عماد الدين حسين: أزمات طاحنة.. ومعارضة غائبة
٦ يوليو ٢٠١٧في مقال منشور على الموقع الإلكتروني لصحيفة «القدس العربي» صباح الثلاثاء 27 يونيو/ تموز، يتعجب الكاتب والأكاديمي المصري المعروف عمرو حمزاوي من مفارقة ملفتة جداً وغريبة، وهي أن الحكومات العربية "السلطوية"، ورغم الأداء الضعيف لنخبها اجتماعياً واقتصادياً وتهافت سجل انجازاتها التنموية، فإن التحديات المجتمعية التي تواجهها محدودة للغاية.
لن أخوض في تفاصيل ومضمون مقال حمزاوي المتاح للقراءة، ولكن سأتحدث عن هذه المفارقة المدهشة، التي لا يريد الكثيرون أن يلاحظوها أو يقفوا عندها، حتى يتم تفكيكها وبالتالي علاجها. كما لن أخوض في هذه الظاهرة عربياً، ولكن سأحاول في هذه السطور السريعة الحديث عنها مصرياً فقط.
مبدئياً، الظاهرة التي تحدث عنها حمزاوي صحيحة جداً، لكن لا أحد من المعارضة في مصر يحاول الاقتناع أو الاعتراف بها، ويصر على دفن رأسه في الرمال، حتى لا يواجه الحقيقة.
هل الحكومة المصرية مسؤولة عن هذه الظاهرة؟!
قولا واحدا: نعم، وبنسبة كبيرة أيضاً. وليست هذه الحكومة فقط،بل غالبية الحكومات السابقة،أقول ذلك حتى أقطع الطريق على كل من يحاول المزايدة، أو اتهامي بأنني استهدف المعارضة وأنسى دور الحكومة.
لكن من العدل والإنصاف القول إن المسؤولية لا تقع على عاتق الحكومات فقط، لكن هناك أطرافاً أخرى كثيرة تتحمل المسؤولية، وفي مقدمتهم بطبيعة الحال المعارضين أنفسهم.
كان يفترض أن الأزمات الصعبة التي تمر بها مصر، خصوصاً في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى السياسي، أن تؤدي إلى وجود معارضة حقيقية وفاعلة تحشد الأنصار من أجل التغيير السلمي. لكن الصورة على أرض الواقع «واضحة وضوح الشمس في شهر آب» وهي أن المعارضة المصرية شبه غائبة تماماً.
نعود لنقول إن الحكومة تحاصر المعارضة، وتحاول حشرها في ركن بعيد، لكن من قال إن ذلك غريب واستثنائي في غالبية منطقتنا؟! كل المعارضات الرئيسية التي شهدها التاريخ دفعت ثمناً باهظاً كي نتواجد في الشارع.
معظم المعارضة المصرية، ولا أقول كلها، لديها أوهام أو هلوسات غريبة، بأن الحكومة سوف تستيقظ في الصباح وتعتذر لها وتترك الحكم، وتقول لها: «تفضلي وتسلمي مقاليد الحكم، بعد أن فشلنا نحن في ذلك؟!!».لا توجد حكومة في العالم تفعل ذلك، وأغلب الظن أنها لن توجد!!
المعارضة في أي مكان تقدم تضحيات كثيرة، وقبل أن تفعل ذلك، لابد أن يكون المعارضون سياسيين فعلاً، ويؤمنون بأفكارهم ومبادئهم، وأن يكونوا مستعدين أن يدفعوا الأثمان المطلوبة لهذا الأمر، لكن غالبية النوعية الموجودة في مصر، لا تنتمي إلى هذا الفصيل الطبيعي الذي نتحدث عنه!!
مظاهر ذلك كثيرة جداً. أولاً، فإن الأحزاب المصرية أو غالبيتها فقدت تأثيرها الحقيقي في الشارع، ولم تعد قادرة حتى على جمع ألف مواطن في ندوة أو مؤتمر، إلا إذا أعلنت مثلاً عن وجود هدايا نقدية أو عينية أو ربما سحب علي سيارة!
غالبية الأحزاب أيضاً تلوم الحكومة وتعايرها بأنها غير ديمقراطية ــ ولها كل الحق في ذلك ــ لكنها هي أيضاً أحزاب غير ديمقراطية، ومعظم قياداتها لا تتغير، وإذا حدثت انتخابات حقيقية ونزيهة، ينشق الحزب وينقسم لأجنحة متصارعة على غرار ما كان يحدث في عهد حسني مبارك.
وتطبيقاً لقاعدة «فاقد الشيء لا يعطيه»، فإنه يصعب أن تقدم هذه الأحزاب نموذجاً ملهماً للمجتمع في موضوع التغيير الديمقراطي.
مرة أخرى اكرر أن الحكومة تحاصر الأحزاب والقوى السياسية الجادة، ولا تتمنى أن تراها تنجح ويصبح لها قواعد جماهيرية فعلية. لكن هل يعنى ذلك أن تضع هذه الأحزاب والقوى السياسية "يدها على خدها ثم تندب حظها وتعود للبيت آخر الليل معتقدة أنها أدت ما عليها"؟!
للأسف هذا هو ما يحدث على أرض الواقع، إذ يظهر هذا السياسي أو الزعيم المعارض على إحدى الفضائيات وينتقد الحكومة، على أي قضية، معتقداً أنه أدى دوره في النضال الوطني كما ينبغي له أن يكون!.
بالطبع معظم الكلام السابق ينطبق على المعارضة المدنية، وليس على قوى التطرف والعنف التي تحشد أنصارها بتجارة الدين وتهددهم بعذاب القبر والآخرة، وحصلت على فرص التوسع والتمدد زمن حسني مبارك، الأمر الذي مكنها من السيطرة على البرلمان والحكومة والرئاسة في مصر قبل أن تنجح ثورة 30 يونيو/ حزيران في إزاحتها من المشهد!
المفارقة الأهم أن مصر تعيش الآن واحدة من أصعب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، على خلفية تعويم سعر الجنيه أمام الدولار ورفع أسعار الوقود في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ثم رفع أسعار الوقود مرة أخرى يوم الخميس الماضي، والارتفاع شبه الشامل في الأسعار. ورغم ذلك فإن الحكومة ورئيس الجمهورية اتخذوا قرارات ثورية فعلاً، فيما يتعلق بملفات وقضايا اقتصادية، لم يستطع أي رئيس سابق اتخاذها منذ 17 يناير/ كانون الثاني 1977، حينما ألغى الرئيس الأسبق أنور السادات قرارات رفع الأسعار بسبب هبة وانتفاضة جماهيرية كبيرة في هذا اليوم.
التحدي الأصعب الذي تواجهه الحكومة المصرية هو التحدي الاقتصادي الاجتماعي وليس السياسي.
حتى جماعة الإخوان ــ المصنفة إرهابية ــ فشلت في تحريك الشارع بصورة فعلية منذ إخراجها من الحكم بثورة في 30 يونيو/ حزيران 2013، والغريب أنها تحاول بإصرار لا يتوقف استغلال الأزمة الاقتصادية للوصول إلى الناس أو على الأقل تثويرهم ضد الحكومة.
هل سيتغير هذا المشهد ونرى معارضة مصرية حقيقية؟! أغلب الظن أن ذلك لن يحدث في الأمد المنظور، سواء بسبب قمع بعض أجهزة السلطة لأي تحرك معارض حقيقي على الأرض، أو لأن هذه الأحزاب ــ المسماة زورا بأنها معارضة ــ هي كرتونية أنبوبية، و"نسمع منها الكثير من الضجيج من دون أن نرى أي أثر للطحن"؟!
خبراء كثيرون يقولون أن الفكرة الحزبية غير متجذرة في التربة المصرية لأسباب كثيرة يطول شرحها، وبالتالي فإن الحديث الجاد يستلزم القول بأنه في الأجل المنظور، لن تكون هناك حياة سياسية حقيقية، كما يحد في البلدان الأوروبية المتقدمة. لكن على الأقل يحلم هؤلاء المراقبون بأن يروا أي مؤشرات على بداية فعلية على الأرض تجعلهم يحلمون برؤية حياة سياسية جادة وحقيقية ومتعددة بعد سنوات!
*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.
عماد الدين حسين