عماد الدين حسين: هل كان حقاً حالنا أفضل؟!
٤ أغسطس ٢٠١٦ألم يكن حالنا أفضل كثيرا قبل قيام ثورات الربيع العربي؟!"
سؤال يتردد في كل لحظة في العديد من العواصم والمدن والقرى العربية في تونس والقاهرة، ودمشق وصنعاء، في طرابلس وسرت درنة وفي عواصم خليجية كثيرة، لم تشهد ربيعا لكنها تقول إنها اكتوت بناره كثيراً، الذين يرددون هذا السؤال في أماكن كثيرة بالوطن العربي يقولون:
"نعم كان الفساد موجوداً والاستبداد حاضراً والديمقراطية معطلة، لكن على الأقل كان هناك الحد الأدنى من الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي".
هذا المنطق يروج وينتشر أكثر بين الفئات الاجتماعية الأقل تعليماً وأصحاب المهن والحرف التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالاستقرار مثل موظفي المطاعم والعاملين في مهنة السياحة، وسائقي سيارات الأجرة في القاهرة الكبرى أو ما يعرف بـ"سائقي التاكسي الأبيض".
كنت مغرماً بالحديث مع نماذج يمثلون هذه الفئة الأخيرة أي سائقي التاكسي. بعضهم وقبل أن يلقي عليك التحية كان يسارع بالقول بالعامية المصرية المحببة: "الله يخرب بيت الثورة.. خربت بيوتنا".
كنت أرد عليه بالقول إنها إذا نجحت سوف تضمن له ولأولاده تعليما جيداً ورعاية صحية متميزة والأهم الحرية والديمقراطية، فيرد ساخراً: "حرية ايه با باشا.. نحتاج أن ناكل أولا"، وبعضهم كان يستخدم المثل الشعبي المصري القائل: "أحييني اليوم وامتني غداً".
خبراء السياسة والاقتصاد وحتى الاجتماع، يعتبرون تفكير هذه الفئات طبيعياً، لأن كل ما يشغلهم هو اللحظة الآنية، ومن يوفر لهم هذا الحد الأدنى من الاستقرار والعمل، فإنه يعتبر بطلهم الأكبر. لكن عندما تقنعه بأن الحرية والديمقراطية هما السبيل الرئيس لتحسين حياته بشكل أفضل، يقتنع معك لحظياً ثم يعود للحديث مرة أخرى حول "ظروفه البائسة الآن".
الأخطر أن هذا التفكير لم يعد قاصراً على مثل هذه الفئات فقط، لكنه تمدد وانتشر وتوسع ليشمل فئات أخرى كثيرة، بعضها تلقى تعليماً جيداً، ويفترض أنه صاحب رؤية شاملة ومستقبلية وبعيدة المدى.
هل يمكن أن نعذر هؤلاء على هذه الرؤية التي يراها كثيرون قاصرة ومحدودة؟!.
عندما يخرج الإنسان من بيته، فيلقى مصرعه في تفجير انتحاري في أحد شوارع بغداد أو بعملية إرهابية فى الرقة أو حلب وأدلب، أو قصف صاروخي في سرت ودرنة أو اشتباكات مسلحة فى المدن اليمنية المختلفة أو تفجيرات لدور العبادة فى السعودية، أو في انفجار عبوة ناسفة في شمال سيناء، عندما يتكرر ذلك بصورة شبه يومية فإن تغليب المواطن البسيط لعامل الأمن يصبح أمراً طبيعياً وليس تخلياً عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
لسوء الحظ فإن كثيراً ممن يعتبرون أنفسهم نخبة يقومون بلوم وتقريع الناس الذين يتحدثون عن ضرورة الأمن ويتهموهم بالسلبية والأنانية والابنطاح والجهل من دون بذل أدنى جهد حقيقي لمعرفة الظروف والسياق الذي جعل هؤلاء الناس يصلون إلى هذه القناعة.
هذا المواطن البسيط وجد نفسه محاصراً بين حكومة تطلب منه التأييد الكامل والطاعة العمياء، ومعارضة تطالبه بأن ينزل إلى الشارع ويتظاهر أو حتى يلجأ إلى العنف، ويلقى المولوتوف ويدمر المنشآت وصولاً إلى العمليات الإرهابية النوعية.
وما بين التطرف هنا وهناك، لم يجد هذا المواطن العربي صوت أي حزب أو قوة سياسية حقيقية وفاعلة تقدم له حلولاً منطقية وواقعية تغير حالة إلى الأفضل بدلاً من إدمان التصريحات والشعارات المكررة والمملة والتي لا تغني ولا تسمن من جوع.
هذا المواطن كان ينتمى إلى ما يعرف باسم "حزب الكنبة"، أو ما يعرف بالأغلبية الصامتة التي لا تشارك ولا تتفاعل إما كسلاً أو يأساً وإحباطاً. جزء كبير من "حزب الكنبة" نزل في الأيام الأخيرة من ثورة 25 يناير 2011، وشارك بفعالية في الأحداث والتطورات اللاحقة، بل سجل أرقاماً قياسية غير مسبوقة مصرياً، حينما نزل في كل الاستحقاقات الانتخابية والوطنية من أول استفتاء 2011 الشهير- والذي عطل الدستور، لكنه أيضاً وضع بذرة الانقسام مبكراً-، نهاية بتمرير دستور 2014 وانتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي بأغلبية كاسحة.
نعود إلى ما بدأنا به ونسأل: هل حقاً كان حالنا أفضل أثناء عهد الطغاة والمستبدين العرب من زين العابدين بن علي وحسني مبارك إلى على عبد الله صالح وبشار الأسد؟
سؤال يحتاج إلى إجابة مفصلة.