عقوبة الجلد في السودان بين تأويل الشريعة والدفاع عن حقوق المرأة
١٧ ديسمبر ٢٠١٠لم يكن الفيديو الذي يصوّر فتاة سودانية مراهقة يتم جلدها علنا وبوحشية سوى قمة لجبل جليد من فتيات كثيرات يتعرضن يوميا لنفس الممارسات في السودان. وتحدث هذه الممارسات منذ سنوات رغم مطالب نشطاء حقوق الإنسان بإلغاء المادة 152 من القانون الجنائي التي تشكل الإطار القانوني لممارسات كهذا. وتُعد هذه المادة برأي النشطاء مهينة لكرامة الإنسان، في وقت تتباين فيه وجهات نظر رجال الدين بين أمر الشرع وكيفية التطبيق.
كان الفيلم القصير الذي بثه موقع "يوتيوب" هذا الأسبوع لفتاة سودانية (س. ن.) تبلغ من العمر (16 عاما) أثار صدمة كبيرة بين المدافعين عن حقوق الإنسان، إذ بدا فيه رجلا شرطة يتناوبان على جلد الفتاة وهي تصرخ وتتلوى على الأرض من الألم، وسط عشرات الرجال الذين كانوا يشاهدون الواقعة باعتياد.
وعلى الرغم من أن الواقعة تمت في فبراير/ شباط الماضي بأحد أقسام الشرطة في أم درمان بالعاصمة الخرطوم، فقد تم بث الفيديو هذا الأسبوع بالتزامن مع احتفالات اليوم العالمي لحقوق الإنسان، الأمر الذي ردت عليه السلطات بأنها لن تسمح بـ "تشويه سمعة السودان"، مؤكدة في الوقت نفسه أن جلد الفتاة جاء بحكم قضائي مستمد من الشريعة الإسلامية، التي قالت إنها المصدر الذي صيغت منه المادة 152 من القانون الجنائي لسنة 1991.
غير أن شمس الدين علي خلف الله عضو هيئة علماء السودان، أكد أن الطريقة التي تم من خلالها تطبيق القانون كانت "غير متوافقة مع الشريعة الإسلامية". وأضاف في حديثه لـ "دويتشه فيله" أن الفيديو أظهر أن الفتاة تم ضربها على رأسها ووجهها، "وهذا مخالف للشرع، الذي يقول إن الجلد يجب أن يكون على الظهر واليدين والمنكبين، بحيث لا يكون شديدا ولا مبرحا ولا يؤدي إلى تكسير عظام أو احتقان أو قتل"، إضافة إلا أنه يتم جلدها بواسطة شخص واحد فقط وليس اثنين، كما ظهر في التسجيل.
"حد الجلد موجود في القرآن والإنجيل والتوراة"
لكن خلف الله شدد على أن "حد الزنا موجود في الشريعة الإسلامية. الله قال الزانية والزاني يجلد كل منهما 100 جلدة". وأردف مضيفا بأن " الحكم بالجلد ليس في القرآن فقط، بل في التوراة والإنجيل أيضا ". واستشهد عضو هيئة علماء السودان بواقعة السيد المسيح عندما قال لمن اتهموا امرأة بريئة بالزنا "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر". وقال "معنى ذلك أن الرجم موجود في الكتب السماوية كلها، لكن لا يجب أن نحمل الأديان أخطاء البشر". أما سعاد الفاتح، وهي واحدة من أكبر قيادات الحركة الإسلامية في السودان فقد رفضت التعليق على الأمر. وردت القيادية، المعروفة بتوجهاتها اليمينية المتشددة، على سؤال "دويتشه فيله" بغضب قائلة : "أعجب للصحف التي تهتم بالكتابة عن هذه العاهرة المتسيبة".
أما السلطات السودانية فقد أقرت بـ "مخالفة تنفيذ العقوبة للضوابط المقررة قانونا ووفقا للمنشورات الجنائية"، وقررت فتح تحقيق داخلي في الأمر، لكن جماعات حقوق الإنسان لم تكتفي بالتحقيق في مخالفة الضوابط القانونية وكررت مطالبها بإلغاء القانون نفسه.
وفي حوارها مع "دويتشه فيله"، قالت رشا عوض، الناطق الرسمي باسم مبادرة "لا لقهر النساء"، التي نظمت مسيرة حاشدة يوم الثلاثاء الماضي تضامنا مع الضحية، إن "هناك انتهاك صارخ شاهدناه واهتز له كل ضمير حي شاهد الواقعة". وأضافت أنه بالرغم من اعتراف الشرطة بحدوث انتهاك، إلا أن جماعة "لا لقهر النساء"، التي احتجزت الشرطة بعض أعضائها وتعرضت لبعضهم الآخر بالضرب خلال المسيرة، تطالب بإلغاء المادة 152 التي تحاكم النساء على "الزي الفاضح". وشددت على أن المبادرة ترفض "قانون الجلد وترفض كل العقوبات المهينة للكرامة الإنسانية".
"غالبية ضحايا الجلد من الأسر المهمشة"
وتعليقا على التضارب في الأنباء حول حقيقة التهمة الموجهة للفتاة بين ارتداء زي فاضح وركوب سيارة مع شاب، قالت عوض إنه "بغض النظر عما إذا كانت هذه الفتاة ضحية أم مذنبة، فإننا نعترض على العقوبة القاسية، وعلى القوانين المهينة للنساء، والمحاكمات التي لا تتيح الفرصة للمتهم من أجل الدفاع عن نفسه". وأضافت بأن ما عرضه الفديو يتنافى مع حقوق الإنسان ومع "احترام كرامته حتى لو كان مجرما".
من جهتها أكدت هالة عبد الحليم، رئيس حركة "حق" للدفاع عن حقوق الإنسان، أن حركتها ستواصل حملاتها "لإسقاط قانون النظام العام، الذي تجلد باسمه النساء". وأضافت بأن هذه الفتاة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، إذ "تجلد عشرات النساء يوميا في أقسام الشرطة بالخرطوم وضواحيها، وأحيانا تجلد نساء كبيرات. وفي الأغلب يتم تطبيق هذا القانون على الأسر الضعيفة المهمشة، خاصة تلك التي ليس لها أي سند اجتماعي أو اقتصادي. ولا تُكشف هذه الممارسات إلا عندما تطبق على بنات أسر كبيرة ومعروفة، كما هو الحال مع س. ن.".
وبينما تعذر الوصول إلى الضحية نفسها، التي ترفض عائلتها الحديث لوسائل الإعلام، رجحت عبد الحليم أن تكون الفتاة خارج السودان وقالت "يقال إنها في مصر منذ تنفيذ العقوبة، لكني لست واثقة". وأكدت الناشطة أن "الفتاة تنتمي لأحد الأسر العريقة في السودان والمعروفة بالبر وعمل الخير".
أميرة محمد
مراجعة: ابراهيم محمد