1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

علاء الأسواني: هل تؤيد الجمهورية السيادية..؟!

علاء الأسواني
١٠ يوليو ٢٠١٨

في مقاله* لـ DW عربية يتحدث علاء الأسواني عن "الجمهورية السيادية" في مصر.

https://p.dw.com/p/318MO
Kolumnisten Al-Aswani
صورة من: Imago/El Mundo

ـ  في استفتاء 19 مارس عام 2011 الذى أعقب خلع مبارك، حدثت ظاهرتان غريبتان على سلوك المصريين: أولا أنهم احتشدوا واصطفوا في طوابير من أجل الادلاء بأصواتهم (الأمر الذي يؤكد أن انصرافهم عن الانتخابات السابقة يعود لمعرفتهم بأنها مزورة). الظاهرة الثانية أن الناس أجبروا  كبار المسؤولين في الدولة على الوقوف معهم في الطابور. كان ذلك شيئا جديدا على المسؤولين الذين تعودوا أن يتجاهلوا الطوابير ويدخلوا مباشرة للادلاء بالتصويت لكن الناس منعوهم بحزم حتى ان محافظ القاهرة لم يتحمل فكرة وقوفه في الطابور فانصرف بدون الإدلاء بصوته. في نفس الفترة تم تسريب تسجيل لمدير أمن البحيرة وهو يتحدث مع ضباطه قائلا:

- مهما حدث ستظلون أنتم أسياد البلد.

لفظ "أسياد البلد" تكرر على لسان شخصية كبيرة في النظام اذ قال بوضوح:

- نعم من حق أولادنا أن يرثوا مناصبنا لأننا أسياد البلد وغيرنا تابعون.

اذا كان للثورة المصرية هدف واحد فهو أن يكون المصريون جميعا سواء أمام القانون. أن يحافظ القانون على حقوق أقل المصريين شأنا وأن يكون كبار المسؤولين بمن فيهم رئيس الجمهورية خاضعين للمحاسبة. بعد سبع سنوات من الثورة صار وضع مصر أسوا من عهد مبارك. في مصر فقط نستعمل تعبير "جهة سيادية " عندما نتحدث عن المخابرات والجيش والشرطة.

معنى الجهة السيادية انها تتخذ قرارات لا تخضع للقانون. العالم يعرف الجمهورية البرلمانية والجمهورية الرئاسية، أما نحن في مصر فقد أصبحنا نعيش في جمهورية "سيادية" تحكمها طبقة مميزة من أصحاب السيادة الذين يتمتعون بمزايا تجعلهم فوق القانون والمحاسبة. كل قانون في مصر يتم تطبيقه على أفراد الشعب ويستثنى منه أصحاب السيادة بدءا من قانون المرور فالمعروف ان هناك فئات من أصحاب السيادة لايدفعون مخالفات المرور، قوانين الضرائب تطبق بحذافيرها على صغار المهنيين والموظفين أما كبار الأثرياء فيستطيعون دائما دفع أتعاب كبار المحاسبين للافلات من الضرائب.

 قانون الحد الأقصى للأجور في الدولة أصبح حبرا على ورق بعدما تم استثناء العاملين في الجهات السيادية من تطبيقه، الأسبوع الماضى وافق البرلمان على قانون أعطى للرئيس السيسي الحق في اختيار من يريد من كبار قادة الجيش  ليتمتعوا  بالامتيازات المالية للدبلوماسيين والوزراء والعسكريين جميعا والأخطر من ذلك أن هؤلاء القادة المحظوظين سيكونون بموجب القانون محصنين من أية محاسبة قانونية الا بعد موافقة المجلس الاعلى للقوات المسلحة. لو ان قائدا منهم قتل انسانا فلا يجوز للنيابة العامة التحقيق معه الا بعد موافقه قيادة الجيش واذا لم توافق فلن يكون هناك تحقيق ولا قضية.

هذا القانون بلا شك هو الأغرب في تاريخ مصر وهو ينسف فكرة الدولة من أساسها لأنه يمنح الرئيس الحق في تحصين أشخاص بعينهم وفقا لارادته المنفردة بحيث يصبحون غير خاضعين للقانون الذى يخضع له بقية المواطنين . انها الجمهورية السيادية التي تحكمنا . القانون في مصر لا يتم تطبيقه وانما يتم استعماله ضد أشخاص دون غيرهم . محمد أبوتريكة لاعب كرة قدم فذ اشتهر بتدينه وأخلاقه الرفيعة وهو يتمتع بشعبية غامرة بين الجماهير .بعد أن تولى السيسي السلطة فوجيء المصريون بالتحفظ على أموال أبوتريكه وادراج اسمه في قوائم الارهاب وشن الاعلام الموجه من المخابرات حملة عاتية ضد أبو تريكه اتهمه فيها بالخيانة وتمويل الجماعات الارهابية من ماله الخاص، خاض أبوتريكه معركة قانونية طويلة انتهت بانتصاره عندما حكمت محكمة النقض بالغاء ادراج اسمه في قوائم الارهاب واعادة نظر قضيته أمام دائرة أخرى.

العجيب ان الاعلامي وائل الابراشي قد أعلن في برنامجه التليفزيوني عن مفاوضات تجرى بين ابوتريكه والمسؤولين الذين يطالبون اللاعب بتقديم اعتذارا علنيا للمشير طنطاوي لأنه غضب بشدة من ابوتريكه عندما رفض مرة أن يصافحه. جريمة ابو تريكه الحقيقية اذن ليست تمويل الارهاب وانما اغضاب المشير طنطاوي وعندما غضب طنطاوي غضبت أجهزة الدولة جميعا وطاردت أبوتريكه ونكلت به وتحفظت على أمواله وكادت أن تلقي به في السجن لولا خروجه من مصر. اذا أراد أبوتريكه أن يرضي الدولة عليه أن يرضي طنطاوي لأن طنطاوي هو الدولة.  هل يمكن لمجتمع ان يتقدم في ظل هذه المفاهيم؟ ان الذين يحكمون مصر لم يقرأوا التاريخ ولو أنهم قرأوه لأدركوا أن تقدم أي بلد لايقاس أبدا ببناء الكباري والطرق وانما يقاس باحترام حقوق الانسان. ان الوطنية لا تتحقق بالأغاني والاستعراضات الراقصة والكلمات العاطفية الحنون التي يلقيها الرئيس، لكن معنى الوطنية أن تتعامل الدولة مع مواطنيها بعدل واحترام ..ان التدهور الذى يعاني منه المصريون يعود بالاساس إلى الظلم والفساد وليس إلى زيادة السكان وقلة الموارد كما يقول السيسي. ان تمتع قلة من الناس بالسيادة على بقية الشعب هو أقصر طريق لتدهور المجتمع لانه يقسم الشعب إلى فئة قليلة متكبرة وأغلبية مهانة منكسرة وذليلة. 

عزيزي المواطن المصري                                               

هل تؤيد هذه الجمهورية السيادية؟ اذا كنت تؤيدها فاما انك من أصحاب السيادة وتدافع عن امتيازاتك واما أنك تقبل بأن تظل تابعا لأسياد البلد وتعترف بأنك أقل منهم ولاتتساوى معهم في الحقوق فلا يحق لك أن تشكو لأنك تنال المعاملة المهينة التي تستحقها لأنك وافقت عليها. أما اذا كنت ترفض الجمهورية السيادية فانت لا تحتاج إلى من يرشدك إلى الطريق. ارفض الظلم واستمر في طلب العدل والحرية مهما يكن الثمن الذي ستدفعه.

 

الديمقراطية هي الحل

 [email protected]

 

* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد