"إيران قد تحاول تعويض تراجع دورها الإقليمي بعمليات غير نظامية"
١٣ أكتوبر ٢٠١١ما بين تأكيد الجهات الأمريكية لرواية ضلوع إيران في محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، والنفي الإيراني وتشكك بعض المحللين، تأخذ القضية أبعاداً متعددة يحللها ويوضحها الخبير محمد عبد السلام رئيس تحرير مجلة السياسية الدولية"المصرية في حوار مع دويتشه فيله، حيث تبدو تلك "الرواية"بمثابة حلقة من مشهد أوسع يتعلق بالدور الإيراني في المنطقة الذي يري عبد السلام أنه يتعرض للتراجع تحت الضغط السعودي والمتغيرات الجديدة في الدول العربية.
دويتشه فيله: برأيك، ما مصداقية الرواية الأمريكية حول تورط إيران في محاولة اغتيال السفير السعودى؟
د.محمد عبد السلام: عادة لا يتم النظر لمثل هذه الروايات بجدية في الفترة الحالية، لأنها قضية استخباراتيه بالتالي فترتيباتها الفنية مقعدة جداً، ويصعب التأكد من صدقها حيث الكثير من المعلومات والتفاصيل لا تقوم أجهزة المخابرات بالكشف عنها. ولذلك فمثل هذه الروايات يتم في العادة التشكيك في مصداقيتها.
لكن على الجانب الآخر من الصعب جداً في الوقت الحالي أن يقوم أى جهاز أمنى أمريكي بإعداد عملية "طبخ معلوماتي" مثل هذه في قضية حساسة تتعلق بالشأن الإيراني، وذلك بسبب خبرتها السابقة في العراق، حينما تورطت أجهزة المخابرات الأمريكية في الترويج لمعلومات حول امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، الأمر الذي أثار الرأي العام ضدهم، بالتالي فاختلاق المخابرات الأمريكية لمثل هذه القضية أمر سيسبب الكثير من المشاكل السياسية لهم إذا ثبت كذبهم. ولهذا فأنا أرجح صدق هذه الرواية، أو على الأقل تورط إيران في أمر ما حيث أن كل تفاصيل الصورة ليست واضحة بعد.
إذا افترضنا صدق هذه الرواية، في رأيك ما هي الأسباب التي قد تدفع إيران لارتكاب مثل هذه العملية؟
إيران دولة كبيرة جدا، وفيها تعدد في مراكز اتخاذ القرارات حتى داخل جهاز الحرس الجمهوري فبعض المجموعات داخله ككتائب القدس لديها القدرة والقوة على اتخاذ قرارات منفردة. بالتالي فهناك سؤال آخر إذا كانت إيران متورطة في تلك العملية فأي جماعة داخل الجهاز الأمني الإيراني متورطة في تلك العملية؟
بالضبط مثل عملية اغتيال مبارك في التسعينات حينما تكشف تورط مجموعة داخل الدولة السودانية لا تعبر عن تيار رئيسي لكنها مجموعة فعالة ولديها القوة والمقدرة واتخذت قرار الاغتيال. وفي حالتنا فأحد السيناريوهات المطروحة على الطاولة في حالة تورط أحد المجموعات داخل إيران في تلك العملية أن يكون ذلك بسبب الدور الذي لعبته وتلعبه السعودية في الضغط عليها على المستوى الإقليمي سواء في البحرين أو اليمن أو العراق. ففي الفترة الماضية وجهت السعودية ضربات قوية للنفوذ الإيراني الإقليمي في المنطقة. ومن هذا المنطلق، ربما فكرت إحدى المجموعات الإيرانية في هذه العملية كنوع من الرد وتشتيت الانتباه السعودي عن المنطقة إقليمياً. وفي الوقت ذاته تعطى للسعودية رسالة أنها لازالت قادرة على الرد وهو أسلوب ليس جديد على إيران.
هل إن توقيت هذه العملية أو الإعلان عنها له علاقة بما يحدث الآن في سوريا؟
بالطبع سوريا الآن في مفترق طرق ولم يعد من الممكن استمرار النظام على شكله وبنيانه الحالي، لذلك بدأت الكثير من الأنظمة في الانقلاب عليه وعلى رأسها تركيا. والسعودية تمارس ضغوطاً أيضاً على النظام السوري الآن. بالتالي فربما تكون العملية الإيرانية رسالة تحذير للسعودية. مثلما حدث منذ سنوات حينما بدأت مصر في التوسع في دورها في العراق، حيث قامت مجموعات إرهابية موالية لإيران باختطاف السفير المصري إيهاب الشريف في بغداد وقتله. فإيران تستخدم مثل هذه العمليات غير النظامية للتأثير والضغط على قرارات وسياسات الدول النظامية.
كان هناك اليوم تصريحات شديدة اللهجة من الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير الخارجية البريطاني ، برأيك هل تحضِر أمريكا لرد عنيف بما فيه استخدام القوة ضد إيران؟
بالطبع أمريكا أولاً لا تريد أن تعطي الانطباع أبداً بأنها دولة مفتوحة الحدود بحيث يمكن اغتيال شخصيات سياسية على أرضها، ولن تقبل أمريكا بتحويل أرضها إلي ساحة لتصفية الحسابات بين أطراف خارجية. وبالتالي فأمريكا ستسعي لرد قوي على المحاولة الإيرانية ربما يكون في شكل تشديد الضغوط الاقتصادية، وربما ستتم إحالة ملف القضية إلي مجلس الأمن، كما حدث في حالة محاولة اغتيال مبارك في التسعينات حيث تم إحالة القضية لمجلس الأمن الذي اتخذ وقتها عقوبات صارمة ضد السودان.
نشبت مؤخرا في الخليج العربي بعض المظاهرات والتحركات الشعبية بدأت في البحرين ومنذ بضعة أسابيع كان هناك تحركات شعبية في المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، ووجهت الحكومة السعودية اتهامات إلي أصابع خارجية وراء هذه الأحداث، هل تعتقد أن إيران لديها القدرة على تحريك جماعات واسعة داخل الخليج العربي؟
راجع تصريحات بشار الأسد مع تزايد الانتقادات التركية له، كان لديه تصريحات من نوعية "سوف أشعل الشرق الأوسط كله، وسأسقط كل الأنظمة الموجودة إلى آخره". ونفس الأمر تروج له إيران حيث تردد أن لديها القدرة على تحريك بعض العناصر الشيعية الموجودة في الدول العربية، أو إجراء بعض العمليات التي توصف في أدبيات الاستخبارات بالعمليات الهدامة. وهى بالفعل تحاول فعل ذلك لأن إيران استراتيجياً محصورة وبالتالي تحاول تحريك بعض عناصر قوتها غير النظامية. لكن كما شاهدنا فاحتجاجات البحرين تمت السيطرة عليها، كذلك احتجاجات المنطقة الشرقية في السعودية تم احتوائها بسرعة، وحتى محاولة اغتيال السفير السعودي تم كشفها.
أجرى الحوار: أحمد ناجي
مراجعة: منصف السليمي