علاء الأسواني: هل النفاق طبيعة في المصريين؟
١٤ أغسطس ٢٠١٨كان المذيع يتحدث مع صحفية معروفة في برنامج تلفزيوني وتطرق الحوار إلى إنجازات السيسي فتبارى الاثنان في الإشادة بها ثم قالت الصحفية فجأة: أنا على فكرة عندي نقد للرئيس السيسي . ممكن أقوله..؟
بدا الذعر على وجه المذيع وتجاهل سؤالها واستمر في الإشادة بالسيسي، لكنها قاطعته قائلة:
ــ من فضلك ..اسمح لي أنتقد الرئيس السيسي
قال بصوت خافت:
ــ تفضلى
هنا قالت الصحفية:
ــ أريد أن أنتقد الرئيس السيسي لسببين: أولا لأنه لم يعد يهتم بصحته. إنه يبذل مجهودا فوق طاقة البشر لإنقاذ مصر، لكن يجب أن يعطى نفسه فرصة للراحة. إنني أحس بحزن شديد كلما رأيت وجه سيادته شاحبا ومرهقا من كثرة العمل.
تنفس المذيع الصعداء وانفرجت أساريره ثم قال:
ــ وما هو النقد الثاني؟
قالت الصحفية بحماس:
ــ ثانيا أوجه نقدي لسيادة الرئيس السيسي لأنه خطف قلوبنا نحن المصريين فلم يعد في قلوبنا مكان لحب آخر. احنا بنحب السيسي وبس.
هذا المستوى المتقدم من النفاق الاحترافي ربما لايوجد له مثيل في بلدان كثيرة ويبدو أنه مع كثرة المنافقين أصبح على من ينافق السيسي أن يكون مجددا ومبدعا. بالأمس قرأت مقالا لصحفي شاب يبشرنا فيه بأنه كلما ضحك السيسي في التلفزيون ارتفعت أسهم البورصة المصرية فورا لدرجة أنه مع كل ضحكة جديدة للسيسي يربح الاقتصاد المصري 4 مليار جنيه.
لا أظن أى مدرسة اقتصادية في العالم تربط أسهم البورصة بضحكة أي شخص، لكنه نموذج للنفاق الإبداعي المتطور. لا يقتصر النفاق على السيسي وإنما يمتد إلى كل صاحب منصب. تأمل كيف يعامل المرؤوس مديره في بلادنا، إنه غالبا ما يكيل له المديح ويشعره دائما أنه نابغة زمانه وقد يتجسس على زملائه وينقل أخبارهم لمديره ليحصل على رضاه.
لا يقف النفاق عند مديح المدير والرئيس. كانت لنا أرض في الصعيد استولى عليها بعض الناس بدون وجه حق ولما أقمنا دعوى قضائية لاسترداد أرضنا فوجئنا بأن معظم الجيران يعترفون بحقنا في الأرض لكنهم يرفضون الإدلاء بشهادتهم أمام المحكمة "تجنبا للمشاكل". في الأسبوع الماضى نبهنى بعض الأصدقاء إلى أن أستاذا جامعيا قام بالسطو على عدة محاضرات ألقيتها عن الديكتاتورية (وكلها مسجلة وموجودة على يوتيوب) نقل أستاذ الفنون الجميلة محاضراتي بالنص والحرف ونشرها في مقالتين باسمه على اعتبار أنهما من تأليفه.
الغريب أن بعض الذين نبهوني إلى هذه السرقة الوقحة واستنكروها بشدة، فعلوا مثل جيراننا في الصعيد ، فقد طلبوا مني ألا أخبر أحدا بأنهم نبهوني للسرقة لأنهم لايريدون مشاكل. إن السكوت عن الحق والدفاع عن الباطل و السلبية في مواجهة الظلم والكذب إيثارا للسلامة وتملق الرؤساء..كلها تطبيقات للنفاق وهي تنتشر في مصر الآن أكثر من أى وقت مضى مما يدفعنا إلى التساؤل:
" هل النفاق طبيعة في المصريين ..؟"
الإجابة نفي قاطع. لقد أثبت المصريون مرارا في التاريخ الحديث أنهم لايقلون شجاعة عن أى شعب آخر وقد قاتلوا دفاعا عن مصر في عدة حروب وثاروا دفاعا عن حقوقهم في ثورتين عظيمتين عام 1919 وعام 2011. لماذا ينافق المصريون إذن ..؟ لايمكن أن نفهم ظاهرة النفاق بمعزل عن السياق السياسي. إن النظام الحاكم في أى بلد هو الذى يخرج من الشعب أحسن أو أسوأ ما فيه.
إن المصري يمارس النفاق لأنه ببساطة يائس تماما من تحقيق العدالة. إنه ينافق لأنه يعلم يقينا أن الكفاءة لا تؤدى بالضرورة إلى النجاح والعمل الجاد لايؤدى بالضرورة للترقي والتعليم الجيد ليس شرطا للحصول على الوظائف وأن القانون لا يطبق إلا على الضعفاء، أما "الأكابر"، فإن القوانين يتم تغييرها لحمايتهم . المصريون يعلمون أن كلمة الحق أصبح ثمنها باهظا وهم غالبا غير مستعدين لدفعه.
المذيع الذى ينافق السيسي يعلم أن مستقبله ورزق عياله في أيدي أجهزة الأمن المتحكمة في الإعلام ولو أنه قال الحق أو قصر في نفاق السيسي فإنه سيفقد عمله فورا وهناك مئات المذيعين المنافقين يحلمون بأخذ مكانه. الصحفية التى تشكو من أن السيسي خطف قلبها تعلم جيدا أن كلامها سيجلب عليها احتقار الناس لكنه سيجلب أيضا رضا السلطة الذى سيفتح أمامها أبواب المستقبل على مصراعيها .. في الدول الديمقراطية لا يحتاج المواطن إلى ممارسة النفاق لأن القواعد عادلة والأسباب تؤدى إلى النتائج.
إذا اجتهدت، سوف تتقدم في العمل وإذا تعلمت جيدا ستحصل حتما على وظيفة وإذا غضب عليك مديرك فإن يده ليست مطلقة في التنكيل بك لأن هناك لوائح تطبق على الجميع بمن فيهم مديرك. المواطن في دولة ديمقراطية لايخاف من قول الحق ليس لأنه أشجع من المصريين وإنما لأنه مطمئن إلى حماية القانون الذى يطبقه قضاء مستقل يساوى بين الكبير والصغير.
إننا بالطبع لا ندافع عن المنافقين ولا نلتمس لهم الأعذار، لكن النفاق ليس مجرد نقيصة أخلاقية وإنما ظاهرة اجتماعية مرتبطة بالنظام الحاكم. من السذاجة أن نتصور أننا سنتخلص من النفاق عن طريق المواعظ الدينية والأخلاقية لأن النفاق ليس هو المرض وإنما هو أحد أعراض مرض الاستبداد. عندما نتخلص من الاستبداد ونقيم نظاما ديمقراطيا حقيقيا لن يحتاج المصريون إلى ممارسة النفاق لأنهم سيعيشون في حماية القانون وسيحتكمون جميعا إلى قواعد عادلة تحترم الكفاءة والجهد وتمنح كل ذي حق حقه.
الديمقراطية هي الحل
* الموضوع يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.