غوانتانامو - بين إضراب المعتقلين عن الطعام وتجدد الأمل في الخروج
٢٧ يونيو ٢٠١٣هدوء مقبض في هذه الساعة المبكرة داخل معسكر غوانتانامو في كوبا. من داخل القسم "ب" نرى ممراً مظلماً والجنود يقومون بدورياتهم وينظرون إلى داخل كل زنزانة دون أي كلمة. فجأة تمتد يد من فتحة باب الزنزانة وتسلم الحارس زجاجة مياه فارغة. هذه اليد هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن نراه من المعتقلين هنا.
طوال هذه الرحلة الصحفية داخل معتقل غوانتانامو، رافقنا الجنود الذين حرصوا على ألا نرى سوى ما يريدون أن نراه فقط. وفي نهاية اليوم تم فحص جميع الصور التي التقطناها داخل المعتقل، للتأكد من عدم وجود أي إشارة لأشخاص أو لمنشآت أمنية وبالطبع من غير المسموح تصوير المعتقلين.
نعود للقسم "ب": يمكن سماع صوت الآذان في الساعة الخامسة تماماً ليقوم من يرغب في أداء الصلاة داخل زنزانته. لا نعرف بالضبط عدد الزنزانات المسكونة بمعتقلين، لكن كل ما نعرفه أن الزنزانات في هذا القسم من المعتقل فردية. ولا يمكن للمعتقلين مغادرة هذه الزنزانات إلا في حالات نادرة وفي ظل إجراءات أمنية مشددة.
كلمة أوباما محل نقاش بين المعتقلين
أثار تطرق الرئيس الأمريكي باراك أوباما مؤخراً لمسألة معتقل غوانتانامو وقوله إنه سيسعى لتسريع عملية إغلاقه، المناقشات بين السجناء كما يقول لنا المسؤول عن المعتقل الكولونيل جون بودغان: "صارت المسألة محل نقاش بين المعتقلين ورد الفعل إيجابي إلى حد كبير على قيام الرئيس بذكر هذا الأمر".
ويؤكد "زيك" الذي رفض ذكر اسمه بالكامل وهو شخص يعمل هنا في غوانتانامو منذ ثمانية أعوام، ما قاله الكولونيل بودغان. و"زيك" هو موظف في الجيش، يقوم بتقديم الاستشارات لقيادة المعسكر، ويبدو أنه من أكثر الشخصيات احتكاكاً بالمعتقلين هنا.
ويقول زيك: "رد فعل المعتقلين (على كلمة أوباما) إيجابي فقد ولد الأمل من جديد لديهم. يعتقدون أن أمراً ما سيحدث في المستقبل". لكن حتى الآن لم يتغير أي شيء في الإجراءات الأمنية داخل المعتقل، فالمحتجزين هنا يعيشون في زنزانات صغيرة، بها فتحات تهوية صغيرة. الجميع تقريبا يعيش في حبس انفرادي ويعتمد على الحراس لقضاء الأمور الشخصية. ويتم تقييد المعتقلين أثناء مشاهدة التليفزيون أو الاستحمام أو تناول الطعام الإجباري، كما أنهم يخضعون للمراقبة على مدار الساعة.
على الأجندة السياسية من جديد
تقول روايات المدافعين عن المعتقلين التي تتسرب للإعلام، إن أكثر من 100 من بين 166 معتقلاً في غوانتانامو يرفضون تناول الطعام، والعدد في ازدياد. ويخضع أكثر من 40 معتقلاً للتغذية الإجبارية. ولا نعلم إن كان من بين هؤلاء المعتقلين الخمسة المتهمين بالترتيب لهجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، والذين لم يسمح لنا بالطبع برؤيتهم هم أو أي من باقي المعتقلين.
واتهم السجناء حراس المعتقل بالتعامل دون احترام مع نسخ القرآن الموجودة في زنزاناتهم أثناء تفتيشها وهو ما نفته إدارة المعتقل. واحتج 13 معتقلاً ممن يخضعون للتغذية الإجبارية، في خطاب مفتوح على طريقة التعامل معهم وعبروا عن عدم ثقتهم في الأطباء العسكريين.
جدل حول "التغذية الإجبارية"
لكن الأطباء أكدوا لنا أن ما يفعلونه يهدف للحفاظ على حياة المعتقلين طالما يرفضون تناول الطعام. وقال لنا أحد الأطباء الذي رفض الكشف عن اسمه، إن كل معتقل لديه حرية الاختيار وهو مكبل على الكرسي لإطعامه بالقوة، في أن يوقف إضرابه عن الطعام ويتناول طعامه طواعية.
وأضاف الطبيب: "الأمر يختلف من يوم لآخر فبعض المرضى يتناولون طعامهم في الصباح دون مقاومة ثم يقررون الإضراب عن الطعام بعد ذلك. في العديد من الحالات يتطلب الأمر قيام الحراس بالإمساك بالمعتقلين أثناء التغذية".
سمحت لنا إدارة المعتقل برؤية الكرسي الذي يجلس عليه المضربون عن الطعام لتغذيتهم بالقوة، وهو كرسي رمادي مصنوع من مادة قوية ويمكن له الانحناء قليلاً نحو الخلف. يسمح الكرسي بتقييد المعتقل من اليدين والقدمين حال مقاومته ورفضه تناول الطعام، ومن الممكن أيضاً تثبيت وضع الرأس. تتم التغذية عن طريق وضع مواد غذائية في خرطوم يصل للمعدة عن طريق الأنف.
الأمم المتحدة من جانبها تصنف هذه العملية تحت بند "التعذيب"، إلا أن الكولونيل بودغان يدافع عن الأمر ويصيف عملية التغذية الإجبارية بالوسيلة المشروعة والفعالة. ويضيف قائلاً: "أقر الساسة هذا الأمر وأنا ليس لدي مشكلة في تنفيذ السياسة".
نتوقف أثناء الزيارة في المطبخ الذي يتم فيه يومياً تجهيز مئات الوجبات، رائحة الطعام هنا جيدة. ترفض رئيسة المطبخ الطاهية التي تطلق على نفسها اسم "سام"، الحديث عن إضراب المعتقلين عن الطعام، إذ تواصل عملها في إعداد وجبات الإفطار والغداء والعشاء لـ 166 معتقلاً هنا وكأنها لا تعرف شيئاً عن الإضراب.
تقدم لنا الطاهية ثمانية أنواع من وجبات الغداء الذين يختار السجناء من بينها. وتطلب منا الطاهية تجربة الوجبات المختلفة التي ترضي أذواق من يحب اللحوم والنباتيين على حد سواء.
مطالب لأوباما
نلتقي هنا بالمحامية برديس كبرياي من مركز الحقوق الدستورية الذي يتخذ موقفاً قوياً من معتقل غوانتانامو ويطالب بإغلاقه ويرفض مسألة التغذية الإجبارية للمعتقلين. التقت المحامية للتو بثلاثة من موكليها المضربين عن الطعام وقالت إن حالتهم سيئة للغاية، كما حكوا لها عن بعض المعتقلين الذين صاروا "جلداً على عظم".
توجهت برديس بمطلبها مباشرة إلى الرئيس أوباما وقالت إن عليه تنفيذ ما وعد به مؤكده إن السلطات الأمريكية الأمنية راجعت كل الأمور المتعلقة بالمعتقلين وأوصت من فترة طويلة بإطلاق سراحهم.
وأضافت المحامية: "لم يذكر أوباما في كلمته موعداً محدداً لإطلاق سراح المعتقلين ، نتمنى أن يصبح أكثر وضوحاً ودقة ونتمنى أن يبدأ إطلاق سراح المعتقلين على الفور، وإلا فإن الأمور ستتعقد وسيموت الناس".
تجدد الأمل من جديد
ينحدر الكثير من المعتقلين من اليمن، وكان أوباما قد رفع حظره السابق بشأن إعادتهم لليمن مرة أخرى، الأمر الذي يزيد التكهنات بشأن إمكانية إعادتهم لليمن في غضون الشهور المقبلة. وستشكل هذه الخطوة نجاحاً مهماً لأوباما على طريق إغلاق المعتقل المثير للجدل.
وأثناء مغادرتنا المعتقل نرى الطائرة الرئاسية الأمريكية لنعلم بعد ذلك بأمر زيارة مفاجئة قام بها السيناتور جون ماكين يرافقه أمين البيت الأبيض. وبعد الزيارة أصدر ماكين بياناً صحفياً في اليوم ذاته، يؤكد فيه إن إغلاق غوانتانامو مسألة "تصب في المصلحة القومية".