عماد الدين حسين: تعليم مصري متطور.. يجفف منابع التطرف
١٩ أبريل ٢٠١٨
من دون إصلاح وتطوير التعليم في مصر بصورة منهجية وشاملة، فلن يكون هناك نجاح حقيقي فى بقية المجالات، سواء كانت اقتصادية أو إدارية أو اجتماعية أو حتى سياسية. المصريون يختلفون تقريباً عن معظم القضايا من أول "الأهلي والزمالك"، إلى ارتفاع أسعار غالبية السلع، لكن الاتفاق الوحيد تقريبا بينهم هو على ضرورة إصلاح التعليم كمدخل أساسي للتقدم والإصلاح.
أسباب تخلف وتدهور التعليم طويلة وكثيرة ولا داعي للخوض فيها، فالجميع تحدث عنها وقدم لها التشخيص، لكن المشكلة أن الحكومات المختلفة لم تجرؤ على تنفيذ عملية الإصلاح. لكن التطور الجديد والمهم هو الرؤية أو الخطة أو المشروع الذي قدمه وزير التعليم المصري الدكتور طارق شوقي أمام مجلس النواب يوم الاثنين الماضي.
جوهر خطة التطوير تبدأ من مرحلة رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي، وفي المرحلة الثانوية سيتم تجربة منظومة الكومبيوتر اللوحي جنباً إلى جنب الكتاب المدرسي، بحيث يوفر مصادر معرفة مختلفة للطلاب.
أهم تطور في المشروع الجديد هو إلغاء شهادة الثانوية العامة بمفهومها الحالي، بحيث لا تكون شهادة قومية!!
المعروف أن النظام الحالي يجعل معظم المجتمع يعيش في حالة كابوسية من دون توقف، لأن مستقبل الطالب يتوقف على قدرته على اجتياز امتحان واحد بدرجات مرتفعة، فإذا كان متفوقاً طوال سنوات دراسته ثم حدث له أي مكروه، أو أُصيب بأي مرض طارئ يوم الامتحان، فإن كل تفوقه يذهب هدراً!!
سيكون النظام الجديد نظاماً أقرب إلى النظام البريطاني أو «الآي جي» بمعنى أن الطالب سيُعقد له 12 امتحاناً تراكمياً، طوال الثلاث سنوات، يختار منها درجات أعلى 6 امتحانات. الأسئلة ستكون على جهاز الكومبيوتر اللوحي وكذلك الأجوبة، بعد أن يتم تغطية المدارس بشبكة الإنترنت وإصلاح البنية التكنولوجية بها.
وفيما يتعلق بالمناهج فستركز على المهارات العقلية والإبداع وبناء الشخصية، بحيث يتعلم الطلاب اللغات الأجنبية بجانب اللغة العربية في المرحلة الابتدائية، والتكوين المهني فى المرحلة الإعدادية. والهدف الجوهري هو أن يتوقف الطلاب طريقة الحفظ والتلقين ويركزون على الفهم والإبداع واكتساب المهارات اللازمة في الحياة، إضافة إلى دعم التعليم الفني.
وتم توقيع 7 عقود لإضافة أجزاء من نظام التعليم المعدل للثانوية العامة تشمل المحتوى والنظم الرقمية وإعداد البيانات وتعريب بعض المناهج العالمية ووضعها على بنك المعرفة. وعبر هذه العقود سيتم استيراد نظام التصحيح الرقمي لاستخدامه فى التصحيح الإلكتروني، وإعداد ووضع قواعد بيانات ونقل الخبرات وتوطين هذه البرامج فى مصر.
وعلى عهدة وزير التعليم فقد تم توقيع اتفاقية عن المحتوى العربي الرقمي لخدمة مناهج التعلم وهو منهج معرب من الولايات المتحدة ويغطي مراحل التعليم من الصف الأول الابتدائي حتى الثانوية العامة وسيتم وضعه على بنك المعرفة، وهي دروس تفاعلية تتيح مزيداً من الشرح والتوضيح، وتم شراء قواميس من معظم اللغات الأجنبية وقواميس متخصصة وستوضع على بنك المعرفة.
هناك أيضاً عقود مع شركة ديسكفري لتكوين منهج رياض الأطفال، واتفاق مع شركة "بريتانيكا" الأم بإعداد مناهجها باللغة الغربية، وعقد بإنشاء منصة إدارة التعلم التكنولوجي في التعليم الأساسي والتعليم العالي. وستقوم شركة أخرى بعمل برامج لحل مسائل الرياضيات وسيتم وضعه على المناهج المصرية من الأول الإعدادي حتى الثانوي، كما ستقوم شركة «يوريكا» بإتاحة 5740 فيديو ثنائي وثلاثي الأبعاد عن مناهج العلوم وستوضع أيضاً على بنك المعرفة.
النظام الجديد يفترض أن يتغلب على مشكلة تسريب الامتحانات عبر وجود بنك الأسئلة لدى الجهات والهيئات السيادية، بحيث تتحول الأسئلة إلى الطالب في لجنة الامتحانات مباشرة، من دون وجود وسيط.
هذه هي الخطوط والبيانات الأساسية للنظام الجديد، وقد رأيت أهمية عرضها بتوسع حتى يسهل النقاش بشأنها على أوسع نطاق ممكن. الموضوع يستحق فعلاً مناقشات شاملة ومكثفة ومتشعبة على المستوى القومي، حتى يتم تلافي أي ثغرات داخل المشروع الجديد.
قبل شهور شاركت في جلسة حاضر فيها وزير التعليم مع خبراء تعليم ومختصين بالتنمية المستدامة. ويومها، عرض علينا الوزير الخطوط العامة للمشروع، وقلت له إن ما عرضه أكثر ممتاز، لكن ما هي الضمانة أنه سيتم تطبيق وترجمة هذا «الكلام المهم والكبير» على أرض الواقع؟!
الوزير رد بقوله أن التطوير ليس مشروع الوزير أو الوزارة فقط، بل هو مشروع لكل المصريين، وأن رئيس الجمهورية يسأل شخصياً عن كل التفاصيل في هذا النظام، ورأيه أن على كل مصري ومصرية الاهتمام بهذا المشروع، والمشاركة في النقاش، حتى يأتي معبراً عن أكبر قدر من التوافق الوطني، وحتى لا يأتي أي شخص بعد تطبيق النظام ليقول إن به بعض الأخطاء أو الثغرات أو لم تتم مناقشته.
مرة أخرى ما هي التحديات والمشاكل التي واجه تطبيق هذا المشروع؟!
تقديري أن هناك تحديات كثيرة أولها التكلفة المادية، فالمشروع يفترض أن يطبق على المدارس الحكومية والخاصة، بحيث يحصل الطالب في نهاية المرحلة الثانوية على «شهادة التعليم المصري»، وهى إما تؤهله للالتحاق بعمل فني أو الالتحاق بالجامعة. التقديرات تقول إن هناك حاجة لملياري دولار على الأقل للبدء في تطبيق المشروع والمفترض أنه سيبدأ فى الموسم الدراسي الجديد فى سبتمبر/ أيلول المقبل. والبنك الدولي قدم لمصر بالفعل قرضاً بنصف مليار دولار فى الأسبوع الماضي للمساهمة فى المشروع.
ارتباطاً بالتمويل أيضاً، فهناك قضية «مجانية التعليم»، وهل تستمر بشكلها الحالي كما يقول الدستور، أم تلجأ الحكومة إلى تحصيل جزء منها من الطلاب؟ هذا الأمر سوف يثار بقوة آجلاً أو عاجلاً. وجهة نظر داخل الحكومة تقول إن أولياء الأمور يدفعون لأولادهم ما يصل إلى خمسين مليار جنيه سنوياً للدروس الخصوصية، فلماذا لا يدفعون جزء من هذا المبلغ للنهوض بالعملية التعليمية بدلاً من «رميها في مستنقع الدروس الخصوصية» الذي يذهب إلى جيوب بعض المدرسين فقط ويشوه مستوي التعليم؟!
من وجهة نظري أيضاً فإن واحدة من المشاكل التي تؤرق الجميع هي كيفية التوفيق بين أنواع مختلفة من التعليم في مصر، حيث هناك التعليم الحكومي الرسمي المجاني والمدارس التجريبية الحكومية بمصروفات قليلة، ثم المدارس الخاصة، والمدارس على النمط الأمريكي وأخرى على النمط البريطاني، والمدارس اليابانية التي ستبدأ فى الموسم المقبل، بعد أن تم تأجيلها فى بداية الموسم الدراسي الحالي، وبالتالي فنحن نحتاج إلى معجزة حتى يمكن توحيد كل هذه الفسيفساء في نظام واحد!!!
لا أعرف أيضاً كيف سيمكن مواجهة المقاومة المجتمعية العنيفة فالعديد من أولياء الأمور، الذي يشكون من تدهور مستوى التعليم يقولون: «ولكننا تعودنا على هذا النظام، وما نعرفه أفضل مما لا نعرفه!!!». هذه نقطة فى غاية الأهمية، وتحتاج جهداً كبيراً من الحكومة والإعلام لإقناع المواطنين بها.
يقول الوزير إن النظام الجديد سيقضي على «بعبع ووحش الثانوية العامة» وسيقضي على الدروس الخصوصية المرتبطة بها، بعد تطبيق نظام الامتحانات التراكمية طوال السنوات الثلاث في المرحلة الثانوية. لكن هناك تخوفاً من أن تتحول مشكلة الثانوية من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات، في ظل ثقافة عامة، يسعى خلالها الجميع للحصول على أعلى المجاميع والدرجات للالتحاق بكليات القمة، مقابل عدم الاهتمام الحقيقي بالتعليم الفني.
جوهر نجاح المشروع الجديد يتطلب وجود التلاميذ والطلاب فى فصولهم. ولا أعرف كيف ستتمكن الوزارة من توفير فصول للثانوية العامة، ومعظمها غير موجود حالياً، حيث هجرها الطلاب إلى المراكز الخاصة أو مما يطلق عليه «الستائر» التي يديرها «حيتان الدروس الخصوصية»، ويقبل عليها معظم الطلاب، مقابل دفع أموال كثيرة، أملاً في الحصول علي مجموع كبير يؤهلهم للالتحاق بكليات الطب والهندسة والصيدلة أو الإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية.
المؤكد أن النقاش مهم ومطلوب في هذا الملف الشائك. والمهم أكثر أن يشارك فيه الجميع، لأن مستوى التعليم في مصر سوف يؤثر على مستقبل منطقة الشرق الأوسط بأكملها هناك أكثر من عشرين مليون طالب في بلد يزيد عدد سكانه عن مائة مليون نسمة. ومستوى هذا المناهج سيؤثر على الأيدي العاملة في مصر والمنطقة العربية بأكملها حيث ينتشر ملايين المصريين.
أما النقطة الأكثر أهمية فهي المناهج ودرجة تطورها. وكيف يمكن لهذه المناهج أن تستقطب وتجذب الطلاب الصغار، بحيث تحببهم في سوق العمل داخل مصر وفي العلم والتكنولوجيا والإبداع والابتكار، بدلاً من تفكير كثيرين منهم فى فرصة للهجرة إلى بلد عربي غني أو بلد أوروبي، حتى لو كان الثمن الهجرة في مركب متهالك عبر مياه البحر المتوسط.
وجود تعليم مصري متطور وحديث يعني تجفيف جانب كبير من منابع التطرف في المنطقة، ويسهم في ربط المنطقة العربية بالمستقبل، بدلاً من جرها إلى الماضي، وبالتالي فهو ملف يحتاج لدعم الجميع.
عماد الدين حسين
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.