عماد الدين حسين: حوار مع عربي "متدعشن"!!
٢٧ أكتوبر ٢٠١٦قبل أيام قليلة دخلت في نقاش ساخن مع إعلامي عربي كان يزور القاهرة، وبطبيعة الحال كان ثالثنا هو الوضع العربي المؤلم والمزري والمحبط. عند درجة من النقاش سألته بوضوح: إذا كان الخيار النهائي أن تختار بين تنظيم داعش،أو حكم بشار الأسد في سوريا، أو أي حاكم عربي مستبد آخر، وليس لديك أي خيار ثالث، فمن تختار؟!
الإجابة التي فاجأتني أن الإعلامي العربي قال فوراً وبلا تردد: «سوف اختار داعش». السؤال السابق كنت قد سألته لأكثر من زميل أو صديق في الشهور الماضية، وكانت الإجابات في معظمها ضد الاصطفاف مع داعش تحت أي ظرف من الظروف، ووجهة نظرها أن نظام بشار الأسد ورغم كل جرائمه، فلا يمكن أن يتم وضعه في سلة واحدة مع داعش بجرائمه غير المسبوقة.
رأى ثان كان يرفض الإجابة بنعم أو لا، ووجهة نظره هي «اللهم أهلك الظالمين بالظالمين»!. أي دع الطرفين ينهكان بعضهم البعض ويقضيان على بعضهما، فربما كان ذلك السبيل إلى بزوغ أمل جديد للشعب السوري بعيداً عن بشار الأسد أو أبو بكر البغدادي.
لكن إجابة زميلي الإعلامي العربي بالانحياز من دون تفكير واختيار داعش يعني أن هناك مشكلة حقيقية في المنطقة العربية.
لا يكفي أن ندين إجابة هذا الزميل ،ونصفه بأنه داعشي أو متطرف أو إرهابي إلى آخر هذه القائمة من التهم الجاهزة، ثم نعتقد أننا انهينا المشكلة،والأصح أن نبحث في الظروف التي تجعل بعض العرب ينحاز إلى داعش؟!
هذا الزميل ــ الذي لا استطيع ذكر اسمه لأنني لم أستأذنه ــ ليس فرداً واحداً، بل هو يعبر عن تيار موجود في الشارع العربي، حتى لو لم يكن كبيراً، وصادفت نماذج مماثلة في أكثر من بلد عربي ومنها مصر. عرفت منه أنه ليس إخوانياً أو سلفياً، هو مواطن عادي يريد أن يعيش حياة بسيطة بها الحد الأدنى من مقومات المعيشة الكريمة.
صحيح أن تنظيم داعش يندحر ويتراجع الآن في الكثير من مواقعه الأساسية خصوصاً في سوريا والعراق وليبيا، لكن الأخطر أن أفكاره قد تضمحل بنفس الدرجة.
تقديري الشخص أن أي شخص عاقل، ولديه حد أدنى من الإنسانية، لابد أن يرفض داعش وأمثاله من التنظيمات المتطرفة سواء كانت سنية أو شيعية، التطرف موجود في كل الأديان والمذاهب، ولكي نكون موضوعيين وإذا قمنا بإدانة داعش السني، فعلينا بالقدر نفسه أن ندين الممارسات التي ارتكبتها قوات الحشد الشعبي في العراق أو بعض الفصائل التي رفعت رايات شيعية في سوريا.
مواجهة التطرف الداعشي لا ينبغي أن تتم بنفس المنطق الطائفي. داعش تنظيم يريد أن يكون الجميع طائفيون حتى يقدمون له المبرر بأن المعركة مذهبية. وبالتالي فلا ينبغي أن يتم مواجهته في العراق بالحشد الشعبي أو الميليشيات الشيعية في سوريا.
نعود مرة أخرى إلى من صاروا يؤيدون داعش علنا. نفهم أن يكون هناك متطرفون مع التنظيم يؤمنون بفكره المنحرف، أو متعاطفين نكاية في حكوماتهم، لكن المشكلة أن زميلي الإعلامي ليس من هؤلاء أو أولئك، هو مواطن عادى جداً، وبالتالي مرة أخرى علينا أن نسأل أنفسنا دائماً ما الذي يدفع هذا المواطن العادي إلى «الداعشية»؟!
هو لا يعارض أو يختلف مع بشار الأسد فقط، هو يعادي غالبية الحكام والحكومات العربية، ويعتقد أنه لولا سلوكيات وممارسات هذه الأنظمة الاستبدادية ما وصلنا إلى هذه الحالة الداعشية.
مرة أخرى اختلف مع زميلي الإعلامي العربي في انحيازه لداعش، حتى لو كان المقابل هو بشار الأسد، لكنني بالفعل أتفهم دوافعه.
لا عذر بالمطلق لداعش وسائر التنظيمات المتطرفة، لكن علينا دائماً أن نسأل كيف يصل الحال بمواطن عربي عادى أن يصل إلى هذه الحالة التي تجعله يفضل داعش؟!
هذا الزميل قال لي في تبريره: لقد جربنا كل الأنظمة العربية منذ الخمسينيات وعرفنا النتيجة الآن، وهى المزيد من التدهور في كل شيء، من دون أن يلوح في الأفق أي بادرة أمل في الغد.
قلت له وبنفس المنطق، لقد جربنا داعش منذ بدايات الربيع العربي في شمال وغرب العراق وفي دير الزور والحسكة وحلب واليمن وسيناء وسرت وبعض المدن الليبية الأخرى، ورأينا حرق لمواطنين مسلمين أحياء وقطع رقاب وإغراق في الماء، وتكفير للجميع وهدم للتماثيل وعودة إلى عصور أسوأ من جاهلية قبل الإسلام.بل جربنا أمثال داعش منذ مقتل الإمام علي وظهور الخوارج وآلاف التنظيمات التي سارت على دربه،وكانت نتيجتها الإساءة إلى الإسلام.
ورغم ذلك إذا كنا كعرب جادين في الخروج من هذه الأزمة المستحكمة فعلينا أن نناقش بهدوء ووضوح الأفكار التي تدفع مواطنا سويا إلى أن يكون داعشياً، علينا أن نستمع إلى هذه الأفكار حتى نناقشها ونرد عليها، والأهم أن يكون هناك نموذج بديل تقدمي ومستنير يجعل الناس تكفر بداعش وأمثاله. قد يتم دحر داعش عسكرياً غداً أو بعد غد،في العراق وسوريا ومناطق عربية أخرى.. لكن هل ستنتهي هذه الأفكار؟! الإجابة أغلب الظن هي لا، الذي يهزم داعش هي أفكار تقدمية ومسنيرة ،ومشروعات حكم منحازة إلى الناس على الأرض.
عماد الدين حسين