"عفو ملك المغرب عن شيوخ السلفية هدية لحكومة الإسلاميين"
٩ فبراير ٢٠١٢إعتاد المغاربة في المناسبات الدينية والأعياد الوطنية على مراسيم إطلاق سراح السجناء بموجب عفو ملكي. ويعتبر العفو الملكي فرصة لتدارك أخطاء اعترت أحكاما قضائية أو لتخفيف العقوبات على السجناء بسبب حسن سيرتهم وسلوكهم أثناء أداء فترة محبوسيتهم، غير أن العفو الملكي الأخير بمناسبة عيد المولد النبوي "له طعم خاص" كما عبر عن ذلك وزير العدل والحريات المغربي مصطفى الرميد من حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم. وقد اعتبرت بعض الصحف المغربية المحلية خطوة الإفراج عن السلفيين بمثابة"هدية" من الملك محمد السادس لحكومة الإسلامي عبد الإله بن كيران.
ويبدو وزير العدل مصطفى الرميد من أهم المستفيدين سياسيا من العفو عن شيوخ السلفية الذين كان يدافع عنهم في ردهات المحاكم المغربية طيلة السنوات الماضية. فقد شكل ملف معتقلي السلفية الجهادية، الذي يشمل حوالي 800 سجينا، أحد القضايا التي أثارها متظاهرون خلال الاحتجاجات التي نظمتها حركة 20 فيبراير الشبابية طيلة الأشهر الماضية.
تراجع من الطرفين
وعن دلالات هذا الإجراء في الوقت الراهن يقول الكاتب الصحافي المغربي المتخصص في الجماعات الإسلامية، منتصر حمادة، في حوار مع دويتشه فيله، أن أهم ما يمكن استخلاصه هو" تأكيد تراجع صناع القرار عن خيار المقاربة الأمنية الصارمة في التعامل مع التيار السلفي في الساحة المغربية". ومن مؤشرات التراجع عن المقاربة الأمنية، عدم الاعتراض الأولي على الفوز المنتظر لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية الأخيرة" كما يشير منتصر حمادة إلى رغبة الدولة في "تسوية ملف المعتقلين السلفيين في السجون المغربية، رغم أن هذه التسوية تتم عبر دفعات، بحكم أن الملف لا زال معقدا ومليئا بالحسابات الأمنية والايديولوجية والسياسية".
بدوره يؤكد الباحث السوسيولوجي المغربي محسن الأحمدي في حوار مع دويتشه فيله أن "الأحكام الصادرة في حق السلفيين شابتها نقائص وذلك بشهادة رجال قانون مغاربة وأجانب. وقد جاء العفو الملكي لتدارك هذه الإختلالات" وهذا لم يكن ممكنا القيام به "لو لم يقم شيوخ السلفية بمراجعات فكرية لمبادئهم التي من أهمها مطلبهم بحذف الفصل 19 من الدستور الذي يعطي الشرعية الدينية للملك كأمير للمؤمنين" يضيف محسن الأحمدي. أما بلال التليدي الكاتب في صحيفة "التجديد" المقربة من حزب العدالة والتنمية، فقد عبر في تصريح لدويتشه فيله أن " العفو الملكي يخدم النموذج الديمقراطي المغربي الذي يسعى إلى الإصلاح في إطار الاستقرار" مضيفا أن "الإصلاح السياسي يقتضي كسب الثقة وطي صفحة الماضي وإطلاق سراح السجناء السلفيين يدخل ضمن إجراءات الثقة".
الربيع العربي يعجل بالتطبيع مع السلفيين
وفي سياق جوابه عن سؤال عما اذا كان السلفيون المغاربة يستفيدون من التحولات السياسية في البلدان العربية والتي من معالمها وصول الإسلاميين إلى الحكم كما هو الحال بالنسبة للعدالة والتمنية في المغرب، يقول منتصر حمادة "بالتأكيد يستفيد السلفيون المغاربة من التطورات العربية الراهنة، وقد تجلى ذلك قبل العفو الأخير عن (الشيوخ) عبد الوهاب رفيقي والحسن الكتاني وعمرالحدوشي، من خلال الإفراج عن الشيخ محمد الفيزازي في منتصف نيسان/أبريل 2011، والسماح في نفس الفترة بعودة الشيخ محمد بن عبد الرحمان المغراوي من السعودية، وهو الذي كان مغضوبا عليه أمنيا وسياسيا بعد تصريحه بجواز زواج بنت التسع سنوات".
غير أن الباحث السوسيولوجي محسن الأحمدي يستبعد ذلك لأن السلفيين، حسب تعبيره "مصدر إزعاج بالنسبة للسلطة وكذلك للإسلاميين المعتدلين كحزب العدالة والتنمية الحاكم" ويرى محسن الأحمدي أن العفو الملكي هو"نتيجة لرغبة قيام بتطبيع ومصالحة دينية وليس نتيجة حتمية للتحولات السياسية والاجتماعية المرتبطة بالربيع العربي".
"التيار السلفي في المغرب غير موحد"
وعن سؤال حول أبرز مبادئ وتوجهات السلفيين المغاربة يقول منتصر حمادة أنه في المغرب هناك"الخطاب السلفي المعتدل، أو التقليدي، أو ما يُصطلح عليه بتيار "السلفية العلمية"، ثم هناك التيار السلفي الحركي (والذي كان يوصف بالسلفي الجهادي)، وهو التيار الذي تورط سابقا، مباشرة بعد اعتداءات نيويورك وواشنطن، في الإعلان عن تأييده لأسامة بن لادن، قبل أن يتراجع عن هذه المواقف في إطار مشروع "المراجعات"، وأخيرا، هناك التيار السلفي المتشدد، والذي كان مُجسدا على الخصوص في حركات محدودة العدد والأتباع، ونتحدث عن جماعة "الصراع المستقيم" أو "الهجرة والتكفير"، وهذه جماعات تتجه للانقراض تنظيميا في الساحة المغربية". وفي هذا السياق يضيف الباحث محسن الأحمدي أن" السلفيين المغاربة يعتبرون المؤسسة الملكية تحكم عبر اغتصاب السلطة الشرعية".
وقد برز الصراع بين السلفيين والنظام المغربي منذ دعوة بعض السلفيين الدولة المغربية إلى عدم مساندة الحرب ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2011. وتعرضت مجموعة من السلفيين للاعتقال حتى قبل تفجيرات الدار البيضاء، وفي السنين الأخيرة قام السجناء السلفيون بأشكال احتجاجية لتسليط الضوء على قضيتهم كالإضراب عن الطعام أو التهديد بالانتحار الجماعي.
عبد الرحمان عمار
مراجعة: منصف السليمي