قضية هاجر الريسوني.. بين القانون والحسابات السياسية
٦ سبتمبر ٢٠١٩صحفية مغربية شابة مقبلة على الزواج تذهب مع خطيبها إلى عيادة الطبيب، فيتم اعتقالها مع خطيبها والطبيب ومساعدين للطبيب، ثم تعلن النيابة العامة أن الصحفية ستحاكم بتهمة الإجهاض وإقامة علاقة جنسية بدون زواج، في حين أن الصحفية تنفي كل التهم الموجهة لها وتشير إلى أنها سترفع شكوى بسبب تعرضها لـ"التعذيب".
هذا ما حدث مع الصحفية هاجر الريسوني (28 عاماً) التي أوقفتها الشرطة المغربية يوم السبت الماضي (31 آب/أغسطس 2019)، ومن المقرر أن تتم محاكمتها بداية الأسبوع القادم.
وتثير القضية منذ كشفها مساء الثلاثاء ردود فعل واسعة في المغرب، وتعرب العديد من المنظمات والجمعيات عن التضامن مع الصحفية والاستياء من "التشهير" بها، وملاحقتها بقوانين يطالب المدافعون عن حقوق الإنسان بإلغائها منذ سنوات كونها تجرم حريات فردية، في حين ترفض الأوساط المحافظة ذلك.
"انتهاك حق الخصوصية وتجريم حرية فردية"
وطالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" السلطات المغربية بـ"إطلاق سراح هاجر فوراً مع إسقاط التهم"، مشيرة إلى أن "انتهاك حقها في الخصوصية وتجريم حرية فردية أمران عبثيان وغير مقبولين أصلاً". وذكرت المنظمة أن هناك "شبهة تصفية الحسابات السياسية"، مضيفة أن "المتهمة صحفية في إحدى أواخر الجرائد المستقلة في البلاد، وتربطها علاقات عائلية مع معارضين بارزين".
وتؤكد النيابة العامة المغربية أن توقيف الصحفية "جاء من أجل أفعال تتعلق بالإجهاض"، و"ليس له أي علاقة بمهنة الصحافة"، مضيفة أن التقرير الذي تسلمته المحكمة "يفيد بوقوع إجهاض".
لكن صحيفة "أخبار اليوم" التي تعمل فيها الريسوني نشرت صورة لتقرير طبي "ينفي خضوع هاجر للإجهاض أصلاً". وكتبت الصحيفة يوم الأربعاء على صفحتها الأولى: "سلاح التشهير الخبيث يضرب أخبار اليوم من جديد".
"أسلوب جديد لتصفية حسابات سياسية"
وترى عضوة المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان خديجة الرياضي أن قضية هاجر تعكس "أسلوباً جديداً للقمع في المغرب". وتضيف الرياضي في حديث لـDWعربية: "اليوم أصبحت التهم المستخدمة ضد الصحفيين والناشطين والمعارضين هي تهم تتعلق بالحق العام، فهم يعتقلون في الأصل بسبب مواقفهم وكتاباتهم، لكن توجّه إليهم تهم من هذا النوع، مثل حيازة المخدرات أو الخيانة الزوجية أو الإجهاض".
وتعتقد الرياضي أن السلطات "تستخدم جسد المرأة لتصفية حسابات سياسية"، وتوضح: "للسلطة ثلاثة أهداف من هذا الأسلوب، أولاً: إخفاء الطابع السياسي لما تقوم به وتصوير نفسها بأنها لا تنتهك حقوق الإنسان، وثانياً التقليل من التضامن مع المعتقل، وثالثاً تشويه سمعة المعتقل وضرب مصداقيته في المجتمع".
ووفقاً لخديجة الرياضي، التي تتابع القضية عن قرب، فإن "الأمر الخطير في قضية هاجر هو أن تفرض عليها السلطات الخضوع لفحص طبي دون إرادتها"، مشيرة إلى أن "الهدف من ذلك كان الحصول على اعترافات منها حسبما قال محاميها".
ففي أول رسالة من هاجر بعد توقيفها، نشرتها الصحيفة التي تعمل فيها، قالت الصحفية المغربية: "سألني الأمن عن كتاباتي السياسية وعمي أحمد وعمي سليمان أكثر مما سألوني عن التهم الملفقة لي". وتشير هنا إلى عمها أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وقريبها الآخر سليمان الصحفي في نفس الصحيفة التي تعمل فيها.
"ضريبة عائلة"
وأضافت هاجر في رسالتها: "أنا أؤدي بالنيابة ضريبة عائلة قالت “لا”، في زمن الهرولة لقول “نعم”، وها أنا أمشي إلى قدري بقلب مفجوع ورأس مرفوع".
من جانبه قال قريبها سليمان لوكالة فرانس برس: "بأي حق تؤخذ امرأة مريضة يتابعها طبيب إلى طبيب آخر ليفحصها بدون أمر قضائي وبدون إرادتها؟ أليس هذا تعذيباً؟".
ورغم تأكيد النيابة العامة على أن اعتقال هاجر تم "بمحض الصدفة نتيجة لارتيادها عيادة طبية كانت أساساً محل مراقبة"، يرى د. رشيد الجرموني، أستاذ الاجتماع السياسي في جامعة مكناس، أن تضارب المعلومات المتوفرة يزيد من الالتباس حول القضية.
وأضاف الجرموني في حديث لـDWعربية: "قد تكون القضية سلطت الضوء على قضية خطيرة أخرى وهي أنه يتم التجسس على الصحفيين"، وتابع: "قضايا كهذه تعكس مفارقات في المغرب، ففي حين يبدو فيه المغرب متطوراً عربياً من ناحية البنى التحتية، تحدث فيه مثل هذه القضايا التي تبين وجود تراجع في مؤشرات الحريات الفردية وفي مؤشر حرية الصحافة".
فتح ملف حق الإجهاض من جديد
وترى الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان خديجة الرياضي أن قضية هاجر "يجب أن تصبح مناسبة لإعادة طرح ملف حق المرأة في الإجهاض في المغرب"، مشيرة إلى أن المسألة لم تأخذ حقها في عام 2015.
وكانت لجنة رسمية شُكّلت عام 2015 قد أوصت بإبقاء تجريم الإجهاض، مع استثناء الحالات التي يشكل فيها الحمل خطراً على حياة الأم أو الحمل الناتج من اغتصاب أو زنى محارم أو إصابة الجنين بتشوهات خلقية. لكن لم يتم تعديل القانون الجنائي بعد ليتضمن هذه الاستثناءات. ويعاقب المدانون بممارسة الإجهاض حالياً بالسجن بين عام وخمسة أعوام، بينما تراوح عقوبة النساء بالسجن بين ستة أشهر وعامين.
وترى الرياضي أن مصير قضية هاجر يرتبط بحجم الضغط الذي ستمارسه المنظمات الدولية والمحلية على السلطات المغربية، مشيرة إلى أنه قد يتم حل القضية عند وجود "ضغط كافٍ".
من جانبه يرى خبير الاجتماع السياسي د. رشيد الجرموني أن حل مشكلة تجريم الإجهاض في المغرب يرتبط بالتفاعل المجتمعي، ويضيف: "ربما كان ما تم في عام 2015 مرحلة أولى، فإذا حصل تحول مجتمعي، وهو حاصل نتيجة وجود دفاع ومطالبة وضغط من قبل منظمات المجتمع المدني، ربما سيكون هناك حل".
لكن الجرموني يشير إلى أن "طبيعة النظام السياسي في المغرب تجعله لا يرغب بحسم مثل هذه القضايا" وذلك من أجل إبقائها وسيلة للضغط على المعارضين، كما يقول.
ويضيف خبير الاجتماع السياسي: "لكن بنفس الوقت لا يذهب النظام السياسي في المغرب باتجاه منع شيء بشكل كبير، بل يتفاعل مع المجتمع"، ويتابع: "إذا ما أصبح هناك إجماع وطني حول القضية يمكن أن يتم حلها بأخف الأضرار".
لكن الجرموني يعتقد أن توتراً في مثل هذه القضايا سيبقى في المغرب "بالشكل الذي يسمح للسلطة أن تتدخل في حالات معينة".
محيي الدين حسين