علاء الأسواني: عندما ينهزم الأسياد فلا يحق للعبيد أن يعترضوا
١٥ أكتوبر ٢٠١٩هذه الواقعة الغريبة حدثت في عام 1967
كانت مصر تعيش أكبر هزيمة في تاريخها. دمرت اسرائيل سلاح الطيران المصري في ساعتين واحتلت سيناء وغزة والضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان. في أعقاب الهزيمة ذهب ضابط مصري اسمه محيي نوح إلى سنترال مدينة المنصورة ليطلب مكالمة لبورسعيد ولكن الخطوط كانت عطلانة.
واضح أن الضابط كان يتوقع معاملة مميزة لأنه كشف عن شخصيته لموظف السنترال لكن الموظف - مثل المصريين جميعا آنذاك - كان يشعر بمرارة نحو الجيش بسبب الهزيمة، فقال كلمة لم تعجب الضابط فانهال بالضرب المبرح على الموظف. عندئذ خاف بقية الموظفين ومكنوا الضابط من الاتصال ببورسعيد. بعد نهاية المكالمة تضامن الموظفون مع زميلهم المضروب وراحوا يهتفون بسقوط جمال عبد الناصر فماذا فعل الضابط؟ هل اعتذر للموظف الذي ضربه؟ هل كتب شكوى ضد الموظفين وسلمها إلى رئيس السنترال؟ هل شرح للموظفين أن الجيش لم يخض الحرب من الأساس وأن مسؤولية الهزيمة تقع على قائد الجيش عبد الحكيم عامر الذي كان جاهلا بالعلوم العسكرية؟
لم يفعل الضابط شيئا من ذلك لكنه انهال بالضرب على الموظفين حتى سالت دماؤهم وأصيب أحدهم بارتجاج في المخ ثم قام بتكسير السنترال وسط فزع وصراخ الأهالي، ولم يكتف الضابط بذلك بل انه اتصل بصديق له ضابط في أمن الدولة وأبلغ عن هؤلاء الموظفين لأنهم يهتفون ضد عبد الناصر والجيش فتم التحفظ عليهم في المستشفى ثم اعتقالهم بعد ذلك.
طبقا للقانون العسكري والقانون المدنى فان الضابط ارتكب مجموعة جرائم من ضمنها اتلاف ممتلكات عامة والاعتداء على موظفين أثناء عملهم الرسمي..هل تمت محاسبة هذا الضابط على ارتكاب هذه الجرائم؟ لا اطلاقا فقد انصرف إلى وحدته وكأن شيئا لم يكن إن الضابط بعد كل هذه الأعوام ظهر مؤخرا في التليفزيون وعلى صفحات الجرائد ليحكى بفخر كيف قام بضرب الموظفين وتكسير السنترال والسبب أن هذه الواقعة ظهرت في فيلم الممر.. الضابط محيي نوح قام بأعمال بطولية أثناء حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر وهذا قطعا محل تقدير لكنه لا يعفيه من الجرائم التي ارتكبها ضد مواطنين مصريين. الضابط لا يشعر حتى الآن أنه ارتكب أي جريمة عندما ضرب الموظفين، وقد قال في التليفزيون: "كان لازم أفرمهم".
إنه ببساطة يعتبر أنه ليس من حق أي شخص مدني أن يوجه نقدا للجيش (حتى لو كان مهزوما) بينما من حق الضابط أن يضرب أي مدني اذا اعتبره يستحق الضرب. إن واقعة السنترال تقدم نموذجا لعلاقة السلطة بالشعب منذ بداية الحكم العسكري عام 1952.
الضابط هنا يمثل السيادة الكاملة، والموظفون برغم كونهم مواطنين في الأوراق الرسمية الا أنهم في نظر الضابط مجرد عبيد عليهم أن يقبلوا بسيادته الكاملة ولا يحاسبونه أبدا والا فانه سيضربهم ويحبسهم. هذه العلاقة السيادية لازلنا نعيشها حتى اليوم.
بعد أكثر من خمسين عاما هل عرفنا نحن المصريين من المسؤول عن هزيمة 1967؟ لقد حقق الجيش المصري نصرا عظيما في عام 1973 ثم قرر السادات تطوير الهجوم برغم تحذير قائد الأركان سعد الشاذلي ( الذي هو أعلم عسكريا من السادات بكثير). أدى قرار تطوير الهجوم إلى تدمير لواء مصري بالكامل وحصار الجيش الثالث. هل حاسب أحد السادات على قراره الخاطئ؟ لا أحد يجرؤ لأن السادات تماما مثل الضابط محيي نوح كان يمارس السيادة على الشعب والسيادة لاتقبل المحاسبة.
لقد إستدان عبد الفتاح السيسي وحصل على مليارات الدولارات من دول الخليج ثم بددها في مشروعات معظمها بدون دراسات جدوى ولم تجلب أي أرباح للدولة..هل يجرؤ أحد على محاسبة السيسي على تبديده للمال العام وإغراقنا في الديون؟ هل يجرؤ أحد على محاسبة السيسي على قصوره التي يشيدها بينما ملايين المصريين غارقون في البؤس؟ من يحاسب السيسي على بيع جزيرتي تيران وصنافير المصريتين للسعودية؟.
لقد أعلن السيسي أكثر من مرة أن مشكلة سد النهضة الأثيوبي قد تم حلها بحيث لا تتأثر حصة مصر في المياه بل إن السيسي في مشهد هزلي تماما طلب من رئيس وزراء أثيوبيا أن يقسم باللغة العربية أنه لن يضر مصر. فجأة تبين أن أثيوبيا سوف تأخذ حصة مصر في المياه.. هل حاسب أحد السيسي على وعوده الكاذبة وفشله في إدارة الدولة؟ إن غضب السيسي من المحاسبة هو نفس الغضب الذي انتاب الضابط في السنترال.. ما أن توجه أي نقد للسيسي حتى يتهمك أنصاره بأنك كاره لجيش بلدك وأنك عميل ماسوني إلى آخر هذا التخريف..؟
عندما يعاني بلد من الاستبداد فترة طويلة فإن قطاعا من الشعب يتواءم مع الديكتاتور ويتعلق به حتى لو قمعه و سرقه وظلمه..الصورة في مصر أوضح من أي وقت مضى.. لقد فشل السيسي في إدارة الدولة وهو يستعمل آلة قمع جبارة للقضاء على أي معارض. إن السبب في بقاء السيسي ليس الجيش وليست الشرطة، إنما نحن المصريين لأننا نسكت على الظلم. لأننا نخاف من كلمة الحق. لو أن ملايين المصريين قرروا إنهاء حكم الديكتاتور لانتهى فورا. مادمنا نقبل معاملتنا كالعبيد أو الرعايا ونتقبل الإذلال سنظل قابعين في الحضيض الذي أوصلتنا إليه الديكتاتورية..عندما نؤمن أننا مواطنون ومن حقنا وحدنا أن نقررمصير بلادنا..عندئذ فقط سيبدأ المستقبل في مصر.
الديمقراطية هي الحل
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW