السودان ـ هل سيتخلى العسكر فعلا عن الخوض في السياسية؟
٨ يوليو ٢٠٢٢إذا كان القائد العسكري الفريق عبد الفتاح البرهان يعتقد أن خطابه سيُستقبل بشكل جيد من المتظاهرين في العاصمة السودانية، فالأكيد أنه حالياً يحس بالإحباط. قائد الجيش السوداني، فاجأ المتتبعين بإعلانه حلّ مجلس السيادة الانتقالي ومساندته لتشكيل حكومة الكفاءات الوطنية، لكن تأثير خطوته لم يكن كما يريد.
البرهان الذي أكد كذلك عدم مشاركة المؤسسة العسكرية في حوار القوى الوطنية، لأجل "إفساح المجال أمام القوى السياسية الأخرى"، أراد التقرب أكثر من الشارع السوداني الرافض لهيمنة المكوّن العسكري على مقاليد الحكم في البلاد، وأعلن كذلك أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيتم تشكيله بعد تكوين الحكومة، ومن مهامه قيادة القوات النظامية والدفاع والأمن.
لكن في المقابل، لا يثق غالبية النشطاء في خطوته، ومنهم قوى الحرية والتغيير، التي أعلنت بشكل سريع رفضها لمقترحات البرهان، داعية إلى استمرار المظاهرات التي تحوّلت إلى طقس يومي في الخرطوم.
الشارع يرفض
"أعتقد أن الأمر يتعلّق بكذبة كبرى"، تقول الناشطة السودانية رانية عبد العزيز لـDW، متابعة: "لا يزالون يمارسون قتل المتظاهرين في الشوارع، لا يزالون يحاولون وقف المظاهرات ويحاولون نزع روح الثورة".
منذ أن جاء البرهان إلى السلطة في أكتوبر/تشرين الأول 2021، يخرج الآلاف من المدنيين في احتجاجات مستمرة في أكثر من مدينة، رافعين شعارات بعودة العسكر إلى معاقلهم بدل دخولهم عالم السياسة، وراغبين في انتخاب حكومة ديمقراطية هي من تتولى شؤون البلد.
قُتل 114 متظاهرا وجرح أكثر من خمسة آلاف خلال هذه الاحتجاجات، حسب حصيلة قدمتها اللجنة المركزية لأطباء السودان المناهضة للعسكر، آخر الضحايا سقطوا هذا الأسبوع فقط. لكن رغم الحصيلة الثقيلة، يستمر المتظاهرون في رفع شعارات الرفض تجاه البرهان.
ينظر حميد خلف الله، باحث سوداني في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، بكثير من الشك لنوايا البرهان بالتراجع. ويقول لـDW: "العسكريون ليسوا صادقين في حديثهم عن الانسحاب من المسار السياسي. هم يلعبون بشكل تكتيكي لأجل فسح المجال أمام المكوّن المدني لدخول مشاورات تشكيل الحكومة دون وجود الجيش في الواجهة، لكن في الحقيقة هم يخططون لتشكيل حكومة يستطيعون التحكم بها عبر المجلس الأعلى للقوات المسلحة".
الجيش لا يريد الانسحاب من السياسة
ما يعزز هذا الكلام أن البرهان وضع بالفعل خططا لتشكيل هذا المجلس العسكري، بدعم من حليفه محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، الذي يقود قوات التدخل السريع ذات النفوذ الكبير في البلد. يزعم البرهان أن مهمة هذا المجلس لن تتجاوز "حماية البلد" لكن ذلك لا يقنع النشطاء.
"المجلس الأعلى للقوات المسلحة ستكون له سلطة مراقبة الحكومة فيما يخصّ العلاقات الخارجية، كما سيتحكم في البنك المركزي، وسيكون له تأثير كبير على الاقتصاد وبطبيعة الحال على الجيش"، يقول خلف الله.
باختصار، يرى المحلل ذاته أن المكون العسكري يريد الحفاظ على مصالحه عبر هذا المجلس الجديد، وبالتالي لا يتدخل العسكر بشكل مباشر في السلطة التنفيذية أو في عمل الحكومة التنفيذية.
يحدث كل هذا في ظل أزمة اقتصادية كبيرة يعيشها البلد. بالعودة إلى بيانات منظمة الفاو وبرنامج الغداء العالمي، فحوالي 18 مليون سوداني عانوا من الجوع في سبتمبر/أيلول 2021، وسيرتفع الرقم في الشهر ذاته من هذا العام إلى الضعف حسب التوقعات، وذلك في بلد يصل عدد سكانه إلى 45 مليون نسمة.
أوضاع السودان الاقتصادية لم تكن في الماضي وردية، لكن غياب الاستقرار السياسي مؤخرا، وكذلك تهاوي واردات الحبوب بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، وارتفاع نسب التضخم، وتداعيات العقوبات الدولية التي فرضت على البلد في عهد عمر البشير ، ووقف التمويل الدولي لمشاريع كثيرة، كلها عوامل عقّدت الوضع أكثر.
"الجيش اقتنع أخيرا أنه لا يمكنه الاستمرار في الانقلاب" يرى خلف الله، مشيراً إلى أن الجيش فشل في كل النواحي، سواء تشكيل الحكومة، أو نيل المشروعية السياسية، أو وقف التدهور في البلد.
القوى المدنية تحاول لمّ الشمل
يحدث كل هذا في وقت تعمل فيه قوى الحرية والتغيير على إعلان دستوري جديد سيتم تقديمه للأحزاب والتنظيمات المدنية حتى تتوافق عليه. الإعلان يشمل عددا من البنود الأساسية للفترة الانتقالية حتى يتم تكوين حكومة ديمقراطية، لكن اعتماد الإعلان ليس سهلا خصوصا لوجود نسختين على الأقل في المشاورات الحالية.
عمار حمودة، متحدث باسم قوى الحرية والتغيير، صرّح للجزيرة أن القوى المدنية لا تزال بحاجة للحصول على توافق حول بنود الإعلان، معترفاً بوجود معيقات هنا وهناك عند الدخول إلى التفاصيل، ومؤكداً أن القوى التي يتحدث باسمها ليست الوحيدة الفاعلة في البلد، وهناك ضرورة لجمع كل المكونات المدنية للتوافق على الإعلان.
تؤكد كريستين روهرس، ممثلة منظمة فريديريش إيبرت في السودان، وجود هذه الصعوبات، وتتحدث لـDW إن القوى المدنية هي الآن منقسمة كما كانت قبل الانقلاب، ما يعد أمرا إيجابيا بالنسبة للجيش، الذي قد يخرج بعد أشهر ليقول: "أعزائي السودانيين، أعطينا المدنيين فرصة وضيّعوها" حسب قولها.
لكن هذا لا ينطبق بالضرورة على المحتجين، تشير روهرس إلى أن القمع المتجدد ضد الاحتجاجات، وكذلك خطاب البرهان الأخير، أعادا تنشيط حركة التظاهر في الشوارع بعدها ظهر عليها الوهن خلال الأشهر القليلة الماضية. وترى أن هناك دلائل على أن بعض التحالفات المدنية تريد القيام بدفعة أخرى نحو توحيد كلمتها.
أمل يحذو الكثير من النشطاء، منهم رانيا عبد العزيز، التي تؤكد أن لا شك لديها في كون السودان سيعود في نهاية المطاف إلى الحكم المدني. وتتابع: "نعرف جيدا من هم أعداؤنا.. المعركة مستمرة، لا نزال نتظاهر في الشوارع، ولا نزال نطالب بحقوقنا وببناء بلد يستوعب أحلامنا وتنوعنا".
جينيفير هوليز/ع.ا