قد يكسب أردوغان الأغلبية، لكن الاستقرار أمر آخر!
٢٠ أغسطس ٢٠١٥يأمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أن يتمكن حزبه من استعادة الأغلبية التي فقدها في انتخابات حزيران/يونيو من خلال إجراء ثاني انتخابات برلمانية في أقل من ستة أشهر. بيد أن السؤال الذي يطرحه بعض المراقبين هو هل تجلب انتخابات مبكرة الاستقرار لتركيا؟ الجواب يبدو بالنفي للوهلة الأولى، إلا أن ارون شتاين، وهو محلل شؤون تركيا في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مؤسسة بحثية، يقول: "أعتقد أنه ما من شك في أن ما يريده أردوغان هو محاولة جديدة".
ومن المعروف أن انتخابات حزيران/يونيو قد أفرزت برلمانا بدون أغلبية، إذ فشل حزب العدالة والتنمية الذي ساعد أردوغان في تأسيسه في الحصول على الأغلبية للمرة الأولى منذ عام 2002، وأثبت عدم قدرته على تشكيل حكومة ائتلافية مع أي من الأحزاب الثلاثة الأخرى الممثلة في البرلمان. وتساعد حالة الغموض السياسي - التي ظهرت مع تزايد حدة الصراع مع حزب العمال الكردستاني من جديد مما أسفر عن مقتل 58 شخصا خلال الأسابيع الأربعة الماضية - في دفع الليرة التركية إلى الهبوط لمستويات جديدة لتصل إلى مستوى هبوط قياسي بلغ 2.91 مقابل الدولار.
الانتخابات المبكرة قادمة لا محالة
وبعد مشاورات مع قادة أحزاب المعارضة باءت محاولات رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو، زعيم حزب العدالة والتنمية في تشكيل ائتلاف حكومي بالفشل. وبالفعل أعاد أوغلو التفويض رسميا بتشكيل حكومة جديدة إلى الرئيس أردوغان. وتلك كانت أول محادثات لتشكيل حكومة ائتلافية، منذ أن أدت فترة الفوضى السياسية إبان التسعينيات من القرن الماضي إلى تشكيل سلسلة من الحكومات غير المستقرة.
ويعكس هذا الفشل عدم توفر أرضية مشتركة للأحزاب الرئيسية من جهة، وعدم توفر رغبة لدى أردوغان في تقاسم السلطة مع الأحزاب الأخرى من جهة ثانية. وبالفعل أشار أردوغان إلى أنه لن يكلف عضوا آخرا في البرلمان بتشكيل ائتلاف، وذلك في إشارة إلى زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، ثاني أكبر حزب فائز في الانتخابات الأخيرة. إحجام أردوغان عن تكليف كليجدار أوغلو يرجح بقوة أنه سيدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة بعد 23 آب/أغسطس.
هل ينجح أردوغان هذه المرة؟
وكان أردوغان، الذي استحوذ بالفعل على المزيد من الصلاحيات كرئيس قد قال قبل أيام "سواء قبل المرء الأمر أم لا، تغير النظام الإداري في تركيا. وما يجب عمله الآن هو تحديث هذا الوضع الفعلي في الإطار القانوني للدستور". هذه اللهجة تعني أن الرئيس لم يتخل عن طموحاته في تغيير الدستور. وهي تذكر بما قاله لأنصاره قبل انتخابات حزيران/يونيو حيث دعاهم إلى دعم حزب العدالة والتنمية لكي يتمكن من تنفيذ نظام تنفيذي على غرار النظام الفرنسي.
وجاء الرد سلبيا من صناديق الاقتراع في الانتخابات الماضية، وخسر أردوغان ما راهن عليه وبدا أكثر ضعفا من أي وقت مضى، وإن بقي السياسي الأكثر نفوذا في البلاد. وبالرغم من تفضيل أردوغان وحزبه منذ البداية خيار الانتخابات المبكرة، فإن استطلاعات الرأي التي أجريت في وقت سابق تشير إلى أن الناخبين الأتراك لم يغيروا اتجاهاتهم وآرائهم جذريا منذ حزيران/ يونيو.
وحذر الباحث آرون شتاين من سيناريو قد تبدو فيه الأجواء السياسية خلال الأيام المقبلة مشابهة للغاية لما شهدته البلاد في الانتخابات الماضية بالفعل. إذ يسعى حزب العدالة والتنمية وأردوغان على الأرجح نحو "تلطيخ" سمعة حزب الشعوب الديمقراطي، الموالي للأكراد، الذي دخل البرلمان للمرة الأولى في انتخابات حزيران/يونيو رغم حملة سابقة من النقد اللاذع واجهها من قبل. ويبدو الحزب هدفا أسهل هذه المرة، خصوصا في ظل الضغوط التي تمارس عليه جراء تجدد الصراع بين الدولة وحزب العمال الكردستاني.
إبعاد حزب الشعوب الديمقراطي عن البرلمان الهدف الأساس
بعد ركود في محادثات السلام مطلع هذا العام، انهار وقف لإطلاق النار مدته عامان وذلك في تموز/يوليو بعد العملية الإرهابية التي استهدفت تجمعا لناشطي السلام في بلدة سروج التركية. الرئيس أردوغان استغل هذه العملية وجعل محاربة حزب العمال الكردستاني مساوية لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، في خطوة اتهمه فيها خصومه بأنه يقود حملة انتخابية على وقع القصف والدمار.
وإذا كانت طائرات أردوغان تقصف جبال قنديل، حيث مواقع حزب العمال الكردستاني، فإن عينه على حزب الشعوب الديمقراطي وإبعاده عن البرلمان. لكن السؤال هو هل يخسر حزب الشعوب من هذا الصراع؟ يقول جاريث جينكينز، وهو باحث في برنامج دراسات طريق الحرير: "لا أرى أي سبيل يدل على أن ما يحدث هذه اللحظة يمكن أن يفيد حزب الشعوب الديمقراطي. السؤال الوحيد هو إلى أي مدى يلحق ذلك ضررا بالحزب"، أي هل يصل ذلك إلى فشله في تخطي حاجز العشرة في المائة المطلوبة لدخول البرلمان.
تغيير الدستور مستحيل
ويقول جينكينز: "أردوغان لديه دافعان .. الإضرار بحزب الشعوب الديمقراطي وتعزيز الجناح القومي لحزب العدالة والتنمية"، لتحقيق الأغلبية. وتشير المعطيات إلى أن حزب العدالة والتنمية الذي فاز بـ 258 مقعدا في حزيران/يونيو، يمكن أن يكسب بعض الأصوات القومية ومن ثم يمكن أن يكون لديه 276 عضوا في البرلمان بما يكفي لتحقيق أغلبية بسيطة، أي تشكيل الحكومة منفردا. بيد أن حلم تغيير الدستور سيبقى مؤجلا، على الأرجح.
لكن هل تعني هذه الأغلبية أن تركيا ستحظى باستقرار سياسي بعد الانتخابات المبكرة؟ بعض المحللين يرى المشكلة في شخص رئيس البلاد وأسلوبه. ويرى جينكينز أنه "لا يمكن (لأردوغان) أن يمضي قدما في الانتخابات بينما يتم قتل الناس كل يوم". فحتى إن ضمن حزب العدالة والتنمية أغلبية في الانتخابات القادمة، التي يمكن أن تجرى في تشرين الثاني/نوفمبر، فليس من الواضح أن ذلك يعني طي صفحة اللاستقرار الحالية.
أ.ح/ م.س (د ب أ)