في ظل علاقات معقدة.. ما المتوقع من جولة أردوغان الخليجية؟
١٦ يوليو ٢٠٢٣يبدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جولة خليجية لمدة ثلاثة أيام تشمل زيارة السعودية الإثنين وقطر الثلاثاء وفي الختام زيارة الإمارات الأربعاء، فيما يتوقع أن يشهد خلال الزيارة توقيع صفقات بمليارات الدولارات في مجالات عدة بداية خصخصة أصول مملوكة للدولة وجذب استثمارات مباشرة وإبرام اتفاقيات استحواذ وحتى صفقات دفاعية.
وفي لقاء مع صحف تركية، قال أردوغان الأسبوع الماضي: "خلال زيارتنا، ستتاح لنا الفرصة المتابعة الشخصية للدعم الذي ستقدمه هذه الدول لتركيا. لقد أعربوا بالفعل عن استعدادهم لضخ استثمارات جادة في تركيا خلال اتصالاتي معهم السابقة. آمل أن يُحسم ذلك خلال هذه الزيارة".
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤولين أتراك قولهم إنهم يأملون في جذب استثمارات خليجية مباشرة بقيمة عشرة مليارات دولار (8.9 مليار يورو) خلال جولة أردوغان بما يشمل استثمارات تتراوح ما بين 25 مليار دولار و 30 مليار دولار إجمالا على المدى البعيد.
هربا من ضغوط الاقتصاد
ويشير ذلك إلى الأهمية الاقتصادية التي يوليها أردوغان إلى جولته الخليجية خاصة في ظل الضغوط التي يتعرض لها اقتصاد بلاده بفضل ما يعتبره اقتصاديون من سياسات أردوغان غير التقليدية حاول من خلالها معالجة المشاكل الاقتصادية.
وتتزامن الجولة مع تسجيل معدلات التضخم مستويات قياسية مع انخفضت قيمة الليرة إلى مستويات قياسية فيما باتت السيطرة على عجز ميزانية الحكومة أمرا صعب التحقيق.
وعلى وقع ذلك، يرى أردوغان زيارته الخليجية بعد إعادة انتخابه في مايو/ أيار تعد ضرورية لدعم الاقتصاد التركية وتعزيز قيادته داخل البلاد في ضوء أن دول الخليج الغنية بالنفط قد ساعدت أنقرة في حل أزمة العملات الأجنبية على الأقل على المدى القصير من خلال اتفاقيات مبادلة العملات المباشرة وإيداع أموال مباشرة في حسابات الدولة التركية.
فعلى سبيل المثال، قدمت قطر والإمارات لتركيا حوالي 20 مليار دولار في اتفاقيات مبادلة العملات فيما أودعت السعودية في مارس/ آذار الماضي 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي للمساعدة في دعم اقتصاد البلاد.
بيد أن العلاقات التركية-الخليجية لم تكن على وفاق دائم، إذ تتسم علاقة أنقرة بدول الخليج بالكثير من التعقيد، فقد انتقلت من التنافس إلى الانفراج ومن الشقاق إلى العودة إلى علاقات أكثر ودية مرة أخرى.
زواج المصلحة بين تركيا وقطر
ومن بين دول الخليج، كان العلاقة بين تركيا وقطر الأفضل إذ كانت أنقرة حليفة الدوحة لأكثر من عشر سنوات حيث اصطفت تركيا إلى جانب قطر عام 2014 إبان أزمتها مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر في خلاف أدى إلى عزل قطر من قبل الدول الخليجية الثلاثة.
وتفاقمت الأزمة الدبلوماسية مع قيام الدول الثلاث بفرض حصار جوي وبري على قطر بين عامي 2017 ومطلع 2021 مما دفع تركيا إلى إرسال مواد غذائية ومياه وأدوية وقوات إلى قطر.
وكرد للجميل، وقفت الدوحة إلى جانب أنقرة في في المسرح الدولي، إذ ضخت استثمارات مالية كبيرة في تركيا حيث ارتفع الاستثمار القطري في تركيا بنسبة 500 بالمائة بين عامي 2016 و2019.
ورغم ذلك، يرى باحثون بمعهد كلينجينديل في لاهاي عام 2021 أن العلاقة القوية بين تركيا وقطر والتحالف الدبلوماسي بينهما ليس سوى "زواج مصلحة"، إذ يوفر الدعم العسكري التركي "لقطر الحماية التي تحتاجها للحفاظ على سياسة خارجية مستقلة يمكن أن تصمد أمام الضغوط السعودية والإماراتية. أما بالنسبة لتركيا، فإن الشراكة مع قطر تعد وسيلة لأنقرة للترويج لمحاولتها لقيادة ناعمة للعالم السني".
صداقة مالية مع الإمارات
وفيما يتعلق بالإمارات، فقد تبنت أبو ظبي نهجا معتدلا وغير مغالٍ مع أنقرة، فرغم توتر العلاقات خلال الأزمة الخليجية، إلا أن تركيا عمدت إلى تعزيز علاقة إيجابية بشكل متزايد مع خصومها السابقين في الخليج خاصة السعودية والإمارات منذ عودة قطر إلى الحظيرة الدبلوماسية الخليجية أواخر عام 2021.
وبعد ثلاثة أيام من فوز أردوغان بالسباق الرئاسي، وقعت تركيا والإمارات اتفاقية تجارية بقيمة 40 مليار دولار على مدى خمس سنوات الخمس المقبلة وسط احتمالات بإبرام صفقات دفاعية.
وأفادت تقارير أواخر العام الماضي بإن الإمارات تجري مفاوضات لعقد صفقة لشراء طائرات مسيرة عسكرية من طراز "بيرقدار بي بي 2" تركية الصنع فيما جرى تسليم عشرين طائرة مسيرة إلى الإمارات في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
علاقة متقلبة مع السعودية
عندما يتطرق الحديث إلى علاقات التركية-الخليجية، فإن السعودية تقف على طرف النقيض من قطر. وفي هذا السياق تقول الباحثة التركية سينم جنكيز في تحليل لـ "منتدى الخليج الدولي" صدر مايو/ أيار الماضي: "انخرطت تركيا والسعودية في تنافس إقليمي قوي على مر التاريخ حيث تتنافسان على النفوذ والقيادة".
وأضافت جنكيز، الباحثة في جامعة قطر، أنه منذ مطلع القرن الحالي، يمكن وصف العلاقات بين البلدين بأنها متقلبة. فبعد "الربيع العربي" عام 2011، وقفت تركيا إلى جانب قطر في دعم المتظاهرين المناهضين للحكومات في دول عربية لا سيما سوريا.
بدوره يقول سابان كارداس، أستاذة العلاقات الدولية في جامعة توب للاقتصاد والتكنولوجيا بتركيا، في تحليل صدر أواخر عام 2021 إن دول الخليج الأخرى كانت قلقة من أن "تركيا ربما لديها نوايا عدوانية وأنها تسعى للتدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى وتوسيع نفوذها في العالم العربي، لذا اختاروا تصنيف تركيا بمثابة عنصر مزعزع لاستقرارها".
ففي عام 2018، أدت واقعة مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول إلى قطيعة دبلوماسية شبه كاملة فيما طالب رجال أعمال سعوديون في عام 2020 بمقاطعة السلع التركية الصنع وحظر إعلامي، فيما بدت السعودية في اتخاذ مواقف ضد تركيا في النزاعات الدولية خاصة في سياق النزاع بين تركيا واليونان والخلاف بين أنقرة والقاهرة.
كذلك، فإن الدور التركي الصاعد في العالم الإسلامي أثار غضب السعودية حيث كان هذا الدور تمتلكه الرياض بفضل مكانتها في قلوب المسلمين إذ تحتضن على أراضيها الحرمين الشريفين، المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة المنورة.
ورغم التنافس طويل الأمد، إلا أن أسوأ مراحل العداء بين البلدين قد تبددت إلى حد ما العام الماضي حيث حظت الرياض بعلاقة اقتصادية مع تركيا وباتت التجارة السعودية مع تركيا الأسرع نموا مقارنة بباقي دول الخليج.
وقد تجاوزت التجارية الثنائية عتبة الـ 6.5 مليار دولار العام الماضي فيما وصلت خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري إلى 3.4 مليار دولار، حسبما ذكرت صحيفة "ديلي صباح" التركية الأسبوع الماضي.
وأشارت وكالة "بلومبرغ" في يونيو/ حزيران إلى أن مسؤولين من عملاق النفط السعودي "أرامكو" اجتمعوا مع حوالي 80 مقاولًا تركيا في أنقرة لمناقشة مشاريع محتملة بقيمة 50 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة.
ويعتقد مراقبون أن قطاع التسليح والدفاع التركي قد يجذب اهتمام السعودية إذ قد تشهد المرحلة المقبلة شراء الرياض طائرات مسيرة عسكرية تركية من طراز (بيرقدار بي بي 2) على غرار الإمارات وربما تسيير دوريات في طرق شحن النفط.
كاثرين شاير/ م.ع