عماد الدين حسين: حل الجماعة هل يكون حلاًّ؟
١٥ سبتمبر ٢٠١٦"الحل الوحيد، لمعضلة الإخوان، لن يأتى إلا على يد الإخوان أنفسهم، يوم يقتنعون، فى أجل قريب أو بعيد، أن حل الجماعة هو الحل، وأن تفكيك التنظيم هو العقل ذاته، ليذوقوا نعمة الإسلام فى الهواء الطلق. وليعبدوا الله متحررين من هذه الأقفاص التنظيمية والقيود الفكرية التى ما أنزل الله بها من سلطان. وإن لم يفعلوها بأنفسهم، فسوف تتكفل بها يد الزمان، فهذا ليس زمن الأسوار الحديدية المحصنة، هذا زمن الآفاق المفتوحة. الإسلام - بطبعه - رسالة متحركة وخطاب مفتوح وفكرة التنظيمات المغلقة طارئة عليه ومجافية لطبيعته".
الكلمات السابقة ليست لى، ولكن قرأتها يوم 4 سبتمبر/أيلول على الصفحة الشخصية للكاتب الصحفى المصرى أنور الهواري، وأهميتها أن كاتبها يعرف الجماعة جيدا، حيث اقترب منها كثيرا فى بدايات حياته، ويصعب أن يتهمه أحد الآن بالغلو فى الخصومة مثلما فعل كثيرون، انقبلوا بصورة فاجرة على الجماعة.
الرجل فى معظم كتاباته يناقش الجماعة وأفكارها ومواقفها وسياساتها بقدركبير من الموضوعية، وبالتالى فإن مثل هذا الرأى ينبغى أن يتم مناقشته بصورة هادئة وجادة، سعيا وراء مصلحة مصر، والأهم مصلحة البلدان العربية والإسلامية، حيث تتواجد جماعة الإخوان فى عشرات البلدان، بل ووسط جاليات إسلامية كثيرة فى الخارج.
ومع أهمية ما قاله الهواري فإن الردود والمشاركات التى صاحبت هذا الاقتراح كانت كثيرة ومتميزة، سوف أسرد بعضها مع قليل من التصرف لضبط اللغة، وحذف بعض الكلمات المسيئة التي توقعني تحت المساءلة القانونية.
المشارك الأول جمال جوهر، قال إن "هذا الاقتراح مستحيل.. لأن هناك جينات إخوانية تتوارث"، أما ريمون فرنسيس فقال: "ليس سهلا أن يحدث هذا، لأن بعض الإخوان يتعامل مع حسن البنا وكأنه معادل للأنبياء".
واعتبر سلامة البابلى ان هذا "حل رومانسى، وكأنك تطلب من مجرم أو مدمن أن يتوب وينتحر"!!. وقال د. علاء لبن "ليتهم يسمعون، ولكن هيهات". أما عبدالفتاح ناطور فقد اعتبر "أن الإخوان، لم يخدموا الدين، وإنما يخدمون مخططات غربية صهيونية، وكذلك الوهابية".
المشارك إيهاب محمد أعرب عن خشيته أن يُتهم الكاتب بتفكيك الإسلام لأنه دعا إلى تفكيك الجماعة. وقال سعد رشاد: "العقول مغلقة بأقفال اعتراها الصدأ، على مر الزمن، وحتى المفاتيح تم رميها فى نهرالنيل". ووصف محمود مجدى الجماعة بالفجرة، لأنها من وجهة نظره خارجة عن جمهور وأمة الإسلام ورفعوا السلاح ضد المصريين وحرقوا وقتلوا ويعيشون حالة المظلومية". وكتب عماد عبدالمنعم "إن الإخوان يتحورون كفيروس لهدم الدولة من أساسها"، أما طارق الفطاطرى فقال: "خطوة للخلف واقعية، ومراجعة واعتراف وتصويب للأخطاء أمور مطلوبة".
وأيد خالد حسانين عاشور الاقتراح، قائلا: "إن حل الجماعة لا يحبس الإسلام السني كما يدعى البعض، لأن الإسلام لا يقوم على جماعة، وهو انتشر وسوف ينتشر قبل الجماعة وبعدها، خصوصا أنها لعبت دورا فى تفريق المسلمين أكثر من توحيدهم، وهم يتوهمون أنهم الإسلام ويمثلون كل المسلمين غير مقتنعين أنهم جزء فقط من المسلمين".
ما سبق عينة من التعليقات المؤيدة لفكرة حل جماعة الاخوان، لكن فى المقابل كانت هناك آراء معارضة، وتدافع عن الجماعة. أبرزها ما قاله مثلا باسم حشاد بأن القرآن أفتى بكفر وفسق وظلم من لم يحكم بما أنزل الله، وبالتالى فمن المهم وجود إطار فكرى قابل للتجديد. أما إياد إبراهيم فقال أن تضحيات الإخوان معروفة ولا يصح مقارنتها بالجماعات الأخرى. واعتبر محمد عبدالعزيز الاقتراح "كلام غير سياسى، لأنه لابد من وجود جماعات وأحزاب تتنافس للوصول إلى السلطة، والإسلام يحتاج إلى جماعة تدعو إليه"، وتساءل: "وماذا صنعتم لمكافحة الاستبداد، فالأولى بهذا الاقتراح هو الحكومة". وتساءل محمد الشحات: "هل إصلاح الحكم ايضا لا يحتاج إلى دعوة؟!".
أما بوحمودى فقد اعتبر هذا الكلام "صهيونى بامتياز وعسكري بامتياز".. وكلام آخر يصعب كتابته فى هذا المكان المحترم. واعتبرت هالة رحمانى الاقتراح شماعة تعلق عليها الحكومة فشلها.
بين المؤيدين جدا للاقتراح والمعارضين بشراسة كان هناك حل وسط، لكنه قليل جدا ومثله المواطن عادل عصمت الذى قال إن الأهم هو إصلاح المناهج الدراسية فى المدارس والجامعات المدنية والأزهرية، وأن يقوم الأزهر بتصحيح وتنقية الفكر الدينى وان يُسمح للعقول النيرة أن تتصدر المشهد بدلا من عزلها، ورأيه أن "الأزهر أصبح عقبة فى طريق الإسلام وأمن الوطن"، وانتقد عصمت ايضا وزير التربية والتعليم والإعلام، خاتما قوله بأن فكرة التنظيمات الإسلامية بكل أشكالها استدعاها الواقع وهى الكهف المذكور فى القرآن.
فى السطور السابقة حاولت قدر المستطاع أن أكون أمينا وموضوعيا فى نقل حالة نموذجية، لما يمكن أن نسميه الاستقطاب.
شخصيا أنا أؤيد تماما اقتراح الزميل أنور الهواري، وتقديري أن جماعة الإخوان أساءت كثيرا إلى الإسلام، بحسن أو سوء نية، لأن الأمر لم يعد يفرق كثيرا، خصوصا بعد ان ثبت ان التجارة بالدين هي الأخطر على الاطلاق، وهى ربما المسؤولة عن الكثير من الكوارث التى مرت بها المنطقة العربية والإسلامية، وصارت خنجرا يتم طعن العرب والمسلمين به.
ورغم ذلك فأنا أميل أكثر إلى الرأي الثالث الذى عبر عنه "عادل عصمت"، ومن المهم حل جماعة الإخوان كتنظيم وغيرها من الجماعات المماثلة، لكن علينا ادراك ان الحل وحدة لا يكفى. الأكثر أهمية أن يكون هناك إصلاح للخطاب الدينى والأهم للفكر الدينى. وأن تكون لدينا إصلاحات حقيقية، ورجال فكر ودين حقيقيين ومتنورين وتقدميين يستطيعون أن يقدموا بديلا لخرافات الإخوان والسلفيين والدواعش وسائر من يتاجر بالدين سواء كان حسن النية أو متآمرا.
من دون وجود أفكار لامعة ومقنعة حقيقية ونماذج نجاح على الأرض، فإن كثيرا من البسطاء والمخدوعين سوف يواصلون الانضمام إلى كل هذه الجماعات الظلامية.