علاء الأسواني: خمسة تدريبات على تقبل الظلم
٨ سبتمبر ٢٠٢٠أولا: إذا سألوك عن العدل قل لهم مات عمر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تتردد هذه العبارة كثيرا بهدف الإشادة بعدل الخليفة عمر بن الخطاب (رض). كان الخليفة عمر بلا شك حاكما عظيما لكن العبارة تحمل دلالة سلبية، فإذا كان العدل قد انتهى بوفاة عمر فلا يجب علينا أن نتوقع العدل في زماننا. من هنا تدفعنا هذه العبارة إلى التغني بعظمة الماضي بدلا من إصلاح الحاضر وتدعونا إلى التوائم مع الظلم لأن عدل عمر لن يتكرر أبدا. هنا يكون من الطبيعي أن يظلمنا حكامنا فلا نقاومهم لأن المقاومة لن تجدي حيث أن العدل انتهى إلى الأبد بوفاة عمر بن الخطاب.
ثانيا: اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تتردد هذه العبارة كثيرا عندما يحدث صراع بين فئتين ظالمتين وهي تدعونا إلى البعد عن الصراع والاكتفاء بالمشاهدة الآمنة والشماتة في الظالمين من الجانبين مع الدعاء لله حتى يمنحنا السلامة. خطورة هذه العبارة مركبة على تفكيرنا لأنه لا يمكن أن يوجد صراع بين طرفين كلاهما على خطأ. حتى لو كان الطرفان من الظالمين فلابد من وجود مخطئ ومحق (ولو نسبيا). أسوأ ما في هذه العبارة الدعوة إلى اجتناب المشاركة في الصراع والسلبية الكاملة فنكتفي (أو نستمتع) بمشاهدة سقوط الضحايا من الجانبين ونحن لا نسأل الله أن يحق الحق ولا أن ينصر المظلوم، وإنما ندعو الله فقط حتى يمنحنا السلامة فيكون الأمان عندنا أهم بكثير من العدل.
ثالثا: وعند الله تجتمع الخصوم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل الناس من مختلف الأديان يؤمنون بأنهم سيموتون وينتقلون إلى الحياة الأخرى، وعندئذ سوف يحاسبهم الله على أعمالهم في الدنيا لكن هذه العبارة تستعمل للأسف غالبا لإثنائنا عن المطالبة بحقوقنا لأنها تدعونا إلى إرجاء حساب الظالمين إلى يوم القيامة عندما نجتمع مع خصومنا أمام الله. طبقا لهذا المنطق فلا جدوى من مقاومة الظلم ولا قيمة لمحاسبة الظالمين في حياتنا الحالية، وإنما علينا أن نتقبل الظلم وندعو على الظالمين حتى نختصمهم يوم القيامة. هذا المنطق المذعن يتحول أحيانا إلى وسيلة لإفلات الديكتاتور من مسؤولية أعماله، فكثيرا ما يصرح الديكتاتور قائلا:
- أنا لا يهمني حكم الناس الآن على أفعالي. كل ما يهمني حكم ربنا على يوم القيامة.
هنا يتم تأسيس منطق مغلوط وداعم للاستبداد، لأن الحاكم يجب أن يحاسبه الشعب على أفعاله في الدنيا قبل أن يحاسبه الله في الآخرة.
رابعا: يا بخت من بات مظلوما وليس ظالما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حتى لو كان القصد من هذه العبارة نبيلا فإن لها تأثيرا سيئا على تفكيرنا لأنها تحاصرنا بين اختيارين: أما أن نكون مظلومين أو ظالمين مع أن الصحيح أن يكون هناك اختيار ثالث هو أن يحصل كل صاحب حق على حقه، فلا يكون هناك ظالم أو مظلوم. العدل هنا مستبعد تماما فلا يوجد إلا الظلم وفي الإشادة بالمظلوم دعوة واضحة إلى التوائم مع الظلم.
خامسا: حاكم ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه العبارة الخطيرة تقدم الدعم الكامل للمستبدين وتحض المسلمين على طاعتهم والإذعان الكامل لهم وهي للأسف تعتمد على أحكام فقهية كتبت من مئات السنين ولم تعد تناسب عصرنا إطلاقا: إن جمهور الفقهاء يمنحون الشرعية للحاكم المسلم إذا تولى السلطة بواحدة من ثلاث طرق: أولا أن يختاره الناس ويبايعوه سواء بطريقة مباشرة أو عن طريق ممثليهم (أهل الحل والعقد) الطريقة الثانية أن يختاره الحاكم الذي سبقه ويمنحه ولاية العهد. أما الطريقة الثالثة فهي أن يتغلب الحاكم على الناس بالسيف، فيقتل معارضيه وينتزع الحكم بالقوة فيوصف عندئذ بالحاكم المتغلب وطاعته واجبة على المسلمين في رأى جمهور الفقهاء.
بالإضافة إلى هذه الأحكام التي تؤسس لاغتصاب السلطة فإن جمهور الفقهاء يحرمون الخروج على الحاكم المسلم حتى لو كان فاسقا وظالما وحتى لو جلد ظهور الناس وسرق أموالهم. مهما ارتكب من جرائم فيجب على المسلمين أن يطيعوه ويتقبلوا ظلمه حتى يغيره الله.
هكذا فإن الفقه الإسلامي (وليس الإسلام) يحث المسلمين على الإذعان الكامل للحاكم الظالم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقولات السابقة تنتشر في كل مكان فيرددها الخطباء في آلاف المساجد ويستشهد بها رجال الدين في وسائل الإعلام مما يؤدى في النهاية إلى تكوين عقل جمعي متوائم تماما مع الظلم والاستبداد. لقد انتشر الاستبداد في العالم العربي ليس بسبب قوة المستبدين، وإنما بسبب تقاعس الشعوب العربية عن النضال من أجل الحرية والكرامة. لقد بدأ الإسلام - مثل كل الأديان - باعتباره ثورة تدعو إلى الحق والعدل والمساواة، ومع الوقت تحول الإسلام، أيضاً مثل بقية الأديان، إلى مؤسسة دينية يديرها رجال الدين الذين يضعون أنفسهم غالبا في خدمة السلطة السياسية، وهم يستعملون تقديس الناس لهم في حثهم على الإذعان للحكام.
لا بد من تجديد الفقه الإسلامي حتى يعكس أفكار الإسلام الحقيقية ويكون ملائما لعصرنا. بعض رجال الدين يرفضون التجديد ليس خوفا على الدين، وإنما خوفا على سلطتهم الدينية ومصالحهم التي ستضيع إذا ضاعت هذه السلطة. لو تخلص الناس من تقديس رجال الدين سيتمكنون من رؤيتهم كبشر مثلنا، وبالتالي يناقشونهم ويقيمون أفعالهم. لا يمكن أن نحقق النهضة ونلحق بالعالم المتقدم إلا إذا تخلصنا من الاستبداد ولن نتخلص من الاستبداد إلا إذا تحررنا من تراثنا الرجعي الذي جعلنا نتقبل الظلم.
الديمقراطية هي الحل
علاء الأسواني
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.