في زمن الحرب .. الممرات الإنسانية طوق نجاة المدنيين
٨ مارس ٢٠٢٢يصاحب اندلاع أي حرب في العالم الكثير من المصطلحات التي تتعلق بالنزاعات والمواجهات العسكرية ومن بينها مصطلح "الممرات الإنسانية"، الذي أصبح شائعا في زمن الحروب.
ما هي الممرات الإنسانية؟
وفقا للأمم المتحدة، فإن الممرات الإنسانية تعد أحد الأشكال المتعددة التي تفضي إلى وقف مؤقت للنزاع المسلح حيث تُعرف هذه الممرات باعتبارها مناطق منزوعة السلاح تتفق الأطراف المتحاربة على إنشائها في مناطق محددة ولفترة زمنية محددة.
الهدف من الممرات الإنسانية؟
يهدف إنشاء الممرات الإنسانية بشكل رئيسي إلى إيصال المواد الغذائية والطبية إلى المناطق التي تشهد معارك وقتالا عسكريا أو لإجلاء المدنيين، خاصة وأن هذه الممرات تصبح ضرورية عندما تُحاصر مدنٌ، ما يعني حرمان السكان المدنيين من الحصول على المواد الغذائية الأساسية والكهرباء والمياه.
بيد أنه تزداد الحاجة إلى إنشاء ممرات إنسانية لتصبح بمثابة طوق نجاة لإغاثة المدنيين وسط المخاوف من حدوث كوارث إنسانية خلال الحروب جراء انتهاك القانون الدولي، على سبيل قصف أهداف مدنية على نطاق واسع.
من المسؤول عن إنشاء الممرات الإنسانية؟
في أغلب الأحيان، تقع على كاهل الأمم المتحدة مسؤولة التفاوض بين الأطراف المتحاربة لإنشاء الممرات الإنسانية، بيد أنه في بعض الأحيان تقوم الجماعات المحلية على إنشاء هذه الممرات.
ولأنّ جميع الأطراف المتحاربة بحاجة إلى الاتفاق فيما بينها على إنشاء الممرات الإنسانية، تكون هناك مخاطر حدوث انتهاكات عسكرية أو سياسية لهذه الممرات. إذ يمكن مثلا استخدامها لتهريب الأسلحة إلى المدن المحاصرة.
كذلك، يمكن استخدام الممرات الإنسانية من قبل مراقبي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والصحفيين للوصول إلى المناطق التي تشهد أعمالا عسكرية للتحقيق في احتمالية ارتكاب جرائم حرب.
الممرات الإنسانية والغزو الروسي لأوكرانيا؟
كان يُفترض أن تشهد مناطق شرق أوكرانيا، السبت الماضي، سريان وقف لإطلاق النار مدته خمس ساعات للسماح بإجلاء قرابة مائتي ألف شخص من ماريوبول و 15 ألفا من سكان مدينة فولوفاكيا.
بيد أن هذه المبادرة فشلت بعد ساعات قليلة إذ قالت إدارة مدينة ماريوبول إنه تم تأجيل إجلاء المدنيين "لأسباب أمنية" لأن القوات الروسية واصلت قصف المدينة والمناطق المحيطة بها.
وفي المقابل، قال الجانب الروسي، وفقا لوكالة رويترز، إن الممرات التي تم إنشاؤها قرب هاتين المدينتين لم تُستخدم، فيما ذكرت وسائل إعلام روسية رسمية أن من وصفتهم "بالقوميين" منعوا المدنيين من المغادرة، كما تعرضت القوات الروسية لإطلاق النار خلال الهدنة.
وفي مدينة خيرسون الأوكرانية الساحلية، قالت السلطات إن روسيا لم تفِ بوعدها بإنشاء ممر إنساني، حيث لم يُسمح سوى بمرور تسع عشرة سيارة تحمل مساعدات إنسانية.
وكبديل عن ذلك، خططت روسيا لإرسال "دعم رفيع المستوى" إلى السكان المدنيين، وهو الأمر الذي أثار سخرية وتهكما من الجانب الأوكراني، حيث كتب عمدة خيرسون إيغور كوليخاييف عبر حسابه على فيسبوك: "في البداية تسبب (الروس) في هذه الحالة الحرجة، ثم قاموا بعد ذلك بمحاولة إنقاذنا لكي نشكرهم أمام الكاميرات".
الجهات المحايدة؟
تحدد الأطراف المتحاربة الجهات التي يحق لها الوصول إلى الممرات الإنسانية واستخدامها، وهو الأمر الذي يقتصر في أغلب الأحيان على الجهات الفاعلة المحايدة أو الأمم المتحدة أو منظمات الإغاثة مثل الصليب الأحمر.
كذلك، تحدد الأطراف المتحاربة الفترة الزمنية الخاصة باستخدام الممرات الإنسانية وأيضا نطاقها الجغرافي ووسائل النقل المستخدمة عبر هذه الممرات لإجلاء المدنيين أو لنقل المواد الإنسانية.
ويعد من النادر أن يقوم أحد أطراف النزاع وحده بإنشاء وتنظيم ممرات إنسانية، لكن حدث ذلك إبان حصار برلين من قبل الاتحاد السوفيتي في 1948-1949 حيث تم إنشاء الجسر الجوي الأمريكي، الذي أنقذ غرب برلين من الجوع والعزلة.
أبزر الممرات الإنسانية في السابق
يعتقد المؤرخون أن فكرة إنشاء ممرات إنسانية تعود إلى منتصف القرن العشرين حيث أنقذت هذه الممرات سكان مناطق ومدن تعرضت للحصار خلال المعارك.
ويعد من أبرز هذه الممرات برنامج أطلق عليه اسم "كيندر ترانسبورت" يعني بالألمانية "نقل الأطفال" حيث نُقل أطفال اليهود من المناطق الخاضعة للسيطرة النازية، من عام 1938 إلى عام 1939، إلى المملكة المتحدة .
وخلال حصار سراييفو، عاصمة البوسنة، الذي استمر من عام 1992 وحتى 1995، تم إنشاء ممرات إنسانية لإنقاذ السكان المدنيين، فيما تم إنشاء ممرات إنسانية لإجلاء المدنيين من الغوطة الشرقية في ريف دمشق عام 2018.
ورغم نجاح الممرات الإنسانية في إنقاذ المدنيين خلال الحروب، إلا أن بعض الدعوات لإنشاء ممرات مدنية لم تجد أي صدى لاسيما في الحرب الجارية في اليمن، إذ لم تحرز الأمم المتحدة أي تقدم ملموس في المفاوضات الرامية إلى توفير ممرات إنسانية.
ميشال بينكي / م ع