فريدريش ميرتس.. خصم ميركل العنيد يقود المحافظين بعد رحيلها
١٨ ديسمبر ٢٠٢١في المرة الثالثة - وبعد رحيل أنغيلا ميركل عن منصب المستشارية - حقق فريدريش ميرتس أخيراً هدفه في الفوز برئاسة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، بعد أن حصل على أصوات 62,1 بالمائة من أعضاء الحزب، حيث حسم الانتخابات من الجولة الأولى، على عكس ما توقعه كثيرون بعدم حصوله أو أحد منافسيه على أكثر من 50 بالمائة في الجولة الأولى.
وقد نافس ميرتس على رئاسة الحزب خبير السياسة الخارجية، نوربرت روتغن الذي حصل على 25,8 من الأصوات، وهيلغه براون، رئيس ديوان المستشارية السابق في عهد ميركل الذي حصل فقط على 12,1 من الأصوات.
شارك حوالي ثلثي أعضاء الحزب البالغ عددهم 400 ألف عضو، في هذا التصويت الأول من نوعه لانتخاب رئيس للحزب. لكن يجب تثبيت انتخاب فريدريش ميرتس وفوزه بشكل رسمي خلال مؤتمر الحزب الذي سيعقد رقميا يومي 21 و22 كانون الثاني/ يناير المقبل، حيث سيترشح خلال المؤتمر الذي سينتخبه رسمياً رئيساً للحزب لمدة عامين، وهو إجراء شكلي لا بد منه.
فريديريش ميرتس حقوقي وخبير اقتصادي من مواليد عام 1955، ينحدر من عائلة حقوقية في ولاية شمال الراين - ويستفاليا، متزوج من شارلوته منذ عام 1981، التي هي أيضاً حقوقية مديرة إحدى المحاكم، ولديهما ثلاثة أبناء.
وصل ميرتس أول مرة عام 1994 إلى البرلمان الألماني "بوندستاغ" نائباً عن حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، ومنذ ذلك الحين كانت توجهاته مختلفة عن توجهات المستشارة السابقة أنغيلا ميركل، داخل معسكر المحافظين.
ميركل كانت مدعومة آنذاك من أعضاء الحزب الشباب، في حين كان ميرتس تقليدياً محافظاً أكثر منها. في الصراع على قيادة كتلة الحزب في البرلمان خسر المعركة أمام ميركل عام 2002، وفي عام 2004 ترك اللجنة القيادية في الحزب مستاء، وعام 2009 تخلى عن مقعده في البرلمان أيضا. بعد ذلك ابتعد عن المشهد السياسي مكرسا جهوده للاقتصاد، حيث حقق النجاح وأصبح عام 2016 مدير فرع ألمانيا لشركة الاستثمارات وإدارة الثروات الأمريكية "بلاك روك".
خوض معركة رئاسة الحزب للمرة الثالثة
حين أعلنت ميركل عام 2018 تخليها عن قيادة الحزب، ترشح فريدريش ميرتس لخلافتها، لكنه خسر أمام امرأة أخرى كانت مقربة ومدعومة من خصمه ميركل، وهي أنغريت كرامب كارنباور، التي أصبحت رئيسة الحزب ووزيرة للدفاع. لكن ميرتس كان ولا يزال بالنسبة للكثيرين من أعضاء حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي المحافظ، الشخصية التي يمكن أن تعيد للحزب وجهه المحافظ في فترة ما قبل عهد ميركل الذي اتسم بالحداثة والابتعاد عن النهج المحافظ التقليدي.
بعد استقالة كرامب كارنباور من رئاسة الحزب جرب ميرتس حظه مرة أخرى، لكنه هذه المرة أيضاً هزم أمام رئيس ولاية شمال الراين - ويستفاليا السابق ومرشح الحزب للمستشارية في انتخابات 2021، أرمين لاشيت الذي كان هو الآخر مدعوماً ومقرباً من ميركل.
لكن بعد خسارة الاتحاد المسيحي ومرشحه للمستشارية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بدأ الجيل الشاب من أعضاء الحزب المحافظين، وهم الفئة التي كانت في السابق أكثر دعماً لميرتس وتمسكاً بالنهج المحافظ، بالتحرك والتشكيك بقدرة ميرتس على التجديد وبناء مستقبل الحزب بعد ميركل. وقد أعرب عن ذلك تيلمان كوبان، رئيس منظمة شباب الحزب، حيث طالب "بمشاركة المزيد من الشباب والوجوه الجديدة غير المستهلكة في قيادة الحزب". وأضاف بأن ميرتس شخص ذكي "يمكن أن يكون مستشاراً وداعماً".
عملاً بالمثل الألماني القائل "كل الأشياء الجيدة ثلاثة"، أعلن فريدريش ميرتس ترشحه للمرة الثالثة للمنافسة على رئاسة الحزب في نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت، وأعلن أن ما سيحققه سيكون إنجاز فريق، واقترح وجوها شابة للمشاركة في قيادة الحزب، حيث اقترح وزير الصحة السابق في ولاية برلين، ماريو تسايا (46 عاماً) أميناً عاماً للحزب مستقبلاً والنائبة البرلمانية الشابة كريستينا شتام (34 عاماً) نائبة للأمين العام، وهو منصب بجب استحداثه فيما بعد.
ما هي توجهات ميرتس؟
ميرتس يرى أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع المنافسة عالمياً، إلا إذا استطاع فرض نفسه اقتصادياً ومالياً واستراتيجياً مقابل الصين والدول الآسيوية الصاعدة الأخرى، ومقابل روسيا والولايات المتحدة أيضاً. ولديه قناعة راسخة بالاتحاد الأوروبي، وقبل أن يصبح نائباً في البرلمان الألماني، كان نائباً في البرلمان الأوروبي لمدة 5 أعوام خلال الدورة التشريعية (1989 – 1994).
كما لديه علاقات قوية عبر الأطلسي، إذ لم يسافر أي شخص قيادي في حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات العشر الماضية، بقدر ما سافر ميرتس، والعلاقات الاقتصادية الثنائية مع أمريكا قد أثرت عليه وطبعت شخصيته، وقال عام 2020 حين كان ترامب رئيساً: "سنفهم بعصنا جيداً".
ميرتس، السياسي الثري، ملتزم بسياسة التحديث الاقتصادي وينتقد بشدة الحواجز البيروقراطية التي تواجهها الشركات من خلال المطالب التنظيمية، وكمثال على ذلك ما يتعلق بحماية البيئة، ويوافقه الرأي كثيرون من أعضاء الحزب ويعلقون عليه آمالاً كبيرة.
لكن ميرتس، الكاثوليكي المحافظ، يعارض بعض المواقف الاجتماعية الليبرالية التي اتخذها الحزب خلال السنوات الماضية، ففي عام 1997 وحين كان عضواً في البرلمان الألماني "بوندستاغ" صوت مع 130 نائباً آخر من الاتحاد المسيحي ضد تعديل قانوني أقره البرلمان حينذاك، يقضي بتجريم ومعاقبة العنف الزوجي. وحين أثار هذا الأمر أحد ساسة حزب اليسار في تغريدة له على تويتر، حاول ميرتس منع ذلك قضائياً، لكن لم يفلح وباءت جهوده بالفشل.
ولا يزال الكثير من الألمان يتذكرونه بفكرة أن يكون الإقرار الضريبي السنوي صغيراً ليكون بحجم "غطاء زجاجة البيرة"، بدلاً من ملء استمارة ذات صفحات عديدة. لكن لم يستطع الإجابة على كيفية تنفيذ فكرته عملياً.
ضد إلزامية التلقيح
غير أن ميرتس كرئيس لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، سيكون نفوذه وتأثيره على القرارات السياسية محدوداً. فحزبه يجلس على مقاعد المعارضة في البوندستاغ، حيث أن دوره الرئيسي معارضة وانتقاد عمل الائتلاف الحكومي المكون من أحزاب: الاشتراكي والخصر والليبرالي.
وبالنسبة للجدل المحتدم حالياً في ألمانيا حول إلزامية التلقيح ضد كورونا لجميع المواطنين، أعلن ميرتس عن معارضته لذلك، وقال في حوار مع إحدى الصحف الألمانية: "يجب أن نوضح أولاً فيما إذا كانت هناك وسيلة أبسط وأفضل ومناسبة أكثر، لزيادة نسبة التلقيح".
وأضاف من خلال المثابرة على تطبيق "قاعدة G2" والتي تقضي بالسماح فقط لمن أخذ اللقاح أو شفي من الوباء بدخول المحلات والمطاعم وحضور الحفلات.. الخ، ربما يمكن تحقيق الهدف المنشود. ورفض الانضمام إلى مجموعة برلمانية من مختلف الكتل لمناقشة فكرة إلزامية التطعيم، واصفاً ذلك بأنه حيلة من أحزاب الائتلاف الحكومي للتستر على عدم وجود أغلبية مؤيدة لإلزامية التطعيم بين أعضائها.
ونصح بعدم التهويل من متحور فيروس كورونا الجديد "أوميكرون"، فصحيح أن المتحور أكثر قدرة على نشر العدوى، لكنه أقل خطراً. ويعتقد ميرتس أنه حتى في ظل متحور أوميكرون "الحياة الطبيعية إلى حد ما" ممكنة.
كاي ألكسندر شولتس، كريستوف شتراك/ ع.ج