عماد الدين حسين: شهادة على فض اعتصام رابعة
١٨ أغسطس ٢٠١٦اندهش كثيرون وهللوا عندما خرج الناشط الإخواني الشهير أحمد المغير هذا الأسبوع واعترف بأن اعتصام الجماعة الشهير في ميداني رابعة العدوية بالقاهرة والنهضة بالجيزة كان مسلحاً ولم يكن سلمياً.
وكتب المغير، في تدوينة عبر صفحته الشخصية على فيسبوك تحت عنوان "سرية طيبة مول" الآتي نصه: "هل اعتصام رابعة كان مسلح؟ الإجابة ممكن تكون صادمة للكثيرين: أيوة كان مسلح... أو مفترض إنه كان مسلح، أسلحة نارية، كلاشات وطبنجات وخرطوش وقنابل يدوية ومولوتوف ويمكن أكتر من كدة، كان فيه سلاح في رابعة يكفي إنه يصد الداخلية ويمكن الجيش كمان، إلا إن قبل يوم المجزرة بيومين كان 90% من السلاح ده خارج رابعة، خرج بخيانة من أحد المسؤولين من إخوانا اللي فوق.. بس دي قصة تانية".
انتهى اعتراف المغير المثير، واعذر الذين اندهشوا، لأنني في الأيام الأولى لم أكن أصدق أيضاً أن هناك أسلحة داخل اعتصام جماعة الإخوان وأنصارهم، وكنت أعتقد أن الجماعة ليست بتلك السذاجة أو التهور لتسمح بوجود أسلحة قد تعطى فرصة لأجهزة الأمن لاستخدام هذا الأمر ذريعة للفتك بها.
كنت أميل إلى تصديق أن تضخيم الأمر سببه الرئيسي كسب تأييد شعبي للحكومة وأجهزة الأمن حتى يتسنى اتخاذ قرار الفض من دون معارضة كبرى.
تفكيري واعتقادي وقناعاتي تغيرت في أحد أيام الأسبوع الأول من أغسطس/ آب 2013، عندما التقيت بزميل صحفي، إخواني الهوى، ولا أعرف حقيقة هل هو عضو عامل أم مجرد متعاطف فقط.
الزميل - الذي تربطني به صلة ود - قال لي إنه كان في الاعتصام وشاهد بعينه عشرات القطع من الأسلحة الآلية مخبأة تحت المنصة خصوصاً في ميدان نهضة مصر أمام جامعة القاهرة.
الزميل لم يقل لي هذه المعلومة باعتبارها سبقاً صحفياً أو للوشاية بالجماعة، بل كانت في محاولة لإقناعي أن أكتب محذراً أو مناشداً الحكومة من اتخاذ قرار فض الاعتصام لأنه قد يقود إلى حمام دم من وجهة نظره.
أذكر أنني يومها قلت لهذا الزميل - والله يشهد على هذا - إن الإخوان وأنصارهم يرتكبون حماقة كبرى إذا سمحوا بوجود السلاح في الاعتصام لأن وجوده سيغري باستخدامه في أي لحظة.
أذكر أيضاً أن الزميل قال لي يومها إن غالبية المعتصمين في النهضة كانوا من أنصار الجماعة الإسلامية القادمين من الصعيد، وليس من الإخوان فقط، بل إنه يعتقد أن الجماعة فقدت السيطرة على اعتصام النهضة، متوقعاً أن يكون حمام الدم في النهضة وليس في رابعة العدوية لوجود قيادات الجماعة في رابعة، وبالتالي تكون السيطرة على الحشود أسهل.
قبل هذا اللقاء وأظن أنه كان في نهايات شهر يوليو/ تموز 2013، التقيت بأحد قيادات الإخوان من الصف الأول، في أحد استوديوهات قناة الجزيرة بالقاهرة، قبل إغلاقها بطبيعة الحال. لن أذكر اسم الرجل المسجون الآن على ذمة قضايا كثيرة لأنني لم أستأذنه. وقبل أن ندخل إلى الاستوديو كنت قد سألته عما ينوون فعله، وتحديداً: هل يمكن أن يفضوا الاعتصام سلمياً، فجاءت إجابته بالنفي تماماً.
انطباعي عن هذا الرجل أنه هادئ وربما معتدل، ولذلك سألته عن سر حسمه ورفضه، فقال بوضوح إن "غالبية قيادات الجماعة وصلت إلى قناعة قاطعة بالاستمرار في الاعتصام حتى النهاية، وإما أن يحققوا مطالبهم كاملة أو يموتوا شهداء".
بعد هذا الحديث أدركت أننا مندفعون إلى مأساة كبرى، وهو الأمر الذي تحقق للأسف بهذا العدد الضخم الذي سقط من الضحايا خلال فض الاعتصام خصوصاً في رابعة.
السؤال: هل كان يمكن تقليل عدد الضحايا؟!
أعتقد أن الخلاصة التي انتهى إليها تقرير لجنة تقصى الحقائق تؤيد هذا الأمر، ولو أن الشرطة نجحت في تحييد مصادر إطلاق النار فقط من داخل اعتصام رابعة، ولو أن أفرادها كانوا مدربين ومؤهلين ومحترفين بصورة أفضل للتعامل مع مثل هذه الاعتصامات فربما انخفض عدد الضحايا.
رحم الله الضحايا جميعا سواء كانوا من قوات الأمن أو أعضاء الجماعة وأنصارها والمتعاطفين معها. ورغم خلافي الجوهري مع الجماعة وأفكارها فإنني لا اتفق بالمطلق مع أي شخص أو فكر يشمت أو يفرح لسقوط ضحايا من الإخوان أو غيرهم، هم بشر أولاً وأخيراً، وإراقة أي نقطة دم - خارج حدود القانون- أمر ترفضه وتأباه الفطرة الإنسانية السوية.
ويظل جوهر الأمر من وجهة نطري أنه وإذا كانت أجهزة الأمن لم تتعامل بصورة مهنية واحترافية مع عملية الفض، فعلينا أن نتذكر دائماً أن إصرار جماعة الإخوان على تجاهل أن الأزمة بأكملها بدأت وما تزال مستعرة لأنها تريد السيطرة على كامل الوطن وكامل السلطة، وأنها راهنت رهاناً دموياً، وخسرته كما فعلت بالضبط عام 1954 مع جمال عبد الناصر.
متى تدرك الجماعة -والأهم أنصارها المضللون- أنها ليست جماعة ربانية بل دخلت في صراع محض دنيوي على سلطة دنيوية وخسرته بحماقة منقطعة النظير؟!!
عماد الدين حسين