قانون العودة لمستوطنات أخليت يجابه بغضب وانتقادات
٢٧ مارس ٢٠٢٣في ليل الاثنين-الثلاثاء (20 -21 آذار/مارس 2023)، أتم الكنيست الإسرائيلي القراءة الثانية والثالثة لقانون يسمح بعودة المستوطنين لأربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. ويشرعن التعديل على "قانون فك الارتباط" العودة إلى مستوطنات خوميش وغانيم وكاديم وصانور الواقعة بين مدينتي نابلس وجنين.
ردود الفعل الدولية لم تتأخر: في خطوة نادرة، استدعت الحكومة الأمريكية السفير الإسرائيلي مايكل هيرتسوغ للقاء نائبة وزير الخارجية الأمريكية، ويندي شيرمان، التي عبرت عن "قلق الولايات المتحدة" من تعديل القانون.
سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى توضيح أن "الحكومة لا تنوي إقامة مستوطنات جديدة في هذه المناطق". لكن قرار الكنيست سينهي "القانون التمييزي والمهين" الذي لم يسمح لليهود بالعيش في "وطنهم التاريخي"، على حد تعبيره.
يعد إلغاء قانون الانسحاب نجاحاً كبيراً للمؤيدين لسياسة الاستيطان والأحزاب اليمينية المتطرفة المؤيدة للاستيطان في داخل الحكومة. إذ جعلت حكومة الائتلاف اليميني الديني من تعزيز التوسع الاستيطاني وبالتالي ضم محتمل لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة في صلب سياساته.
لماذا أخليت تلك المستوطنات؟
في عام 2005، قررت الحكومة آنذاك برئاسة رئيس الوزراء المحافظ أرييل شارون الانسحاب من المستوطنات في قطاع غزة وأربع مستوطنات أخرى في شمال الضفة الغربية. في ذلك الوقت، كان الجهد العسكري الكبير المطلوب لحماية المستوطنين أحد أسباب إخلاء المستوطنات. لكن المخاوف الأمنية التي كانت لدى شارون منذ ما يقرب من 20 عاماً حاضرة اليوم أكثر من أي وقت مضى.
استمرت الأوضاع في شمال الضفة الغربية على وجه الخصوص في التدهور في الأشهر الأخيرة. ويقول الجيش الإسرائيلي إنه ينفذ "عمليات للتصدي للإرهاب" بشكل شبه يومي في مدينتي جنين ونابلس في إطار "عملية كاسر الأمواج". كما ازداد عنف من جانب المستوطنين.
ومن جانبها، ذكرت مصادر فلسطينية أن 80 شخصاً على الأقل لقوا مصرعهم منذ بداية العام، من بينهم مسلحون ومدنيون أيضاً من الفلسطينيين. وقتل 15 اسرائيلياً على الأقل في هجمات شنها فلسطينيون في اسرائيل والضفة الغربية المحتلة.
بعد الانسحاب في عام 2005، أقام المستوطنون في مستوطنة خوميش بإنشاء أبنية غير قانونية من بينها مدرسة دينية يهودية، الأمر الذي دفع الجيش الإسرائيلي لطردهم عدة مرات. الآن يمكنهم العودة بشكل قانوني.
القانون الإسرائيلي مقابل القانون الدولي
قامت الحكومة الدينية اليمينية الحالية بقيادة نتنياهو مؤخراً بإضفاء الشرعية على تسعة "بؤر استيطانية"، والتي كانت تعتبر غير قانونية حتى بموجب القانون الإسرائيلي، وقررت بناء حوالي 7000 وحدة استيطانية جديدة في المستوطنات في الضفة الغربية.
تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير شرعية بموجب القانون الدولي، بيد أن إسرائيل ترفض هذا الرأي. خلال حرب الأيام الستة عام 1967، احتلت إسرائيل الضفة الغربية والقدس الشرقية، والجولان وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، وضمت القدس الشرقية لاحقاً. ومع ذلك، يريد الفلسطينيون إقامة دولتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية. يُنظر إلى بناء المستوطنات الإسرائيلية على أنه عقبة رئيسية أمام تلك الدولة، لأنه يقطع الأرض الفلسطينية بشكل كبير ويجعل إقامة دولة فلسطينية متماسكة شبه مستحيلة.
مفاعيل القرار؟
حتى لو لم يتضح بعد ما إذا كان مستوطنون سيعودن بالفعل لتلك المستوطنات الأربعة، فقد تتم إقامة بؤر استيطانية جديدة في شمال الضفة الغربية، ما سيؤدي إلى مفاقمة النزاع. وهكذا فإن حكومة الائتلاف اليميني الديني تخلق "حقائق (على الأرض) لمنع قيام دولة فلسطينية"، كما تقول منظمة "السلام الآن" اليسارية الإسرائيلية، التي توثق الأنشطة الاستيطانية للحكومات الإسرائيلية منذ سنوات. وأضافت أنها "قضية أمنية ضخمة ومصدر لعنف المستوطنين. هذا القرار سيكون له تداعيات على مدى أجيال".
وجاء التصويت في الكنيست بعد ساعات فقط من انعقاد قمة برعاية أمريكية بين مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين في مدينة شرم الشيخ المصرية بهدف تهدئة الوضع العام المتصاعد. في الإعلان الختامي للقمة، تعهدت إسرائيل بعدم القيام بأي أنشطة استيطانية جديدة في الأشهر الأربعة المقبلة، كإجراء من الإجراءات لتجنب المزيد من التصعيد في شهر رمضان.
ردود فعل من القريب والبعيد
ردود الفعل الفلسطينية والدولية على تعديل القانون لم تتأخر. فقد قالت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يعتبر ذلك "انتهاكاً" لقرار مجلس الأمن الدولي لعام 2016 الذي يصف المستوطنات بأنها غير شرعية.
ومن جانبها، انتقدت حكومة الولايات المتحدة القانون بعبارات صارمة بشكل غير عادي ووصفته بأنه "استفزازي وذي نتائج عكسية". وقال فيدانت باتيل، نائب السكرتير الصحفي في وزارة الخارجية الأمريكية، إن الولايات المتحدة "قلقة للغاية"، مشيراً إلى أن "خوميش مبنية على أرض فلسطينية تعود لفلسطينيين". وأردف أن القانون يتعارض مع الضمانات الإسرائيلية التي تم الاتفاق عليها أيام الرئيس جورج دبليو بوش: "منذ حوالي عشرين عاماً، أكد رئيس الوزراء ارييل شارون لجورج دبليو بوش بشكل خطي، وباسم اسرائيل، إخلاء المستوطنات والبؤر الاستيطانية في شمال الضفة الغربية من اجل إعادة الاستقرار (...)".
تجدد التوتر الدبلوماسي بين إدارة بايدن وحكومة الائتلاف اليميني الديني برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي لا يزال ينتظر دعوته لزيارة البيت الأبيض.
الانتقادات لم تأت من واشنطن فحسب؛ إذ صدرت ردود فعل حادة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ألمانيا، ومن الأردن المجاورة. وكانت وسائل اعلام محلية في الأردن قد ذكرت أنه تم استدعاء السفير الإسرائيلي في عمان قبل فترة وجيزة لأن وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش أدلى مرة أخرى بتصريحات عنصرية ومعادية للعرب. وقال سموتريتش، الذي يرأس أيضاً السلطة الإدارية المدنية والعسكرية في الضفة الغربية المحتلة، في فعالية في باريس أنه "لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني"، هذا في الوقت الذي وقف فيه السياسي من حزب "الصهيونية الدينية" أمام خريطة تظهر الضفة الغربية المحتلة والأردن كأراضي إسرائيلية.
تانيا كريمر/خ.س