قبائل سيناء بين مطرقة الحرب على الإرهاب وسندان "داعش"
١٤ يوليو ٢٠١٥نفذ حوالي 300 من أعضاء تنظيم ما يسمى بـ"ولاية سيناء" هجمات متزامنة على عدة أمكنة في مدينة الشيخ زويد، لقي خلالها 17 جنديا و100 من المتشددين مصرعهم، وفقا للبيانات الرسمية. وكان التنظيم الذي ينشط في سيناء قد أعلن مبايعته لتنظيم الدولة الإسلامية في نوفمبر الماضي. ووصف بعض المراقبين تلك العمليات بأنها أعنف المعارك التي خاضها الجيش مع تنظيمات إرهابية على الإطلاق. وقد قام الرئيس السيسي بزيارة سيناء مرتديا الزي العسكري للمرة الأولى منذ تركه لمنصب وزير الدفاع منذ أكثر من عام في إشارة إلى أن منطقة سيناء هي منطقة حرب.
إجراءات أمنية مشددة
خلال العامين الماضيين كانت أغلب العمليات تقع في الأطراف الجنوبية لمدينة الشيخ زويد، غير العمليات انتشرت لتصل "لعمق مدينة الشيخ زويد"، حسب الصحفي والناشط السيناوي مصطفى سنجر.
يعيش الصحفي سنجر في مدينة الشيخ زويد وهي أكثر مناطق شمال سيناء التهابا، ويسكنها 57 ألف نسمة وتحتوي على مدينة و14 قرية، ويوضح سنجر في حديثه لـDW" تصور أن الـ14 قرية تضررت مباشرة من هذه الحرب، ويتمثل ذلك في انعدام مصادر المياه وانقطاع الكهرباء والاتصالات معظم الوقت".
ويرى اللواء محمد مطر مدير أمن شمال سيناء الأسبق أن سبب استمرار العمليات الإرهابية رغم الإجراءات الأمنية المشددة هو وجود "مؤامرة دولية تشارك فيها قطر وتركيا والتنظيم الدولي للإخوان وحماس"، وأضاف في حديث مع DW أن "البحث عن الجهاديين وسط الجبال والصحراء يأخذ وقتا طويلا"، وهو التحليل الذي يتبناه العديد من وسائل الإعلام المصري.
ورغم تدمير الأنفاق وإقامة منطقة عازلة على الحدود مع غزة إلا أن اللواء مطر يشير إلى إمكانية أن يقوم مسلحون بحفر أنفاق أخرى لاستخدامها في نقل السلاح.
لكن الدكتور هشام بشير أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة فيعتبر في حديث مع DW أن سقوط ضحايا من أهل سيناء لاعلاقة لهم بالأحداث جعل المعركة تتحول من حرب أشخاص إلى حرب مع أيديولوجية، وهو ما يجعل القضاء على العمليات الإرهابية "مسالة صعبة جدا"، ويرى الدكتور بشير أن العمليات الإرهابية "قد تستمر لفترة ولكن بوتيرة أضعف وبشكل متقطع".
الأهالي بين نارين
نشر تنظيم "ولاية سيناء" عدة فيديوهات ظهرت فيها عمليات قتل العديد من السيناويين بتهمة التعاون مع الجيش أو الموساد الإسرائيلي ونقل معلومات عن التنظيم. وفي نفس الوقت هناك مخاطر قيام جهات أمنية باتهام المواطنين بالتعاون مع الإرهابين، وهو ما يجعل كثير من السيناويين في موقف الطرف الأضعف في المعادلة.
قيام تنظيم "ولاية سيناء" بالتعدي على مصالح بعض السيناويين خاصة الاقتصادية مهنا، هو ما دفع ببعض العائلات التي تنتمي إلى قبيلة الترابين - إحدى أكبر القبائل السيناوية- تدعو إلى الحشد ضد المسلحين، لكن في واقع الأمر فالعديد من الموقعين على بيان التعهد بمحاربة الجهاديين يعيشون في القاهرة، وليس في سيناء، وهو ما يؤثر على مصداقية تلك التحركات.
وكانت بعض عناصر هذه القبيلة قد أعلنت عن اجتماع عقدته مع عدد من كبار بعض القبائل السيناوية أوائل مايو الماضي بتأمين من الحكومة، لكن الصحفي والناشط السيناوي مصطفى سنجر يؤكد في هذا السياق أن تلك التحركات غير قائمة على أرض الواقع وهي تحركات إعلامية ويتم الإعلان عنها عبر صفحات موقع "فيس بوك".
ويقلل الدكتور هشام بشير أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة من نتائج ذلك الإجتماع ومن مطالب السلطات للأهالي في سيناء بعدم التعاون مع المسلحين ويقول: "كثير منهم لن يستجيبوا بسبب ظروف اقتصادية واجتماعية، لم تستطع الحكومة معالجتها. فالتهميش الذي يعانون منه منذ أكثر من 30 عاما لازال مستمرا"، مشيرا إلى أن الإسلاميين قدموا لهؤلاء خدمات مباشرة ومواد غذائية ورعاية صحية.
وكان تنظيم "ولاية سيناء" قد نشر صورا لبعض عناصره الملثمين وهم يقومون بتوزيع بعض الأموال على بعض الفقراء.
أوضاع اجتماعية واقتصادية مأساوية
من يعمل بمدينة العريش (عاصمة المحافظة) ويريد التوجه إلى مدينة الشيخ زويد فيلزمه مرور 8 نقاط تفتيش للجيش على مسافة 35 كيلو متر، ومن يسكن في رفح يلزمه المرور عبر 23 نقطة تفتيش، بعضها غير مسموح بالمرور منها، فيجب البحث عن طريق آخر."قد تدوم مدة التفتيش 5 دقائق وقد تكون لساعات طويلة حتى الليل أوساعات حظر التجوال التي لا يسمح فيها بالتحرك إطلاقا ما بين القرى" كما يقول الصحفي مصطى سنجر. "ولو حصلت إصابة أو مرض مفاجئ يتعذر نقل المصاب أو المريض لأن الإسعاف لا يأتي إلى مدينة الشيخ زويد إلا عن طريق التنسيق مع الجيش... الخاسر الأكبر هم الأهالي وهم لا يزالون يدفعون الثمن".
الإعلام وموضوع سيناء
بعد الأحداث المروعة في سيناء أعلن الرئيس السيسي عن تطبيق حالة الطوارئ وعزل المنطقة الحدودية وتهجير بعض أهالي منطقة رفح، وتوسيع المنطقة العازلة إلى نحو 8 كيلو متر في حين كانت نبرة الاتهامات الغاضبة متواجدة في معظم وسائل الإعلام المصرية والتي هي بطبيعة الحال موالية للرئيس.
في المقابل، شن مساعد رئيس جهاز تنمية سيناء الأسبق أحمد صقر هجوما حادا على الإعلام الموالي لنظام السيسي قائلا "أهالي سيناء هم خط دفاع الأمن القومي الأول ولا يزالون يعانون بل يرون في الإعلام من يطالب بتهجيرهم أو حرقهم، مشيرا إلى أنه لن يتم القضاء على الإرهاب بالجيش وحده ولكن بعلاج جذور المرض وليس بالمسكنات ووعود كاذبة.
وعمل صقر كمساعد لرئيس جهاز تنمية سيناء لمدة عام ويعمل حاليا عضوا في المكتب الفني لوزير التخطيط والتعاون الدولي، ويعزو صقر عدم تنفيذ الوعود الخاصة بتنمية سيناء إلى غياب الإرادة السياسية ، بالرغم من الموارد الطبيعية والجغرافيا المميزة والموارد البشرية في المنطقة، ويضيف صقر قائلا: "ليست هناك رؤية لتنمية سيناء من الأساس"، كما يتساءل عن مصير الـ10 مليارات التي وعد بها السيسي لتنفيذ التنمية، "أين مشروع مطار رأس سدر... وماذا فعلت الدولة لمكافحة الإرهاب؟"
ويؤكد صقر أن التأخير في التنمية واستمرار تهميش سيناء بدعوى محاربة الإرهاب يزيد من الاحتقان المجتمعي، بل يؤدي "لتفريخ إرهابيين جدد" ويستخلص قائلا: "لو وضعت سكان أرقى منطقة في مصر تحت حظر التجوال وبدون ضروريات الحياة الأساسية ...فسيكونون بمثابة قنبلة موقوتة حيث سيسخطون على الدولة وقد يقومون بعمليات إرهابية".