فنانون عرب لاجئون يجدون مساحة لفنهم في المتحف اليهودي ببرلين
٢٩ أغسطس ٢٠١٧ما أن تطأ قدماك الطابق الأول من المتحف اليهودي في برلين حتى ترى أن اللون الأزرق طغى على جدران الطابق. إنه "الفضاء الأزرق" - العنوان الذي اختاره الفنانون العارضون لمشروع عملهم الفني المشترك. ما أن دخلنا قاعة العرض حتى استقبلتنا السيدة بيرغيت روسي بابتسامة قائلة لنا بصوت هادئ: "أنتم الآن في الفضاء الأزرق. هنا يلتقي فنانون لاجئون قادمون من دول تعيش أوضاعاً أمنية عسيرة من بينهم فنانون سوريون وعراقيون".
تقوم السيدة روسي منذ انطلاق المشروع في مستهل هذه السنة بمرافقة ودعم المشروع عموماً. وتضيف في حديثها مع DW عربية: "أستمع إلى مشاغل كل فنان. أحاول أن أقدم له المساعدة المناسبة حتى يتمكن من العمل بكل راحة وطمأنينة في هذا الفضاء الذي أعد خصيصاً لهم من أجل التعبير عن أفراحهم وأتراحهم". أثناء الحوار مع بيرغيت روسي، جلس رسام على مقعد كرتوني صغير وانهمك في رسم صورة تترجم الطبيعة الأوروبية. "إنه الرسام العراقي أيوب شيخان الذي يأتي يومياً من أجل الرسم في المتحف"، هكذا عرفتنا السيدة روسي بإيجاز بالفنان الكردي الأصل الذي أجابنا عن شعوره وهو يزور الفضاء الأزرق حيث تتفتق مواهبه قائلاً: "إنها فرصة ليس كمثلها فرصة. لقد تمكنت من التعرف على ثلة من الرسامين والمصورين والمبدعين في حقول أخرى من مختلف المدارس الفنية، ومبدعين عرب وآخرين من دول أخرى".
حرية في اختيار مواضيع الرسم لا تتوفر في أوطانهم
يشار إلى أن نحو 20 فناناً من 12 دولة يشاركون في هذا المشروع الفني، من بينهم فنانون قدموا من العراق وسوريا. ويعد الفنان العراقي الخمسيني من المتحمسين في هذا المشروع، كما يقول والبهجة ترتسم على محياه. ويتابع بالقول: "أقضي أوقاتاً طويلة وممتعة في ورشة العمل. لقد قمت برسم لوحات عديدة لا يمكنني عرضها كلها نظراً لصغر الفضاء نسبياً". يمكن رؤية أعمال أيوب في زاوية من فضاء قاعة العرض. وضع على أرضيتها كل ما يحتاجه للرسم من ريشات وألوان.
وحول المواضيع التي يتناولها الرسام العراقي في عمله في الفضاء الأزرق المفتوح، يقول الرسام الكردي العراقي: "هنا في المتحف منحت كل وقتي لرسم الطبيعة الخلابة التي تعرفت عليها هنا في أوروبا. أنا أعشق الريف الأوروبي بمروجه الخضراء وبحيراته ومنازله الريفية". لا تقتصر إبداعات أيوب على المناظر الطبيعية فحسب، بل ترى أيضاً في زاويته صوراً تعبيرية غامضة يصعب تفسيرها.
أيوب ترك وطنه العراق قبل حوالي سنتين، وهو الآن يتمتع بحرية الرسم والخلق والإبداع دون رقابة اجتماعية أو إدارية، وفي هذا الصدد يقول لـDW عربية: "هنا أشعر بالحرية التامة في اختيار مواضيعي، على عكس ما كنت عليه في العراق. لقد كان عليّ أن أراعي التقاليد والدين والمجتمع، ناهيك عن السياسة التي تظل موضوعا ً يُحسب له مائة حساب". من بين الأعمال التي قام بها الفنان العراقي في وطنه رسم أشكال وصور على السيارات. لقد كان العمل الذي يقتات منه، كما يقول.
مساحة للفن والحوار
فنانون آخرون يتحاورون مع بعضهم البعض في القاعة ومع الزوار أيضاً. هذا هو أحد أهداف "الفضاء الأزرق"، بحسب بيرغيت روسي، التي تتابع بالقول: "لا يقتصر العمل هنا في القاعة على الفن فحسب. بل من الأهداف التي وضعت من قبل باعثي المشروع والفنانين هي الحديث والحوار والنقاش مع الزوار".
المغزى من المشروع هو أن يتعرف الزائر على الفنانين الآخرين ويدخل معهم في حوار ليس بالضرورة حول الفن، بل حول أي موضوع يودون الحديث عنه، كي "يكون الفنان قريباً من الزائر، أي أن يكون منفتحاً على محيطه الجديد. بالنسبة للزوار ستكون هذه فرصة للتعرف على فنانين لاجئين والدخول في حوار معهم. لقد لاحظنا أن الزوار كانوا متعطشين للتعرف على حياة الفنانين الشخصية والتعرف على وضعهم، خاصة في أوطانهم"، بحسب ما توضح بيرغيت روسي.
زائرة المتحف بتينا شولتز، والتي حضرت للسياحة في العاصمة الألمانية من مدينة هانوفر، قالت حول الفكرة الأساسية للمشروع الفني: "أعتقد أن الحديث مع الفنان أمر هام يجعلني أتعرف على مشوار الفنانين اللاجئين في أوطانهم ونظرتهم للأشياء، سواءاً كان ذلك في وطنه الممزق أو هنا في ألمانيا". هذا ورحبت الطالبة الجامعية بمثل هذا المشروع المتميز قائلة: "أتمنى أن تحذو المتاحف ودور الثقافة في ألمانيا حذو المتحف اليهودي في برلين".
شكري الشابي - برلين