قضية الجبير إلى مجلس الأمن: تصعيد جديد في منطقة متوترة أصلاً
١٥ أكتوبر ٢٠١١انضمت السعودية إلى الولايات المتحدة الأمريكية في رفع ما باتت تعرف بـ "قضية الجبير"، أو ما وصفتها الدوائر الأمريكية بـ "المؤامرة الإيرانية لاغتيال السفير السعودي في واشنطن"، إلى مجلس الأمن الدولي. فبعد الرسالة الأمريكية، التي وجهت إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، حول ملابسات قضية الجبير، أعلنت وكالة الأنباء السعودية الرسمية أن الرياض تقدمت بطلب إلى الأمين العام كي يحيط المجلس بشأن "مؤامرة الاغتيال". وبينما اكتفت السعودية بطلب الإحاطة تقدمت واشنطن بشكوى رسمية عبر مندوبتها الدائمة في مجلس الأمن سوزان رايس لبان كي مون تتهم فيها "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني برعاية "مؤامرة تهدد السلم والأمن الدوليين"، ما يجعلها من اختصاص مجلس الأمن.
وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد تعهد بفرض "أشد العقوبات" على إيران على خلفية دورها المفترض في محاولة اغتيال الجبير، موضحا أن إداراته تضع "جميع الخيارات" على الطاولة في تعاملها مع طهران. وكان وزير العدل الأمريكي قد كشف عن وجود "مؤامرة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن في إطار اعتداءات داخل الولايات المتحدة وضد دول أخرى".
من جانبها رفضت إيران التهم الموجهة لها رفضا قاطعا، واصفة الاتهامات الأمريكية بـ"سيناريو مختلق" يستهدف خلق التوترات في علاقاتها مع جيرانها. ونفت طهران أي صله لها بالشخص المشتبه به، متهمة في الوقت نفسه واشنطن برفض تقديم تفاصيل حول مخطط اغتيال السفير السعودي "حسب القواعد المتعارف عليها" في العلاقات الدولية.
ومنذ الإعلان عن "قضية الجبير" وواشنطن تكثف مساعيها لدى حلفائها ومعظم دول العالم لحشد التأييد لفرض عقوبات أشد على إيران وممارسة المزيد من الضغوط عليها. وبالفعل تجاوب حلفاء الولايات المتحدة معها وخصوصا في أوروبا ومنطقة الخليج، وبطيعة الحال السعودية.
"سيناريو غير محكم مليء بالثغرات"
رئيس المركز العربي للدراسات الإيرانية في طهران، محمد صالح صدقيان، يشكك في الرواية الأمريكية ويصفها بـ"السيناريو غير المحكم والساذج والبسيط؛ إذ لا يعقل أن يرتبط الحرس الثوري الإيراني، بما يملك من خبرة وإمكانيات بشخصية غير متوازنة في مدينة تكساس"، وذلك في إشارة إلى الموقوف الإيراني الأمريكي الجنسية منصور أرباب سير. ويضيف صدقيان، في حوار مع دويتشه فيله، بلغة ساخرة قائلا: "لو طلب وزير العدل الأمريكي من أحد كتاب السيناريو في هوليوود أن يعد له سيناريو هذه القضية لصاغ قصة أكثر معقولية وأكثر توازنا مما أعلنت عنه إدارة أوباما". ويستبعد صدقيان أن يكون الحرس الثوري الإيراني متورطاً في هذه القضية خصوصا وأنه "لم يتهم بعمليات اغتيال منذ ثلاثة عقود. ويضيف "لنفترض جدلاً بأن الحرس كان يخطط لاغتيال شخصيات سعودية، فهو لن يقوم بذلك بالتأكيد على الأرض الأمريكية".
إلا أن حسن منيمنة، كبير الباحثين في مؤسسة جرمان مارشال الأمريكية في واشنطن، يحذر من الاستخفاف بالرواية الأمريكية حتى وإن بدت للبعض غير متماسكة. ويضيف منيمنة، في حوار مع دويتشه فيله، أن الرئيس باراك أوباما ما كان ليرمي بثقله خلف هذه القضية إذا "لم تكن لديه من المعطيات والقرائن والدلائل الكافية لإثبات التهمة وإثارة الموضوع على المستوى العالمي". وحسب منيمنة فإن كل المعطيات تشير إلى وجود خطة لقتل السفير السعودي في مكان عام ما كان يمكن أن يؤدي إلى وقوع مجزرة حقيقية. وهو يشير بذلك إلى ما كشفته صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية أن "المؤامرة الإيرانية" كانت تقوم على تفجير مقهى ميلانو في منطقة جورج تاون، وهو مطعم إيطالي يرتاده السفير السعودي، كما يرتاده عادة عدد من أعضاء الكونغرس ورجال الأعمال.
أوباما والإقدام على "مجازفة خطيرة"
ويتساءل الباحث الإيراني محمد صالح صدقيان عن الأسباب التي ستدفع بإيران إلى اغتيال السفير السعودي في واشنطن، مشيرا في هذا السياق إلى أن "العلاقات الإيرانية السعودية لا تستدعي قيام الجهات الأمنية الإيرانية بعمليات اغتيال ضد دبلوماسيين سعوديين". ويضيف صدقيان بالقول: "وإذا كانت إيران تخطط للقيام بعمليات داخل الولايات المتحدة الأمريكية فلماذا تستهدف مسؤولين سعوديين"؟ ويخلص الباحث الإيراني من هذين التساؤلين إلى وجود "مخطط أمريكي لإقحام السعودية، لبث الوقيعة بين الدولتين الإسلاميتين الكبيرتين: إيران والسعودية. فواشنطن تسعى لكسب الرياض إلى صفها في صراعها مع طهران خصوصا أن أوباما كشف بوضوح عن رغبته في مجيء حكومة إيرانية جديدة بديلة عن الحالية".
وبالرغم من التأييد الذي نالته إدارة أوباما من حلفائها الغربيين فإن أوساطا سياسية وإعلامية أوروبية شككت في نجاح واشنطن في "معركتها" الجديدة مع طهران. فقد وصفت مجلة "دير شبيغل" الألمانية الواسعة الانتشار، سعي أوباما فرض عقوبات جديدة على إيران من خلال كشف محاولة اغتيال السفير السعودي بـ "المجازفة الخطرة". فمن شأن عقوبات كهذه أن تؤدي ، حسب الصحيفة ـ إلى ارتفاع صاروخي لأسعار النفط في ظل الأزمة المالية والاقتصادية التي تعاني منها أوروبا والولايات المتحدة. أما الصحافي والمحلل السياسي الألماني شتيفان بوخن فيرى أن أوباما، وبسبب الأزمة الاقتصادية، غير معني بالإقدام على مجازفة سياسية غير معروفة النتائج. ويضيف بوخن، في حوار مع دويتشه فيله، بالقول: "من هنا أرى أن اوباما لا يستطيع أن يخوض حربا جديدة في المنطقة"؛ وذلك في إشارة إلى ما قيل إن واشنطن تهدف، من خلال كشف هذه "المؤامرة"، إلى شن حرب على إيران للقضاء على طموحاتها النووية.
أحمد حسو
مراجعة: عبده جميل المخلافي