عماد الدين حسين: تظاهر الأردنيون.. فانزعج المصريون!!
٧ يونيو ٢٠١٨من هو الأكثر تضررا من الاحتجاجات الشعبية فى الأردن على قرارات رفع الاسعار وزيادة الضرائب؟!
الطبيعى أنها الحكومة الأردنية، وكذلك القصر الملكي الذي اضطر لإقالة حكومة هاني الملقي، لامتصاص غضب الشارع، لكن يليها مباشرة فى التضرر الحكومة المصرية.
توقيت الاحتجاجات الأردنية كان هو الأسوأ على الإطلاق للحكومة المصرية، التى كانت تتهيأ لاتخاذ قرارات تصفها دائما بأنها "مؤلمة وموجعة" برفع أسعار الوقود، الأمر الذي سيقود بصورة آلية إلى ارتفاع أسعار العديد من السلع والخدمات.
تقول الحكومة المصرية إنها لا تملك بديلا عن السير فى خطة الإصلاح الاقتصادي الصعبة التى بدأتها فى نوفمبر 2016، بتحرير قيمة عملتها الجنيه أمام العملات الأجنبية، لكن بعض معارضيها يقولون أن هناك بدائل كثيرة كان علىها الحكومة أن تلجأ إليها لتخفيف عبء الفاتورة الصعبة التي ينبغى على الفقراء أن يدفعوها.
المفترض أن الحكومة ستعلن بين لحظة وأخرى عن زيادات محتملة فى أسعار الوقود والكهرباء بعد أن أعلنت عن زيادات فى أسعار المياه وتذاكر المترو.
فى تقديري الشخصى أن الحكومة المصرية تصرفت بذكاء وبصورة أفضل فى إخراج المشهد هذه المرة. لأنها قبل أن تعلن زيادة أسعار الوقود رسميا، فقد أعلنت عن حزمة واسعة من اجراءات الحماية الاجتماعية للفقراء والطبقة الوسطى خصوصا الموظفين.
هى قررت رسميا يوم الاثنين الماضي زيادة في رواتب موظفى الحكومة والقطاع العام بنسبة 7%، كما قررت رفع المعاشات بنسبة 15 %، ورفع حد الإعفاء الضريبى من سبعة آلاف إلى ثمانية آلاف جنيه وهو ما سيكلفها حوالى 60 مليار جنيه سنويا، يفترض أن تضاف إلى العجز الموجود فى موازنة الدولة. المفترض أيضا أن تكون هناك بعض "القرارات الشعبوية" مثل زيادة المخصصات على البطاقة التموينية أي السلع الأساسية التي يحصل عليها غالبية المصريين بأسعار مدعمة، وكذلك زيادة المخصصات لبرنامجى "تكافل وكرامة" الموجهة بالأساس للأسر الفقيرة خصوصا في القرى والمناطق الريفية.
كل هذه الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، الهدف منها، أن يتقبل المواطنون قرارات رفع أسعار الوقود، وكان هناك خلاف حول سؤال: هل يتم إعلان حزمة الحماية الاجتماعية قبل أم بعد أم أثناء إعلان زيادة أسعار الوقود؟.
لكن فى النهاية انتصر الرأي القائل بإعلانها قبل الزيادات، حتى تستطيع الحكومة أن تنقع المواطنين بأنها بدأت بتحصينهم أولا ضد آثار الزيادة.
السؤال: هل هذه الإجراءات التي اتخذتها الحكومة كافية وستجعل المواطنين يتقبلون زيادات أسعار الوقود؟.
بالطبع لا يمكننى الجزم والإجابة نيابة عن كل المواطنين، ولكن لا يوجد مواطن بطبيعة الحال في أي مكان بالعالم يتقبل زيادة الأسعار والخدمات ولو بمقدار سنت واحد!!.
المعضلة الموجودة في مصر الآن، تتلخص في أن الحكومة المصرية تقول أنها لا تملك بديلا عن السير فى خطة الإصلاح، التي تنفذها مع صندوق النقد الدولي، وبقية مؤسسات التمويل الدولية منذ عامين. وفى المقابل يقول المواطنون إنهم لا يمكنهم تحمل دواء مر كان يفترض أن تتحمله الأجيال الماضية والأجيال المقبلة، وليس هم فقط.
طبعا من سوء حظ غالبية المواطنين، الآن أنه مكتوب عليهم أن يدفعوا الثمن الأكبر. لأن غالبية الحكومات السابقة منذ يناير 1977، تواطأت وجبنت وخافت من البدء فى عملية الإصلاح، خوفا من الغضب الشعبي، الذى اندلع فى مظاهرات 17 و18 يناير 1977. والنتيجة أن عملية الإصلاح توقفت بشكل شبه تام، ودخل الاقتصاد المصري في نفق مظلم، كاد أن يؤدي لعواقب وخيمة لولا بدء عملية الإصلاح كما تقول الحكومة.
من ينظر نظرة شاملة لخريطة المنطقة العربية، فسوف يلاحظ أن المشكلة ليست فى الأردن فقط أو مصر، لكنها تكاد تكون شاملة. كنا نظن لفترات طويلة أن مصطلح أزمة اقتصادية لن يتم تداوله فى البلدان الخليجية الغنية بالنفط. ثم استيقظنا قبل شهور على قرارات وإجراءات تقشف واسعة النطاق فى العديد من بلدان الخليج، رأينا السعودية والإمارات تبدأ فى فرض العديد من الضرائب مثل القيمة المضافة، ورأينا دولا أخرى تفرض رسوما كثيرة على العمالة الوافدة أو تستغني عن بعض منها.
رأينا مظاهرات غاضبة فى السودان وتونس والمغرب والعراق بسبب الأوضاع الاقتصادية، فى حين أن بقية البلدان العربية لا توجد بها حكومات مستقرة من الأصل وتعاني من حروب أهلية طاحنة مثل اليمن وليبيا وسوريا تكاد تهدد وجودها.
إلى أين تتجه الأمور؟!.
أخشى أن يكون الأسوأ لم يأت بعد حتى الآن. هناك مخاوف من أن تؤدى الحروب الأهلية، والصراع السعودي الإيرانى فى الخليج، والصراع الإسرائيلى الإيراني فى سوريا، ومحاولات الإدارة الأمريكية فرض ما يسمى بصفقة القرن إلى فوضى عارمة فى المنطقة، سوف تفاقم من الأزمات الاقتصادية.
ظني الشخصي أن خطر الإرهاب انحسر إلى حد كبير فى المنطقة العربية، لكن الخطر الأكبر هو القلاقل الاجتماعية الناتجة عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
رأيي الواضح أنه ما لم تبدأ مصر والمنطقة العربية إصلاحا شاملا وحقيقيا للتعليم والصحة، فإن كل الأزمات سوف يتم إعادة إنتاجها بصورة أو بأحرى. مطلوب من الحكومات العربية أن تحسم أمرها وتنحاز للمستقبل وتصلح التعليم وتطور الصحة، وتهجر الماضي وتنظر للعلم والتكنولوجيا، في إطار من الحريات واحترام حقوق الإنسان.
تلك هي الوصفة التي يمكنها مقاومة كل المشاكل والشرور والمؤامرات!!.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.