عملاق السماء "إيه 380".. من حلم إلى كابوس
١٦ ديسمبر ٢٠٢١كان تيم كلارك، رئيس شركة طيران الإمارات يعتزم زيارة مدينة هامبورغ الألمانية هذا الأسبوع لحضور حدث تاريخي يتمثل في استلام آخر طائرة من طراز إيرباص "إيه 380" والتي ستكون الطائرة رقم 251.
وسوف تكون هذه الطائرة رقم 123 التي تنضم إلى أسطول طيران الإمارات، ومن دون طلبات الشراء من الشركة، لكان برنامج "إيه 380" قد انتهى منذ سنوات، لكنها في نهاية المطاف أعلنت إيرباص في 2019 أن برنامج انتاج الطائرة التي تٌشتهر باسم طائرة سوبر جامبو سوف ينتهي في 2021.
واللافت أن قرار التخلي عن برنامج "إيه 380" لم يكن بالسهل على كلارك البالغ من العمر 72 عاما والذي يعد من أساطير صناعة الطيران إذ لم يكن هناك أي شخص على الأرض يؤمن بهذه الطائرة أكثر منه.
كان رئيس طيران الإمارات يعتقد أن طائرة "إيه 380" التي تعد أكبر طائرة ركاب في العالم وتتسع لقرابة 615 راكبا في أخر نسخة ستتسلمها طيران الإمارات، سوف تربط العالم بأسره عبر دبي.
وتعود حلقة الفشل في هذه البرنامج إلى رغبة كلارك في البداية بتشييد نموذج لمقصورة الطائرة على نفقة شركة طيران الإمارات كي يُظهر لشركة إيرباص أنه من الممكن تركيب حمامين في الجزء الأمامي من السطح العلوي في المكان الذي يريده بالضبط.
ولاحقا، رفضت شركة إيرباص ومصنعي محركاتها فكرة التطوير وتصنيع نسخة متطورة من محركات أكثر كفاءة، لكن هذه المحركات جعلت طائرة "إيه 380"غير مجدية من الناحية الاقتصادية لمعظم شركات الطيران منذ وقت طويل.
"لا احتفالات"
لم يكن بمقدور كلارك الاحتفال باستلام آخر طائرة "إيه A380" من دون حدوث ضجة، فيما رفضت شركة إيرباص فكرة الاحتفال بطي صفحة برنامج انتاج الطائرة السوبر جامبو ثم يأتي في نهاية المطاف وباء كورونا ليجعل من الاحتفال في ألمانيا أمرا عديم الفائدة.
وفي مقابلة مع DW، قال كلارك" أبلغت غيوم فوري - رئيس شركة إيرباص – :(هذا الشيء كان حقيقا ومبشرا بالنجاح بالنسبة لنا، لذا هذه ليست جنازة بل فقط تسليم آخر طائرة من هذه الطائرات العظيمة.".
وأضاف "سوف نطير بطائرة "إيه A380" القوية حتى منتصف عام 2030، لذا لا يزال أمامنا ما بين 14-15 عاما حتى نعلن تقاعد الطائرة وخروجها من الخدمة".
وبشكل رسمي، سيتم نقل آخر طائرة "إيه 380" التي تحمل رقم تسلسلي 272 من مصنع إيرباص في هامبورغ إلى دبي اليوم الخميس لتنضم إلى أسطول شركة "طيران الإمارات" من هذه الطائرات المؤلف من 118 طائرة في أتم الاستعداد للإقلاع.
يشار إلى أن نصف هذه الطائرات تقبع في مخازن الشركة في انتظار الوقت المناسب للإقلاع.
ويبدو أن وباء كورونا كان القشة التي قصمت ظهر هذا النوع من الطائرات العملاقة إذ أنه إلى جانب إنهاء برنامج انتاج طائرة "إيه 380" قررت منافسة إيرباص اللدودة الأمريكية بوينغ إيقاف إنتاج طائرات 747 في عام 2022 بعد نصف قرن من الطيران.
انتعاش الطائرات العملاقة
وحمل خريف العام الجاري أنباء سارة للطائرات العملاقة في ضوء عودة حركة الطيران وزيادة حركة المسافرين ما دفع شركات الطيران إلى التفكير في استخدام الطائرات العملاقة مثل طائرات "أيه 380" لأنها كانت قادرة على سد هذه الفجوة.
وتعد شركة الخطوط الجوية البريطانية (بريتش إيروايز) المثال الأوقع على هذا الأمر إذ شرعت في إقلاع أربع طائرات من أصل 12 طائرة من طراز (إيه 380) منذ نوفمبر / تشرين الثاني فيما أعادت الخطوط الجوية السنغافورية بعض من طائرتها العملاقة من نفس الطراز إلى الخدمة خاصة على الرحلات من لندن إلى سيدني وغيرها.
أما فيما يتعلق بالخطوط الجوية القطرية، فقد حمل الأمر مفاجأة كبيرة لما تملكه من أسطول من طائرات "إيه 380" إذ قامت الشركة بتشغيل 10 طائرات عملاقة في وقت واحد.
ورغم ذلك، خرج الرئيس التنفيذي للشركة في مايو / آيار أكبر الباكر ليقول صراحة: "بالنظر إلى الماضي، فقد مثل شراء طائرات A380 خطأ كبيرا".
وأمضى الباكر في انتقاد الطائرة قائلا: "لقد قررنا وقف الطائرة "إيه 380" فلم نرغب أبدا في إقلاعها مرة أخرى لأنها طائرة غير فعالة للغاية فيما يتعلق بحرق الوقود والانبعاثات".
وأكد باكر على أنه لا يرى أي مستقبل لهذا الطراز من الطائرات العملاقة، مضيفا "أعلم أن الركاب يحبونها لانها طائرة هادئة للغاية وذكية، لكن الضرر الذي تسببه للبيئة يجب أن يكون له الأولوية فوق اعتبارات الراحة".
الأموال ذهبت هباء
وفيما يتعلق بحجم الإنفاق على برنامج "إيه 380" فقد وصلت التكلفة إجمالا إلى قرابة 30 مليار يورو (33.9 مليار دولار) فيما كان جُل مصدر هذه الأموال من دافعي الضرائب في القارة الأوروبية، لكن لماذا كانت طائرات "إيه 380" فاشلة من الناحية الاقتصادية؟
حمل تصريح سابق لجون ليهي - المدير التنفيذي للعمليات في شركة إيرباص في الفترة ما بين عامي 2005 و 2017 – بعض الأجوبة إذ قال "لقد كنا في صدمة من مصنعي المحركات".
وأضاف أن الشركة انتظرت 10 سنوات حتى يبدى مصنعو المحركات رغبة في تطوير إنتاج أنظمة محركات متطورة، لكن هذه المحركات كان قد تم تطويرها سرا واستخدامها في وقت مبكر في طائرة "دريملاينر 787" ذات الجسم العريض الأصغر والأكثر كفاءة والتابعة لمنافسة إيرباص الأمريكية بوينغ.
بيد أن المشكلة الرئيسية كانت التأخر لفترات طويلة في طرح طائرة "إيه 380" في الأسواق ما يشير إلى حالة عدم التنسيق الجيد بين شركاء إيرباص في ألمانيا وفرنسا.
كذلك كان توقيت دخول الطائرة الخدمة في 2008 بالسيء إذ تزامن مع وباء سارس وأزمة مالية كبيرة أدت إلى انهيار الطلب على الطائرات الكبيرة، إذ كان الطلب يتزداد لشراء طائرات أصغر وأكثر كفاءة بمقدورها الطيران بدون توقف لمسافات طويلة حتى في المطارات غير الكبيرة.
وقد صب هذا الأمر في صالح طائرات "بوينغ 787" و "إيرباص إيه 350" الأصغر حجما حيث تمكن المسافرين من السفر بين مدن مثل دوسلدورف وطوكيو أو ميونيخ وبوغوتا في رحلات مباشرة دون الاضطرار إلى تغيير الطائرة أو حتى التوقف للتزود بالوقود.
وعلى وقع هذا، منيت إيرباص بخسارة طائراتها العملاقة المخصصة لنقل عدد كبير من المسافرين.
ورغم هذا فشل انتاج طائرات "إيه 380" من الناحية الاقتصادية، إلا أن شركة إيرباص أكدت أن الأمر لم يذهب سدى بل حمل بعض الإيجابيات.
لا يزال خبراء الصناعة وشركة إيرباص متأكدين من شيء واحد. على الرغم من كونها فاشلة اقتصاديا، فإن الجهود المبذولة لبناء A380 لم تذهب سدى.
وفي ذلك، أكد جون ليهي على أن "كل الإخفاقات التي حدثت حول طائرات "إيه 380" جعلت من طائرات الشركة من طراز "إيه 350" أفضل برنامج طائرات شهدته الشركة على الإطلاق".
ومن بين الدروس المستفادة أيضا اضطرار شركة إيرباص إلى العمل ككيان اعتباري لأول مرة وأيضا التخلص مما يُعرف بـ "الممالك الصغيرة" في كافة الدول الشريكة.
ورغم ذلك، أقر جون ليهي - المدير التنفيذي السابق للعمليات في شركة إيرباص- أن ثمن هذه الدروس كان باهظا.
وقال: "لقد أنفقنا ما بين 25 إلى 30 مليار يورو على إنتاج طائرات "إيه 380" لمجرد استيعاب هذه الدورس، لذا يبدو أنها طريقة غير فعالة للتعلم".
أندرياس سباث / م ع