علاء الأسواني: نظام مبارك لن يعود ولست ضد انتقاد الجيش
١٦ سبتمبر ٢٠١٣عرف المصريون الأديب علاء الأسواني قبل الثورة كواحد من أشرس الأدباء انتقادا لنظام مبارك. كما لمع نجمه أكثر بعد الثورة بأسابيع حينما واجه أحمد شفيق على قناة "أون تي في" الخاصة وهاجمه مما دفع المجلس العسكري وقتها لإقالة آخر رئيس وزراء في عهد مبارك. وفي الانتخابات الرئاسية بين المرشحين أحمد شفيق ومحمد مرسي بدا منحازاً بشدة لمرسي ضد شفيق.
وبالرغم من موقفه هذا، كان الأسواني من أبرز الشخصيات العامة الداعية إلى إسقاط حكم الإخوان في 30 يونيو. كيف يرى الأسواني ما يحدث في مصر الآن؟ وما هو تفسيره لمشهد ما بعد 30 يونيو؟ كيف يرى الموقف الغربي من الأزمة وما هو رأيه في الانتقادات الموجهة للجيش من المعسكر الثوري؟ في حوار خاص لـ DW عربية يجيب علاء الأسواني على هذه الأسئلة.
DW عربية: لنبدأ بـ 30 يونيو، كيف تصف ما حدث فيه؟
علاء الأسواني: حتى نفهم ما حدث في 30 يونيو لابد أن نسأل أنفسنا عدة أسئلة، أولاً، هل في أي ديمقراطية من حق الناخب سحب الثقة من رئيس منتخب؟ الإجابة طبعا، من حقه. السؤال التالي يتعلق بالجهة التي يمكنها سحب الثقة؟ الإجابة هي البرلمان. حسنا، وماذا إذا لم يكن البرلمان موجوداً؟ هنا علينا أن ننتقل من الديمقراطية التمثيلية إلى الديمقراطية المباشرة. وبالتالي فما قامت به حركة "تمرد" هو فعل ديمقراطي تماما. جمعت توقيعات تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة تمثل ضعف من قاموا بانتخاب مرسي أساساً. ثم نزل الناس إلى الشوارع لأن التوقيع لم يكن كافياً، حتى تلك اللحظة لم يكن الجيش قد تدخل بعد. كان هناك سيناريوهان: إما أن يتجاهل الجيش الوضع فتقوم الجماعات المسلحة بضرب الناس أو أن يضغط على الرئيس حتى يتنحى.
وكيف تصف الوضع الآن؟ هل مصر في حرب على الإرهاب أم أنها مجرد صراع على السلطة؟
لا يمكن أن يكون مجرد صراع على السلطة، هي حرب حقيقية. أقسام الشرطة يتم الهجوم عليها بالسلاح الآلي، مائة قسم تم الهجوم عليها بالإضافة إلى 43 كنيسة و83 مبنى خدمي للأقباط. هي حرب بين دولة نريد لها أن تبقى، رغم خلافنا معها وبين مجموعات إرهابية. يمكننا أن نسأل أسئلة فيما يخص قدر العنف الذي استعملته الدولة. من جهة أخرى نرى الحقوقي ناصر أمين مثلا، نشر شهادة يقول فيها إنه حتى في فض اعتصام رابعة العدوية لم يبدأ عنف الدولة إلا بعد إطلاق النار على ضابطين ومقتلهما في الساعة الثانية عشرة والنصف. على العموم أنا أعتقد أن الموضوع يحتاج إلى تحقيق، ولا يمكننا الحكم على التفاصيل بدون هذا التحقيق.
وما هي آفاق هذه الحرب المعلنة ضد الإرهاب كما ترى؟ كيف يمكن لها أن تنتهي؟
مثلما حدث مع جماعة بادر ماينهوف في ألمانيا. طالما رفعت جماعة بعينها السلاح فلا يجب إجراء مفاوضات معها. أي مساومات مع جماعات إرهابية تجعل الدولة تحت التهديد. ظلت الدولة الألمانية تطارد هذه الجماعة حتى قامت بتصفية الجناح العسكري لها. عندما تهددني بإشعال البلد فلا يجب أن أتفاهم معك، مثلما كان البرادعي على سبيل المثال يريد. أفق الحرب هو أن تصبح الدولة أكثر قوة وسيطرة على الأرض وألا تسمح بوجود دول موازية ولا جماعات مسلحة.
ولكن هناك الكثيرين ممن يوالون التيار الإسلامي في مصر ولا يمكن القضاء عليهم. فحسب نتيجة الانتخابات الرئاسية في 2012 نصف الناخبين كانوا مع الرئيس المعزول مرسي والنصف الآخر مع شفيق؟
لسنا في أيام الانتخابات. من انتخب مرسي انتخبه كرها بشفيق وليس حباً فيه. والملايين التي نزلت يوم فوز مرسي سرعان ما نزلت رفضا له. هناك ملاحظة دالة أن أحد قادة حركة تمرد، وهو محمود بدر، كان قد انتخب مرسي أصلاً. فكرة الشرعية التي يتحدث عنها الإخوان الآن لها معايير. لا يمكن أن أتعاقد معك على شيء وتخل بتعاقدك وأظل أنا محافظاً على التعاقد. أنا بدأت في مهاجمة مرسي عندما بدأت أشعر أن ثمة انحرافاً عن السلوك الديمقراطي، حدث هذا بعد فوزه بخمسة أسابيع.
بيد أنني لم أقل إن مرسي رئيس غير شرعي إلا بعد إصداره الإعلان الدستوري، لأنه بذلك جعل قراراته فوق حكم المحكمة ودهس العقد المبرم بينه وبين الناخب. حدث هذا في بيرو عام 92، عندما قرر الرئيس ألبرتو فوجيموري أن قراراته فوق قرارات المحكمة وقام بحل البرلمان. رد فعل الولايات المتحدة كان أن أصدرت بيانا في نفس اليوم قالت فيه إن فوجيموري لم يعد رئيسا شرعيا لأنه تحول إلى ديكتاتور، وقطعت العلاقات مع بيرو. وقامت ألمانيا وإسبانيا بالانسحاب من جميع المشاريع المشتركة مع بيرو. ولكن عندما حدث نفس الشيء عندنا هنا أغمضت أمريكا عينيها عن الموضوع.
لماذا جاء رد الفعل الأمريكي تجاه الأزمة في مصر هكذا برأيك؟
لأن السياسة الأمريكية منافقة، ومرتبطة بمصالحها. لم تكن هناك مصلحة بينها وبين نظام بيرو ولهذا تصرفت كما ينبغي أن تتصرف، أما مع مرسي فالموضوع مختلف. أمريكا وإسرائيل والإخوان المسلمون بينهم مشروع كبير يفترض أن الإخوان سيبقون في الحكم لثلاثين أو أربعين سنة قادمة.
ما هذا المشروع الذي يجمعهم؟
كان سيتم استعمال الإخوان في الحفاظ على أمن إسرائيل. بدلاً من الاستعانة بأشخاص مثل مبارك أو عمر سليمان للضغط على حماس، فاستعمال الإخوان المسلمين سيصبح أكثر فعالية، ومعروف أن جميع فصائل الإسلام السياسي مرتبطة فيما بينها ارتباطاً وثيقا. الفروق مثلاً بين محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين وبن لادن الزعيم السابق لتنظيم القاعدة ليست كبيرة ً في الجوهر. ثم أنني أعتقد أن الإخوان كانوا فعلا سيبيعون سيناء لإسرائيل، ليهجرّوا الفلسطينيين إليها، وهناك دلائل على هذا. هناك مشروع تم الإعلان عنه لبناء ربع مليون وحدة سكنية في سيناء برغم أن أعداد ساكني سيناء أقل من هذا بكثير.
وتم رصد ميزانية كبيرة لهذا المشروع. في رأيي هناك سبب أهم من هذا بكثير. وهو أن مصر دولة لديها إمكانات كبرى، وليس من مصلحة إسرائيل أو أمريكا أن تكون مستقلة. مصر استقلت مرتين بقرارها فـ "قلبت العالم"، مرة أيام محمد علي ومرة أيام عبد الناصر. هذا ليس رأياً عاطفياً. هذا رأي ناعوم تشومسكي أيضاً. كتب تشومسكي في الغارديان قبيل رحيل مبارك بأيام أن أمريكا تتعاون دائماً مع الإسلاميين، وأن الأمريكيين متمسكون بمبارك لأنهم لا يسمحون بوجود مصر مستقلة. ولذلك فأمريكا ستبحث عن مبارك آخر ولكن بصبغة إسلامية. التقيت أنا بتشومسكي في القاهرة وسألته كيف تنبأ بهذا فقال لي إن هذا كان واضحاً من البداية.
لكن أنت واع بالطبع أن في جبهة 30 يونيو من هم ضد الإخوان لأنهم إخوان ومن هم ضدهم لأنهم بالأساس ضد الثورة التي يقولون إنها أتت بالإخوان.
سأقول شيئاً لمن يقول إن الثورة هي المسؤولة عن مجيء الإخوان للسلطة. حسني مبارك أخذ يزور الانتخابات ثلاثين عاماً لأنه كان واعياً أن انتخابات غير مزورة ستأتي بالإخوان. إذن فوصول الإخوان للسلطة كان حتمياً، وكان ضرورياً حتى يكتشف الناس حقيقتهم، وهذا ما حدث. الناس اكتشفت حقيقة الفرق بين الإسلام كدين وبين الإسلام السياسي بشكل بسيط ومبهر. عندما رأيت مشهد الملايين وهم يصلون المغرب يوم 30 يونيو، أي وهم نازلون لإسقاط حكم الإخوان قلت في نفسي إن هذه هي نهاية الإسلام السياسي الحقيقية.
الإسلامي، مثله مثل كل المتطرفين دينياً، يعتقد أن الإسلام غريب في بلاده وأن الله اختاره حتى يعيد مجد الإسلام وأنه تتم محاربته من أجل هذا. هو يقاوم الرجوع للواقع لأن هذا سيعني أن حياته كلها خاطئة. في رابعة العدوية قال أحد المتحدثين على المنصة إن الأوامر قد صدرت لسفن أمريكية في الأسطول السادس بالتحرك نحو الإسكندرية. وجمهور رابعة الإخواني هتف "الله أكبر". وفي نفس الوقت يمكنك أن تجد هتافات أخرى في نفس المنطقة بأن أمريكا تعادي الإسلام وتتآمر عليه.
ما رأيك بالانتقادات التي توجه لأداء الجيش من منطلق ديمقراطي وليس من منطلق إسلامي؟
نحن لدينا عدة اعتبارات، هي الواقع والنوايا والمستقبل. الواقع أننا في حرب ضد الإرهاب، ولنتخيل لو كان الجيش هو من انكسر وتغلب الإخوان عليه. إذن واجبنا أن ندعم هذا الجيش رغم مآخذنا عليه مثل الإفراط في استخدام العنف. وبالنسبة للنوايا فأنا لا أعلم النوايا. أما المستقبل فلدي سؤال: لماذا نخرج أنفسنا من المعادلة؟ عندما يحذرني أحدهم من احتمال عودة دولة مبارك أقول له أن هذا لو حدث فسيكون خطأ الناس بالأساس.
فالشعب الذي أطاح برئيسين وذهب بهم إلى السجن في أقل من ثلاث سنوات لا يلوم إلا نفسه إذا سمح بعودة دولة مبارك. وأنا واع بأن هناك محاولة لإعادة دولة مبارك بالفعل. وهناك حملة تشويه من بعض القنوات للثورة تحدث في هذا الإطار، ولكنني أثق أن نظام مبارك لن يعود، لأنه لا يستطيع قراءة الواقع بطريقة صحيحة، والواقع يقول إن المصريين بعد الثورة لم يعودوا نفس المصريين الذين كانوا قبلها.
هناك من يقول لا يجوز توجيه الانتقادات للجيش لأن البلاد في حرب مع الإرهاب، ما رأيك؟
أعتقد أن الأصدقاء المنتقدين للجيش يرون المشهد عن طريق الكلمات المفتاحية. طالما أن كلمة جنرال موجودة إذن فهو انقلاب، وطالما يقولون هذا فعليهم تحمل الغضب الشعبي ضدهم. الناس قلقون لأننا في حالة حرب فعلية. ولكنني في نفس الوقت لا يمكنني أن أكون ضد أي شخص يقول رأيه، وليس هناك في الديمقراطية تعبير "مش وقته"، لأنك لو أجلت الانتقادات اليوم فستؤجلها للأبد، وهناك حالة وزير دفاع فرنسا، جان بيير شوفانمان، الذي استقال من منصبه اعتراضاً على انضمام فرنسا للحرب الوشيكة ضد العراق 91. ولم يقم أحد بتخوينه. الديمقراطية معناها أن تسمع آراء تنتقدك وتستفزك.
ولكن أليس هذا ما فعله البرادعي؟
لا. البرادعي لم يقل رأيه وإنما تخلى عن البلد. هو لم يفهم أن المصريين في حالة فزع وأن هناك مجموعات إرهابية تهاجمهم وقام بتبرئة نفسه ورفض تحمل المسؤولية. أعتقد أن البرادعي الذي تم تقديمه بوصفه رمز الثورة لا يليق به أن يترك بلاده في وقت الشدة. هو اختار الحفاظ على صورته الشخصية كحائز على جائزة نوبل للسلام.
أجرى المقابلة: نائل الطوخي ـ القاهرة