عماد الدين حسين: تعديل دستور مصر..بالونة اختبار أم أمر واقع؟
٢٤ أغسطس ٢٠١٧فى أوائل عام 2014 صوت المصريون بنسبة كاسحة على الدستور الجديد، الذي أطاح بدستور جماعة الإخوان الصادر عام2012، مدشنا عصرا جديدا، استبشر به الكثيرون خيرا. واليوم هناك دعوات متزايدة فى الفضاء السياسى المصري، لإدخال عدة تعديلات عليه .
فى هذا النقاش المحتدم برزت عدة مفارقات أهمها أن الذين يطالبون بتعديل الدستور اليوم هم أبرز من هللوا له وتحمسوا له عند إقراره، فى حين أن المعارضين للتعديل والذين يحاولون اصباغ صفة القداسة عليه، هم أكثر من انتقدوه عند صدوره لأنهم كانوا ضد ثورة 30 يونيو التى أخرجت الإخوان من الحكم!!.
أول دعوة للتعديل صدرت من النائب البرلمانى إسماعيل نصر الدين في فبراير الماضي، وبعد ايام قليلة، جمد الدعوة ثم أعاد اطلاقها قبل ثلاثة أسابيع .ثم خرجت العديد من المقالات الصحفية المؤيدة لذلك، وبعدها تحدث رئيس مجلس النواب الدكتور علي عبدالعال بصورة عرضية خلال مناقشة رسالة ماجستير، بما يشير إلى تأييده هذه التعديلات، والآن وصل الجدل إلى أشُدِّه بين المؤيدين للتعديلات والمعارضين لها.
الفكرة الجوهرية عند المؤيدين للتعديل أن الدستور الحالي كان ثمرة للفترة الانتقالية، وبما أن هذه الفترة انتهت والأوضاع بدأت فى الاستقرار، فقد آن الآوان لتعديل الدستور ليتوافق مع المرحلة الجديدة.
وهنا يرد المعارضون بقولهم، ان الدستور لم يتم اختباره أساسا. وبالتالى فان المطلوب هو تفعيله وليس تعديله، وحينما يحدث أي صدام أو يتم اكتشاف مشكلة فى هذا الدستور، يمكن وقتها الحديث عن تعديله، أما قبل ذلك فالحديث يبدو غير منطقي.
أهم التعديلات المقترحة هي إطالة مدة ولاية رئيس الجمهورية لتصبح ست سنوات وليس أربعة فقط. يقول المؤيدون إن أربع سنوات غير كافية لكي ينفذ الرئيس برنامجه، ويتمكن من مواجهة ودحر الإرهاب، لكن المعارضين يقولون، إن 4 سنوات موجودة فى بلدان كثيرة، وأن الرئيس يمكن أن يحكم فترتين لمدة ثماني سنوات، وهى فترة كافية جدا لتحقيق العديد من المشروعات والإنجازات.
الدستور المصري ينص على أن لا تزيد فترات حكم أي رئيس عن فترتين، ويحصن هذه المادة تماما، لكن المؤيدين يقولون إن هذه المادة، حصنت الفترات فقط، لكنها اغفلت الإشارة إلى تحصين سنوات كل فترة. وبالتالي فهناك ثغرة يمكن استغلالها لتطويل الفترة. ويرد المعارضون بان التحصين ينسحب على الفترات والمدد وعدد السنين، وان أي عبث بالمادة يسقط الدستور باكمله، الذي اشترط ان يكون التغيير في هذه المادة للمزيد من التحصين فقط.
ويقول المعارضون ايضا ان المهم هو تأسيس نظام يقوم على فكرة المؤسسية، وليس شخص الرئىيس، وأن أفضل ما يفعله الرئيس السيسي هو بناء هذا النظام بدلا من تكرار نفس ما فعله كل الرؤساء السابقين، حينما جعلوا النظام متمركزا حول أشخاصهم، وليس لبناء وتدعيم المؤسسات لكي تستمر وتقوى بغض النظر عن اسم الرئيس.
من بين التعديلات الاساسية المطروحة ايضا زيادة صلاحيات الرئيس على حساب البرلمان والحكومة. في الدستور الحالي فإن الرئيس يعين الحكومة والوزراء، لكنه لا يستطيع إقالة أي وزير، إلا إذا وافق مجلس النواب على ذلك، وهي المادة التي يرى المؤيدون للتعديلات أنها تكبل الرئيس، وأنه لا يعقل استمرار التعامل بين الرئيس وهذا الوزير إذا رفض البرلمان إقالة الأخير، لكن المعارضين يقولون إن علاقة الحكومة والرئيس مع البرلمان منذ انتخابه "اكثر من السمن على العسل" وبالتالي يسألون ما هو الداعي لمثل هذه التخوفات؟!.
يقول أنصار الرئيس إن الدستور الحالي كان ممتازا عن صدوره لأن هدفه الجوهري كان بناء أكبر قدر ممكن من التوافق السياسي بين كل مكونات المجتمع وقتها ماعدا جماعة الإخوان، لكن ذلك تغير الآن، وصار مطلوبا مزيد من الاسقرار، الامر الذي يتطلب تدعيم النظام الرئاسي لمواجهة الاضطرابات التي تعصف بالمنطقة باكملها والإرهاب الذي يهدد الداخل.
من بين التعديلات ايضا تقليص دور مجلس الدولة الذى يعطيه الدستور حق مراجعة أي مشروع قانون قبل إقراره من مجلس النواب. لكن المعارضين يخشون أن يكون ذلك عقابا لمجلس الدولة الذي أصدر حكما نهائيا وباتا، بإبطال اتفاقية تسليم مصر لجزيرتي تيران وصنافير للسعودية. وهو الحكم الذي تعتقد دوائر حكومية أنه يخالف نظرية مستقرة تقول إن القضاء غير مختص بالنظر فى الاتفاقيات الخارجية باعتبارها عملا من أعمال السيادة، وأن حكم القضاء الإداري فى هذا الصدد كان الرافعة التي اعتمد عليها المعارضون للاتفاقية.
يطالب المؤيدون ايضا بالغاء مادة تعطي محكمة النقض حق الفصل في صحة عضوية النواب،الامر الذي يراه المجلس انتقاصا من دوره، في حين يخشي المعارضون من ان ذلك يعني العودة إلى "نظرية سيد قراره" التي تجعل المجلس يضرب بعرض الحائط أي احكام قضائية تخص صحة العضوية.
يقول المؤيدون إن ظروف مصر تحتاج إلى العودة إلى المفاهيم التى كانت سائدة فى دستور عام 1971 والذى ظل ساريا حتى تم إلغاءه بعد ثورة 25 يناير 2011. لأن فكرة التوجه إلى النظام البرلماني، ووجود حكومة حزبية، لن يتحقق فى مصر قريبا لأسباب كثيرة. بل إن البعض يشكو من عدم وجود كتلة نيابية صلبة داخل البرلمان للمرة الأولى منذ بدء الانتخابات البرلمانية عام 1924، عقب إقرار الدستور الشهير عام 1923، الذي كان ثمرة الثورة الشعبية عام 1919. لكن المعارضين يردون بأن الدستور الحالي يعطي صلاحيات كثيرة للرئىيس بالفعل، وما تحتاجه مصر الآن هو المزيد من التوازن بين السلطات، وليس تغول سلطة على أخرى.
يقول المؤيدون أيضا إنه ينبغى تعديل عدة مواد تتحدث عن ضرورة تخصيص لنسبة 10% من الميزانية العامة سنويا للتعليم والبحث العلمى والصحة من الناتج القومي الإجمالي لتحقيق العدالة الاجتماعية. لأن حساب هذه النسبة غير واقعي، لوجود اختلاف كبير بين الناتج القومي والمحلي، وأن هذه المواد اريد بها دغدغة مشاعر البسطاء من دون حساب الواقع الحقيقي.
ويرد المعترضون على التعديل بقولهم إن هذه المواد كانت الأفضل على الإطلاق، وأنها كانت البداية الحقيقية لتحقيق العدالة الاجتماعية، وبالتالي فإن إلغاءها سيرسل إشارة شديدة السلبية لغالبية المجتمع، بأنه بدلا من سعي الحكومة لتفعيل هذه المواد، فإنها تحاول بشتى السبل التنصل منها، مما يعزز الانطباع بوجود انحياز حكومي للطبقة الأكثر غنى على حساب غالبية الشعب الذين تتدهور أحوالهم الاقتصادية بشدة بفعل برنامج الإصلاح الاقتصادي الأخير.
قبل أيام التقيت أحد كبار النواب المؤيدين للحكومة وللتعديلات الدستورية المقترحة. الرجل يقول إن الدستور ليس نصا مقدسا ويجوز تعديله فى أي وقت، طالما أن ذلك يتم بالإجراءات القانونية والتشريعية المتبعة، وأن الظروف التي وضع فيها الدستور الحالى تغيرت، وبالتالي لابد من إجراء التعديلات طالما أن الأمور استقرت.
لكن هذا النائب قال إنه حتى هذه اللحظة، لا توجد أشياء ملموسة، بل هي مجرد اقتراحات تقدم بها أحد النواب، وأيدها آخرون.
النائب إسماعيل نصر الدين قال منذ أيام أنه سيقدم الاقتراحات في أوائل اكتوبر المقبل، لكنه في نفس الوقت نفى أن يكون مقترح تطويل فترة الرئاسة إلى ست سنوات سينصرف إلى الفترة الحالية للرئيس السيسي، بل لرئيس الجمهورية المقبل الذي سيتم انتخابه فى منتصف العام المقبل.
التقدير العام لدى العديد من المراقبين السياسيين، أن كل ما طرح هو مجرد"جس نبض" لمعرفة الاتجاهات العامة في الشارع السياسي المصرى.
وحتى هذه اللحظة فإن المعارضين التقليديين للحكم هم الذين يرفضون التعديلات ويقولون إنها تشبه "الانقلاب الدستوري" وأنها ستتم لا محالة طالما أن" ائتلاف دعم مصر" المقرب من الحكومة، يملك الأغلبية داخل مجلس النواب. في حين أن مؤيدى الحكومة يقولون إنها منطقية طالما جرت بالطرق القانونية.
فريق ثالث يرى أنه يحق للرئيس أو خمس مجلس النواب إجراء التعديلات فى أي وقت، لكن المشكلة هي فى التوقيت، الذي يبدو من وجهة نظرهم غير مناسب بالمرة، ويعطي انطباعا أن الحكومة تتجه للحصول على مزيد من الصلاحيات.
في كل الأحوال يبدو أن خريفا ساخنا ينتظر المشهد السياسى المصري، والخوف هو من الأوراق الكثيرة التي تسقط في مثل هذا الموسم.
*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.