عام على الانقلاب.. الشارع السوداني يجدد رفضه لحكم العسكر!
٢٥ أكتوبر ٢٠٢٢في مثل هذا اليوم من العام الماضي، أي في الخامس والعشرين من أكتوبر / تشرين الأول، قاد قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان انقلابا عسكريا أطاح بالحكومة المدنية برئاسة عبدالله حمدوك وخاطر بالوضع المدني والديمقراطي في السودان.
بيد أن هذا الانقلاب أدى إلى زخم احتجاجي كبير إذ امتلأت الشوارع في ذاك اليوم بعد أن خرج المتظاهرون للدعوة إلى "عودة الديمقراطية في السودان" و"رفض تقاسم السلطة مع الجيش" وايضا "عودة الجيش إلى ثكناته"، وفقا للشعارات في حينه.
ومنذ ذلك، باتت احتجاجات الشوارع ضد الحكم العسكري قسما من حياة السودانيين بشكل يومي.
وفي مقابلة مع DW، تقول كريستينه روهرس، الممثلة المقيمة في مكتب السودان بمؤسسة "فريدريش إيبرت شتيفتوتغ" الألمانية، إن الجميع في السودان "أصبح يحصل على جدول شهري بشأن موعد وأماكن المظاهرات التي سوف تندلع خلال الأيام المقبلة".
وتضيف روهرس أنه قبل المظاهرات يحاول الجميع "بشكل حثيث الذهاب إلى العمل قبل أن تغلق الطرق مرة أخرى ما يعني اختناقات مرورية".
بيد أن الجيش السوداني لم يقف صامتا إزاء هذه المتظاهرات إذ يرد عليها بالقمع ما أدى إلى مقتل 120 متظاهر وإصابة أكثر من 7 ألاف شخص منذ انقلاب العام الماضي، وفقا لما أفادت به "لجنة أطباء السودان المركزية".
وفي ذلك، تقول روهرس إنه رغم القمع، ما زال "الشباب والنشطاء السياسيون ينظمون احتجاجاتهم المؤيدة للديمقراطية".
بدورها، تقول الناشطة السياسية في السودان، رانيا عبد العزيز، إن هذا الأمر يعد موضع إشادة، مضيفة في مقابلة مع DW "أنا معجبة بقدرتنا كشعب على النهوض والوصول إلى مستوى كبير من النضال".
وتضيف عبد العزيز: "كنت على وشك الاستسلام في إحدى المرات لأني كنت في حالة تعب شديدة، لكن عندما نظرت حولي وجدت أني لست الوحيدة لذا نواصل النضال معا".
المأزق السياسي
ومنذ انقلاب العام الماضي، ما زال المتظاهرون وقادة الجيش على طرفي نقيض فيما أصبح المأزق السياسي عقبة رئيسية أمام أي عملية سياسية تُخرج البلاد من كبوتها.
فعقب تنفيذ البرهان انقلابه، جرى القبض على رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، لكن فيما بعد أُعيد إلى منصبه، بيد أنه في نهاية المطاف أُجبر على التنحي وحُلت الحكومة المدنية التي كان على رأسها.
وبعد تسعة أشهر من الانقلاب، خرج البرهان ليقرر عدم مشاركة القوات المسلحة في المفاوضات السياسية الجارية حاليا والسماح للأحزاب والقوى السياسية والثورية بتشكيل حكومة كفاءات مستقلة لاستكمال المرحلة الانتقالية.
وقال البرهان في يوليو/ تموز الماضي إن مجلس السيادة الانتقالي الحاكم، الذي يترأسه، سُيحل بعد تشكيل الحكومة الجديدة كما قال إن مجلسا أعلى للقوات المسلحة سيُشكل بعد ذلك لتولي القيادة العليا للقوات النظامية ويكون مسئولا عن مهام الأمن والدفاع إلى جانب "ما يتعلق بها من مسؤوليات" بالاتفاق مع الحكومة.
وقوبل بيان البرهان بانتقادات ومعارضة كبيرة من المتظاهرين فيما لم يعرض أي فصيل مرشحه لرئاسة الحكومة.
يشار إلى أن قوى الحرية والتغيير انقسمت إلى فصلين: الأول يُسمى "المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير" ويعارض الجيش والفصيل الثاني يدعم الجيش ويُسمى "الحرية والتغيير الميثاق الوطني.
سلطة مدنية محدودة
وقبل موعد الذكرى الأولى لانقلاب العام الماضي، أفادت وسائل إعلام بأن محادثات ناجحة أفضت إلى تحديد ملامح تسمية رئيس وزراء مدني وتحديد سلطات محدودة للجيش. بيد أن هذا الحديث لم يلق قبولا بين النشطاء والمتظاهرين في الشارع السوداني.
وفي مقابلة معDW، يقول سامي حمدي، المدير التنفيذي لشركة "إنترناشونال إنترست" المتخصصة في المخاطر العالمية والاستخبارات الدولية، إن المسؤولين السودانيين "بعيدون كل البعد في الوقت الراهن عن أي عملية ديمقراطية. يدور النقاش حول كيفية تمديد الفترة الانتقالية عبر تسهيل اتفاق وشيك بين الجيش والأطراف المدنية وليس بالضرورة الذهاب إلى الانتخابات."
في المقابل، يرى بعض المراقبين أن القوى المعارضة ستعمل على عدم الانخراط في السلطة وستكون في حالة يقظة لتراقب الوضع أكثر من الرغبة في الحكم.
وفي مقابلة معDW، يقول حميد خلف، المحلل السياسي والزميل في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، إنه يعتقد أن هذه القوى "يجب أن تظل في دور المراقب وليست جزءا من السلطة الحاكمة. يجب على السياسيين تشكيل حكومة على أساس الكفاءة وليس على أساس اتفاق تقاسم السلطة".
تردي الأوضاع الإنسانية
بدورها، خرجت منظمات إنسانية لتحذر من أن تأجيل الاتفاق سيؤدي إلى تفاقم الوضع في البلاد.
يشار إلى أنه عقب انقلاب العام الماضي توقف مسار الإصلاح الاقتصادي وجرى تجميد المساعدات المالية الدولية وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى انزلاق اقتصاد البلاد صوب "سقوط حر" خاصة مع تفاقم الوضع جراء الحرب الروسية في أوكرانيا.
وفي ذلك، تقول روهرس إنه لا يمكن "الحديث عن جودة الحياة في واحدة من أفقر البلدان في العالم، لذا فإن الحديث أصبح حول أن القدرة على البقاء باتت على المحك. لقد ارتفعت أسعار الكهرباء والوقود من ثلاثة إلى أربعة أضعاف منذ الانقلاب فيما ارتفعت تكاليف المياه بمعدل أربعة أضعاف".
من جانبها، تعرب الناشطة رانيا عبد العزيز عن بالغ قلقها إزاء ذلك، مضيفة "تزداد الأسعار بشكل يومي وبدأ الناس في الشروع في السرقة".
يشار إلى أن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الغذاء العالمي قد أصدرا في مارس / آذار الماضي بيانا يفيد بتضاعف عدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع الحاد في السودان إلى أكثر من 18 مليون شخص بحلول سبتمبر/ أيلول الماضي.
ورغم ذلك، يقول حمدي إن الأزمة الإنسانية لن تدفع على الأرجح إلى تسريع العملية السياسية التي من شأن نجاحها أن تمهد الطريق أمام عودة التمويل الدولي، مضيفا "ستسرع الأزمة الإنسانية من خطر اندلاع حرب أهلية جديدة تخرج من رحمها حركات انفصالية جديدة".
بعيدا عن المسار الديمقراطي
ومع ذكرى انقلاب أكتوبر / تشرين الأول، تتجه الأنظار إلى أعداد المتظاهرين الذين سيخرجون إلى الشارع، إذ ترغب القوى المدنية في معرفة مدى اهتمام الناس بالقضية السياسية فيما سينظر الجيش إلى عدد المتظاهرين باعتباره مؤشرا على مدى نطاق معارضة الشارع له بمعنى هل تزايدت أم تراجعت؟
وفي هذا السياق، يقول حمدي "يريد الجيش معرفة مدى تضاؤل الدعم قبل موافقته على أحدث شروط جرى اقتراحها خلال جولة المحادثات الأخيرة بمعنى هل الجيش لايزال قادرا على إعادة التفاوض بشأن بعض هذه الشروط؟".
بدورها تعتقد روهرس أن مظاهرات اليوم الثلاثاء (25 أكتوبر/ تشرين الأول) ستشهد إقبالا كبيرا، مضيفة "ستغلق كافة المنظمات والشركات المحلية والدولية أبوابها في هذا اليوم".
ويتفق في هذا الرأي حميد خلف، المحلل السياسي والزميل في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، مضيفا "نحن أقرب إلى الديمقراطية من حيث تقدير وإدراك أهميتها، لكن السياق الواقعي ما زال بعيدا عن مسار الديمقراطية".
وأيا كانت نتائج مظاهرات الثلاثاء، فإن هذا الأمر لم يدفع رانيا عبد العزيز إلى التراجع عن قرارها في المشاركة في الاحتجاجات. وتقول: "النضال مازال طويلا لكني ما زلت متفائلة فالأمل مازال موجودا لأن مطالب الشارع ما زالت هي الأخرى قوية".
---
جينفر هوليس / م ع