غسان العطية: حكومة العبادي فرصة العراقيين الأخيرة
٩ سبتمبر ٢٠١٤في حوار مع DW "عربية"، يحلل غسان العطية، مدير المعهد العراقي للتنمية والديمقراطية، (مقره لندن)عن أهم التحديات التي تنتظر الحكومة الجديدة، خاصة منها التحدي الأمني المتمثل في إنهاء خطر "الدولة الإسلامية"، كما يقترح التركيز على فكرة "المكوّن العربي" كوسيلة داخلية لمواجهة هذا التنظيم الإرهابي، بدل الاعتماد على التقسيم الطائفي الذي اعتبره عطية أحد أسباب الوضع الحالي.
ويقدم غسان العطية كذلك تصوّره عن طبيعة العلاقة التي يجب أن تنشأ بين الحكومة والمكوّنات العراقية خاصة منهم الأكراد والعرب السنة، مشيراً إلى أن التعاون الإقليمي والدولي ضروري لتحقيق الاستقرار بالعراق. واصفاً هذه الحكومة "بالفرصة الأخيرة لحل مشاكل البلد، وإلّا فالنتائج ستكون وخيمة للغاية".
DW: كيف تلقيت تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، هل تشكل انطلاقة جديدة ام استمرارا لحكومة المالكي؟
غسان العطية: يمكن القول إن هذه الحكومة ليست استمرارية للحكومة الماضية، فالحكومة السابقة بقيادة نوري المالكي وصلت إلى الباب المسدود بعد انتشار الاقتتال الطائفي، ولم يكن بإمكانها أن تستمر أو أن تقدم حلولاً. أ
ما حكومة حيدر العبادي، فهي تعطي الفرصة للعراقيين من أجل الخروج من المأزق الذي نعيشه حالياً، وتشكّل إمكانية للتحوّل في العراق، رغم أن ذلك مرهونٌ بالكثير من الأشياء.
مثل ثقل الملفات الأمنية ومحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي الذي استولى على أجزاء من العراق؟
فعلاً، فتشكيل هذه الحكومة أتى نتيجة تطوّرات هامة في المنطقة أهمها سقوط مناطق عراقية في أيدي "داعش"، وبالمناسبة فهذا التنظيم لا يهدّد فقط العراق، بل الأمن الإقليمي وحتى العالمي، لذلك فالولايات المتحدة الأمريكية تعي أن الضربات الجوية وحدها لن تكفي لإيقاف خطره، وأن المطلوب هو قوة سياسية على الأرض تتمكّن من كسب ولاء المناطق التي سيطرت عليها "داع"ش.
فمن هنا كان الإصرار الدولي على إيجاد حكومة جامعة تستطيع توثيق أواصر الدولة مع أبناء تلك المناطق، لأن أفضل من سيقاوم "داعش"، هم أبناء الموصل والمناطق ذات الأغلبية السنية. وبالتالى على حيدر العبادي أن يسترجع ثقتهم بعدما ضيّعها نوري المالكي.
هل العبادي قادر على ذلك؟
بعثَ العبادي من خلال بيانه الأخير مجموعة من الإشارات المطمئنة لأبناء هذه المناطق، منها تكوين حرس وطني لكل محافظة من المحافظات الواقعة تحت سيطرة "داعش" وليس الجيش العراقي المكوّن من أبناء المناطق الجنوبية، ووَعد كذلك بضمان مشاركة سياسية في المستوى لهذه المناطق. مهمة العبادي الأساسية في هذه المرحلة هي مدّ جسور مع هذه المناطق، لكنني أتساءل هل بإمكانه تحقيق هذه الوعود، لأن ضياع فرصة الحكومة الجديدة في هذا الرهان سيؤدي إلى كارثة بالعراق وحتى المنطقة.
في نظرك، ما هي الخطوات التي على العبادي اتخاذها؟
لو كان العبادي يسمع مني، فأنا سأطلب منه تعزيز الثقة بين أبناء العراق. ففضلاُ عن مد جسور التواصل مع أبناء الموصل والمناطق المجاورة، عليه حلّ مشكل المعتقلين الذين يقضي العديد منهم عقوبتهم دون محاكمة عادلة، بل هناك منهم حتى من تمت تبرأته ولا زال وراء القضبان. وعليه كذلك إعلان الهدنة ووقف القتال بين المكونات العراقية خاصة في المناطق المحيطة ببغداد، فضلاً عن تشكيل لجنة وزارية مهمتها إعلان الحوار مع جميع التنظيمات العراقية باستثناء "داعش".
هل إن ما ذكرته لحد الآن يكفي للقضاء على تنظيم داعش؟
أكيد أنه لا يكفي، فحتى التدخل الأمريكي أو الإيراني لن يكفي، أعتقد أن هذا التنظيم يحتاج إلى مقاربة شمولية تمكّن من إنهائه، وفي رأيي أن إيجاد صيغة "عرب العراق" ستساهم في الحل.
كيف ذلك؟
يتحدث الجميع عن المكوّن الكردي، المكوّن السني، المكوّن الشيعي، المكوّن الأشوري وغيرها من المّكونات، لكن لم يسبق لنا الحديث عن المكوّن العربي، رغم أنه هو الذي سيجمع أبناء عدة مناطق في الجنوب والوسط والشمال. هذا المكوّن قادر على مواجهة "داعش"، إلّا أن تقويته تفرض من العبادي المساهمة في تشكيله وهو ما أستبعده، وتفرض كذلك وجود مناخ سياسي إقليمي ودولي يتفهم أنه بدون وحدة عرب العراق، لن نتمكن أبداُ من محاربة داعش، ولن نتمكن أبداً من إيجاد بديل لاستقرار العراق.
غير أن وحدة عرب العراق لا يمكن أن ننظر إليها من منظار طائفي، فالمطلوب هو العمل على تحديد إقليم عربي يوّحد عرب العراق مقابل إقليم كردي يجمع أكراد العراق. أعني هنا الدفع في اتجاه فدرالية بين العرب والكرد، وليس فدرالية تفرّق بين السنة والشيعة، لأنه لا يمكن التقسيم فيما بينهم، فهناك مناطق يختلط فيها المكوّن السني بالمكوّن الشيعي، ودون ذلك فسنستمر في الاقتتال الطائفي.
لكن تكوين "المكوّن العربي" يستدعي أولاً حل إشكال تمثيل السنة في حكومة العبادي؟
يجب أن نعرف أن الانتخابات التي جرت قبل سقوط الموصل، شابتها الكثير من الخروقات وصبّت لصالح كتلة نوري المالكي حيثُ لم يكن تمثيل العرب - السنة مناسباً. أما الآن، فالحكومة الحالية تملك فرصة فتح باب الحوار مع أبناء المحافظات السنية، وإذا تحقق ذلك، فسيتم التوصل إلى قناعة مشتركة، وسنؤسس لميثاق وطني جديد قد يفتح الباب أمام تعديل دستوري وانتخابات مبكرة تسمح بتكوين برلمان جديد.
أعلن الأكراد عن مشاركتهم في حكومة العبادي، لكنهم رهنوا ذلك بفترة ثلاثة أشهر يتم فيها حلّ جميع المشاكل المادية، في نظرك هل باستطاعة هذه الحكومة إقناع المكوّن الكردي بالاستمرار في المشاركة؟
لا أرى أن الأكراد يمثلون مشكلة كبيرة بالنسبة للحكومة، فالقضايا المالية والإدارية يمكن حلها في هذه الفترة، والجميل في الأمر أن الأكراد لم يضغطوا على الحكومة من أجل حل القضايا السياسية كتلك المتعلقة بإقليم كركوك. أعتقد أن رغبة حقيقية من الحكومة بالعمل المشترك مع الأكراد، ستمكّن من حصد العديد من النقاط الإيجابية في هذا الملف، خاصة وأن الوسيط الأمريكي موجود بقوة على صعيد المفاوضات بين الحكومة والأكراد.
بحديثك عن الوسيط الأمريكي، وعودة إلى "داعش"، ألا تلمس نوعاً من التردّد لدى الإدارة الأمريكية في إيجاد الطريقة الأنجع لمحاربة هذا التنظيم؟
فعلاً، فالتضارب يملأ تصريحات أوباما، إلا أن هناك حديثاً جدياً عن استراتيجية أمريكية قادمة لمواجهة "داعش"، وهي الاستراتيجية التي ستعمل بعدد من المستويات: الأول هو الضربات الجوية، الثاني حشد الدعم العالمي خاصة الدول الأوروبية، الثالث تحقيق توافق إقليمي مع كل القوى الكبرى، كالسعودية وتركيا وإيران، والرابع وهو الأكثر أهمية: التعويل على مساعدة الحكومة الجديدة.
عموماً، أرى أن البدائل آخذة في الانحسار، وبالتالي فوجود حكومة تحقق الوفاق الوطني وتصحح أخطاء سابقتها، حكومة تحظى بتعاون إقليمي وبدعم دولي، هو ما سيعطي زخماً حقيقياً لمواجهة "داعش"، أما لو فشلت هذه الحكومة في هذا الرهان، فالنتائج لن تكون سيئة للعراق فقط، ولكن للمنطقة عموماً.