علاء الأسواني:.. إلى الضابط الذى يحكم الإعلام المصري
٢٧ أغسطس ٢٠١٩ربطتنى صداقة بالعالم الكبير الراحل د.أحمد زويل. ذات مساء تناولنا العشاء معا وجاء إلى مائدتنا صحفى وإعلامي شهير سأرمز إليه بحرف الخاء. كانت هناك معركة دائرة آنذاك بين الأستاذ "خ" و إعلامي آخر تبادلا خلالها الهجوم على صفحات الجرائد وشاشة التليفزيون. سأل الدكتور زويل الأستاذ "خ" عن سبب المعركة فقال:
ـــ هو الذى بدأ والبادئ أظلم. لقد هاجمني في البرنامج الذي يقدمه فهاجمته في برنامجي وعملت استطلاع رأي في جريدتي كانت نتيجته أن البرنامج الذي يقدمه هو الأسوأ في مصر.
ساد الصمت لحظة ثم سأله الدكتور زويل:
ـــ يعنى فعلا الناس قرروا في الاستطلاع أن برنامجه هو الأسوأ؟
ضحك الأستاذ "خ" وقال:
ــ لايافندم. الناس مالهمش دعوة. دي حاجات بنعملها احنا في صنعة الصحافة. أنا كتبت في نتيجة الاستطلاع انه الأسوأ لأنه لازم يتأدب.
بدا الغضب على الدكتور زويل وقال:
ــ هل تدرك معنى ما فعلته يا أستاذ؟! لقد اختلقت نتائج مزورة في استطلاع رأي لمجرد الانتقام من شخص؟ لقد قمت بتضليل الرأي العام وخنت ثقة القراء فيك. إن هذا التصرف جريمة في نظر القانون ولو أنك فعلته في دولة غربية لطردوك من عملك وقبضوا عليك وحاكموك وربما سجنوك
ابتسم الأستاذ "خ" بنطاعة، وقال:
ــ الحمد لله احنا في مصر. مافيش مشكلة
بعد انصراف الاستاذ "خ" قال لي الدكتور زويل:
ــ عندما يتحول الانحراف من سلوك مرفوض إلى فكرة مقبولة. معنى ذلك أن المجتمع يعاني من مشكلة أخلاقية.
الأستاذ "خ" الآن لديه برنامج تليفزيوني وهو رئيس تحرير جريدة كبرى، كما أنه يجرى كل أسبوع على موقع الجريدة استطلاعات رأي تؤكد أن شعبية السيسي ساحقة وأن سياسات النظام ناجحة وعظيمة. هناك فيديو تم تسريبه من سنوات لاجتماع عقده السيسي مع ضباط المخابرات الحربية، عندئذ سأله ضابط:
ــــ لماذا لا نسيطر على أصحاب القنوات التلفزيونية والجرائد وعددهم قليل وشخصياتهم معروفة لدينا؟
ضحك السيسي وقال للضابط:
ـــ اطمئن .. في الوقت المناسب سيكون لدينا أذرعنا الاعلامية.
وفعلا ..ما أن وصل السيسي إلى السلطة حتى تخلصت المخابرات من كل الإعلاميين والصحفيين المخلصين لضمائرهم وشرف المهنة، ثم استبدلت بهم مجموعة من الاعلاميين الطبالين الذين تنحصر مهمتهم في كيل المديح للزعيم الملهم السيسي وكيل الشتائم والاتهامات الكاذبة لكل من يعارضه. هؤلاء الطبالون، غالبا، لايتمتعون بأي خبرة أو دراسة إعلامية فمنهم المحام والممثلة ولاعب الكرة الطائرة وبائع الأعشاب الطبية وهم بالطبع، جميعا، ينفذون تعليمات ضابط المخابرات الذى يحركهم، كل واحد وفقا لمستواه، الطبالون الكبار يتحدث اليهم الضابط مباشرة ويجتمع بهم من حين لآخر ليشرح لهم التعليمات، أما صغار الطبالين فان الضابط المسؤول يتصل بهم بواسطة حساب يفتحه لهم على واتس آب يكتب فيه التعليمات يوميا ولذلك كثيرا ما تجد هؤلاء الطبالين يناقشون نفس الموضوع في برامج مختلفة فيكررون نفس الرأي بنفس العبارات، لأن التعليمات التي تلقوها واحدة.
يفتقر الإعلاميون الطبالون إلى المهنية ولذلك فانهم عندما يجتهدون خارج التعليمات يرتكبون عادة أخطاء فادحة، فقد اتهمت مذيعة طبالة بلدا عربيا شقيقا بأن اقتصاده قائم على الدعارة، وأعلن مذيع طبال مرة ان القوات المسلحة المصرية قد قامت باختطاف قائد الأسطول السادس الأمريكي من غواصته واحتجازه في مكان سري، الأمر الذي جعل الرئيس الأمريكي ينهار ويتوسل إلى السيسي حتى أفرج عن قائد الأسطول (!!).
ومنذ أيام قامت مذيعة طبالة بإهانة المصريات اللاتي يعانين من السمنة وقالت إنهن عبء على أسرهن والدولة. بعد كل جريمة إعلامية من هذا النوع تقدم شكاوى يتم التحقيق فيها بواسطة المجلس الأعلى للإعلام وهو كيان وهمي أنشأه نظام السيسي ليكون غطاء للمخابرات التي تدير الإعلام في مصر.
بعد التحقيقات واللوم والعتاب يعود المذيع الطبال إلى الشاشة كأنه لم يفعل شيئا. هكذا خلق نظام السيسي أذرعه الإعلامية وتخيل أنه قد سيطر على الرأي العام في مصر إلى الأبد، لكن حدثت مفاجأة: شيئا فشيئا تأكد للمصريين أن ما يقرأونه في الصحف ويشاهدونه في التلفزيون مجموعة من الأكاذيب وعندئذ انصرفوا عن الاعلام.
في عهد السيسي احتضرت الصحافة الورقية في مصر ثم ماتت وتراكمت الديون بمليارات الجنيهات على المؤسسات الصحفية. حاول نظام السيسي أن ينقذ الصحافة الورقية فتم عقد لقاءات واجتماعات قيلت فيها أسباب كثيرة للأزمة الا السبب الحقيقي. لقد ماتت الصحف الورقية عندما ماتت حرية التعبير. ماذا يجعل المواطن المصري يشترى جريدة لن يجد فيها الا نفس الدعاية للنظام التي تتردد في كل مكان؟. بعد ذلك بدأت نسب مشاهدة برامج التلفزيون تقل شيئا فشيئا حتى وصلت إلى أقل معدلاتها. لم يعد المصريون يصدقون المذيعين الطبالين ووجدوا الإعلام البديل المستقل على وسائل التواصل الاجتماعي.
إن فيديو واحد يحمل واقعة حقيقية أو رأيا معارضا أصبح يحقق نسب مشاهدات على فيسبوك أكثر من توزيع الصحف المصرية كلها مجتمعة، بل وأحيانا أكثر من مشاهدي برامج أنفق النظام ملايين لانتاجها. لقد فشلت خطة الأذرع الإعلامية التي تبناها نظام السيسي للسيطرة على عقول المصريين.
أيها الضابط الذي يحكم الإعلام المصري:
إنك تستطيع أن تخدع الناس لبعض الوقت ولكن يستحيل أن تخدعهم إلى الأبد. لقد اكتشف الشعب أكاذيبكم وأصبح له اعلامه الصادق المستقل الذي لايمكن لكم أن تمنعوه أو تسيطروا عليه.
الديمقراطية هي الحل
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW