ، وإنما من الفساد المستشري في الدوائر الحكومة والمؤسسات المسؤولة عن صناعته. ويصف عدد من المراقبين الوضع في وزارة النفط العراقية على سبيل المثال بأنه في أسوأ حالاته على صعيد الرشاوى والسعي لتحقيق المصالح الشخصية على حساب المصالح العامة. وقد تم خلال السنوات الثلاث الماضية طرد عدد كبير من خبرائها الذين حل محلهم أشخاص ليس لهم خبرة في مجال النفط. أما تبعات ذلك فتتمثل في اتخاذ القرارات الخاطئة وسيادة ما يشبه فراغ في السلطة. ويعكس هذا الوضع جانبا من التخبط السياسي الذي تمر به البلاد. ويتجلى هذا التخبط حاليا في عدم قدرة النخبة السياسية في عراق ما بعد صدام على تشكيل حكومة جديدة تمثل كل شرائح وطوائف المجتمع العراقي رغم مرور أكثر من ثلاثة اشهر على الانتخابات البرلمانية.
آفاق قائمة في المدى المنظور
حالة قطاع النفط العراقي المزرية توفر أسبابا كثيرة للتنبؤ بالأسوأ، لاسيما وأن شركات النفط الدولية لن تقدم على الاستثمار هناك في ظل الظروف القائمة. وحتى في حال عودة الاستقرار السياسي فإن استعادة عافية هذا القطاع ليعود إلى مستواه قبل حرب الخليج الثانية تتطلب 6 إلى 8 سنوات حسب تقدير الخبراء. ومما يعنيه ذلك زيادة أوضاع العراق صعوبة وتعقيدا في ظل بنية تحتية شبه مدمرة وظروف معيشية صعبة لغالبية الناس هناك. ويقف وراء مثل هذه التوقعات أن النفط يشكل المصدر شبه الوحيد لتمويل إعادة إعمار ما خلفته الحروب والحصار الذي دم أكثر من عشر سنوات. فمن المعروف أن البلاد ومنذ سنوات طويلة لم تعد تصدّر شيئا يذكر باستثناء النفط ومنتجاته.
المخرج في الحل السياسي
يحتاج العراق إلى عشرات المليارات من الدولارات في الوقت الحاضر لإعادة تحديث بنيته التحتية في مجال الطاقة والطرق والاتصالات والمياه وغيرها. وتعاني معظم مؤسسات هذه البنية من الدمار والتوقف عن العمل ولو بشكك جزئي بسبب تقادم تجهيزاتها وعدم توفير قطع التبديل الضرورية لها. وعلى الرغم من صعوبة الوضع الأمني هناك، فإن هناك من يتفاءل بقرب تحقيق انفراج سياسي وأمني من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم أهم الفعاليات السياسية. وفي حال نجاح العراقيين في ذلك سيكون بالأمكان تحقيق اتفاق على تحديث قطاع النفط وتوزيع عائداته بين الأقاليم والحكومة المركزية في بغداد بشكل يخدم التنمية وإعادة الإعمار.
ابراهيم محمد