علاء الأسواني: عملية "توسيد" الديمقراطية
١١ أغسطس ٢٠٢٠عزيزي المواطن المصري
وأنت تقرأ هذا المقال ستكون عملية "توسيد" الديمقراطية قائمة على قدم وساق وحيث أن عملية التوسيد دقيقة ومعقدة فإن يوما واحدا لا يكفي لانجازها ولذلك سيستمر توسيد الديمقراطية غدا أيضا طوال النهار. لعلك تتساءل الآن عن معنى توسيد الديمقراطية. أنت تعلم أن نظام السيسي ينشئ الآن مجلسا للشيوخ وقد وردت هذه العبارة العجيبة في تقرير البرلمان عن اختصاصات مجلس الشيوخ كما يلي:
"يقوم مجلس الشيوخ بدراسة واقتراح ما يراه كفيلاً بتوسيد دعائم الديمقراطية، ودعم السلام الاجتماعي والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا والحقوق والحريات والواجبات العامة، وتعميق النظام الديمقراطي، وتوسيع مجالاته".
الحق انني اندهشت من كلمة "توسيد" وبحثت عنها في المعجم فوجدتها مشتقة من فعل "توسد" بمعنى اتكأ ونام على شيء وكأنه وسادة، فيقال مثلا توسد ذراعيه أي اتكأ عليهما كالوسادة، ويقال توسد الطفل صدر أمه أي نام على صدرها وكأنه وسادة.
وهنا لا نفهم من سيتوسد من في مجلس الشيوخ؟ هل سيتوسد مجلس الشيوخ الديمقراطية وينام عليها أم سيحدث العكس فتتوسد الديمقراطية مجلس الشيوخ وتنام عليه وكأنه وسادة؟!
مجلس الشيوخ الذي يتم تكوينه الآن هو نسخة أخرى من مجلس الشورى الذي أنشأه أنور السادات عام 1979 وتم إلغاؤه في دستور 2014 وهو مجلس شكلي بلا وظيفة حقيقية واختصاصاته عائمة ومائعة لا تعنى شيئا على المستوى العملي أو هي تعنى فقط أن مجلس الشيوخ، تماما مثل البرلمان، سيتحرك أعضاؤه بتعليمات الأمن وسوف يتنافسون على التصفيق والتهليل والتطبيل للرئيس السيسي.
لقد تم إلغاء مجلس الشورى في دستور 2014 الذي وافق عليه معظم المصريين ثم قام السيسي بانتهاك الدستور بتعديلات غير دستورية وغير شرعية مكنته من الاستمرار في السلطة والسيطرة الكاملة على القضاء وها هو السيسي يستعيد مجلس الشورى المنحل على هيئة مجلس الشيوخ...
عبد الفتاح السيسي يحكم مصر بإرادته المنفردة أما أعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ فليسوا إلا موظفين ينفذون تعليمات الأمن بل ان برلمان السيسي ارتكب من الفضائح ما سيكلله بالعار إلى الأبد، فقد وافق أعضاء هذا البرلمان - تنفيذا للتعليمات - على التنازل للسعودية عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين ولا أعرف في التاريخ الحديث أي برلمان آخر وافق على التنازل عن جزء من وطنه.
لا جديد في مصر منذ أن تولى العسكريون السلطة عام 1952: نفس العقليات ونفس الديكتاتورية وطقوس عبادة الزعيم وإنشاء مؤسسات شكلية بلا قيمة وبلا وظيفة تنفق مليارات الجنيهات على أعضائها من ميزانية دولة مثقلة بالديون وشعب فقير مقموع يفتقر غالبا إلى شروط الحياة الإنسانية ويكافح معظم أفراده كل يوم حتى يطعموا أطفالهم. إن المسرحية التي يتم عرضها الآن في مصر سخيفة ومكررة رآها المصريون عشرات المرات من قبل: تخصيص آلاف اللجان الانتخابية وانتداب القضاة للإشراف وحشد الناس بالرشاوى أو بالأمر المباشر حتى يظهروا أمام الكاميرات وكأنهم يشتركون في انتخابات حقيقية ثم إنفاق ملايين الجنيهات على الدعاية وكأن هناك منافسة انتخابية فعلا بينما النتائج النهائية بأسماء الفائزين مقررة سلفا وموجودة في درج ضابط المخابرات المسئول عن كل منطقة.
وكالعادة ما أن تنتهي المسرحية حتى يهلل الإعلام ويشيد بنزاهة الانتخابات وتستمر إذاعة الأغاني الوطنية وكأننا انتصرنا في الحرب ثم يظهر في التلفزيون لواءات سابقون في الجيش والشرطة يقدمون أنفسهم كخبراء استراتيجيين ويؤكدون أن الانتخابات كانت بمثابة عرس ديمقراطي "أبهر العالم" ولا يعلم أحد لماذا ينبهر العالم بالانتخابات في مصر التي يتم تزويرها بطريقة فجة ووقحة. أن إنشاء ما يسمى بمجلس الشيوخ يطرح سؤالين:
1. ما الذي يدفع شخصا إلى إنفاق ملايين الجنيهات في الرشاوى والدعاية حتى يفوز بعضوية مجلس يعلم جيدا أنه مجرد شكل بلا فائدة ولا سلطة ولا وظيفة ولماذا يتكبد هذه النفقات ليخضع في النهاية إلى سلطة ضابط مخابرات يعطيه الأوامر ويجب عليه التنفيذ؟ الواقع أن هذا النائب سيسترد الملايين التي أنفقها مضاعفة لأنه سيتمتع بحصانة برلمانية تمنع محاسبته أو محاكمته إلا بموافقة المجلس (أي المخابرات) الأمر الذي سيمكنه من عقد صفقات تجارية تدر عليه ثروة طائلة حتى لو كانت غير قانونية.
2. مصر يحكمها الرئيس السيسي بإرادته المنفردة وضباط المخابرات يتحكمون في كل مجالات الحياة في مصر بدءا من البرلمان وحتى مسلسلات التلفزيون فلماذا يحتاج النظام إلى برلمان ومجلس شيوخ؟ الإجابة هنا من شقين: أولا لأن أي ديكتاتور يحتاج إلى ممارسة الإحساس بالعظمة وهذه شهوة قاهرة لا يستطيع الديكتاتور مقاومتها ولذلك نرى كل ديكتاتور ينشئ مشروعات عملاقة حتى لو كانت بلا فائدة ويقيم مؤتمرات كبرى يتحدث فيها بالساعات ليشبع إحساسه بالعظمة بالتالي عندما يلقى السيسي خطابا أمام اجتماع مشترك بين أعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ سيمارس إحساسه بالعظمة مما سيرضيه ويسعده.
الهدف الثاني من هذه المسرحية هو استعمال مجلس الشيوخ مع البرلمان كواجهة ديمقراطية زائفة يحاول السيسي أن يخدع بها دول العالم وكأننا فعلا لدينا سلطة تشريعية مثل البلاد الديمقراطية (وأن كان العالم كله يدرك حجم والقمع والاستبداد الذي يمارسه السيسي في مصر).
إن إنشاء مجلس الشيوخ يمثل قمة الاستهانة بإرادة المصريين الذين قاموا بإلغاء مجلس الشورى. إن السيسي الذي يعيش منعما ومرفها في قصوره الرئاسية ويحكم مصر بالحديد والنار قد وجه إهانة جديدة للمصريين وفي أيديهم وحدهم أن يرفضوا الإهانة ويستعيدوا كرامتهم وحقوقهم المهدرة.
الديمقراطية هي الحل
علاء الأسواني
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.