نهاية الطائرات العملاقة.. وداعاً بوينغ 747 وإيرباص A380!
١ أغسطس ٢٠٢٠الخبر القادم من شيكاغو يوم الأربعاء (30 تموز/يوليو) جذب الانتباه، إذ قال رئيس شركة بوينغ الأمريكية لصناعة الطائرات ديف كالهون للموظفين: "نظراً لديناميكيات السوق الحالية وآفاقها، سنوقف إنتاج طائرتنا الأيقونية (بوينغ) 747 في عام 2022".
هذا الإعلان مثل ذروة الهبوط السريع لأكبر طائرتين في العالم، وهما: بوينغ 747، التي تحلق منذ عام 1970، وإيرباص A380، التي تطير منذ عام 2007. وبذلك فإن أزمة كورونا أنهت أخيراً إنتاج الطائرات العملاقة، كونها غير اقتصادية.
وداع جميل لـ747 فوق المحيط الهادئ
بالنسبة للبعض يعتبر وداعاً مؤلماً. فالعديد من الأستراليين اغرورقت عيونهم بالدموع عندما شاهدوا مؤخراً الإقلاع الأخير لطائرة بوينغ 747 العائدة لشركة الطيران الأسترالية "كانتاس"، سواء في مطار سيدني أو على شاشة التلفاز. وعلق خبير الطيران الأسترالي جيفري توماس على ذلك، قائلاً: "تأججت المشاعر في جميع أنحاء أستراليا عندما ودع الأستراليون سيدة وصديقة عزيزة، ربما نقلت بعضنا إلى حياة جديدة (أستراليا ونيوزيلندا) و(نقلت) آخرين كثيرين إلى أجزاء أخرى في العالم"، وأضاف: "حتى بداية عصر (بوينغ) 747 لم يكن غالبية الأستراليين قادرين على الوصول إلى العالم الخارجي إلا باستخدام السفينة"، وأكد: "سوف نشتاق إليها (الطائرة)".
بدأت "حقبة" بوينغ 747 لدى "كانتاس" في عام 1971، وانتهت -أبكر مما كان مخططاً له- في منتصف تموز/يوليو 2020، وذلك بعد خمسة عقود من استخدام 77 طائرة "جامبو" (وهو الاسم الشعبي للطائرة) وهي تحمل رمز الكنغر على ذيلها. وانتهت الحقبة بوداع جميل عبر رحلات وداع ودورات شرفية، فوق دار أوبرا سيدني على سبيل المثال. وأخيراً، بلفة كبيرة على هيئة الكنغر فوق المحيط الهادئ، شوهدت جيداً في تطبيقات ومواقع تتبع الرحلات الجوية. انحناءة أخيرة مستحقة للطائرة التي لايزال الكثيرون يسمونها "ملكة السماوات"، قبل أن تهبط في صحراء موهافي في كاليفورنيا للمرة الأخيرة ليتم تفكيكها هنا.
النهاية الفورية في لندن
في نفس الفترة تقريباً، وقبل أسبوعين بالتحديد، أعلنت الخطوط الجوية البريطانية، فجأة وبشكل صامت نسبياً، النهاية الفورية لبوينغ 747، رغم أن النهاية كانت مقررة في عام 2024. لذلك كان من الواضح أن "الإنهاء الفوري يمثل نهاية 50 عاماً من هيمنة طائرات جامبو"، كما كتبت صحيفة فاينانشال تايمز.
لطالما كان البريطانيون أكبر الداعمين لـ747 وأكبر المشغلين لها في العالم حتى وقت قريب، مع ما مجموعه 110 طائرات "جامبو" –منذ عام 1970- تحمل علم المملكة المتحدة على ذيلها. وقال أليكس كروز، رئيس الخطوط الجوية البريطانية: "هذا ليس وداعاً أردناه أو توقعناه لأسطولنا المدهش من طائرات 747، فوجوب اتخاذ هذا القرار يمزق القلب"، وأضاف: "إنهاء خدمة طائرات جامبو سيشعر به العديد من الناس في جميع أنحاء المملكة المتحدة".
في بريطانيا، لم يكن هناك وقت للوداع، فمعظم طائرات بوينغ 747 البريطانية تقف مسبقاً في مواقف ركن في إسبانيا، حيث سيتم تفكيكها. وقبل شركة الخطوط الجوية البريطانية، كانت منافستها المحلية، شركة "فيرجين أتلانتيك" قد أنهت خدمة طائرات "جامبو"، تماماً كما فعلت شركة (KLM) أيضاً في الربيع.
وبذلك تصبح شركة لوفتهانزا الألمانية حالياً أكبر مشغل لطائرات بوينغ 747 في العالم، بامتلاكها 30 طائرة "جامبو"، والتي يبلغ عمر أحدثها في المتوسط ست سنوات. لكن من غير الواضح فيما إذا كانت طائرات 400-747 القديمة التي تمتلكها لشركة، والتي يبلغ عددها إحدى عشرة طائرة، ستعود إلى الطيران.
آخر من سيطير على متن "جامبو": رؤساء أمريكيون
حلقت طائرة بوينغ 747، والتي وصفها طيار الخطوط الجوية البريطانية مارك فانهويناكر بـ"أسطورة الطيران ذات الـ370 طناً"، لأول مرة في عام 1969، قبل أشهر من هبوط الإنسان على سطح القمر. وفي أحدث إصدار لها، وهو 747-8، مازال يتم تصنيعها كطائرة شحن مدنية. وحتى بعد انتهاء إنتاج الطائرة عام 2022، ستحصل الحكومة الأمريكية على طائرتين رئاسيتين جديدتين (Air Force One) مصممتين على أساس 747-8.
من الواضح أن أزمة كورونا جعلت قطاع الطيران يمر بأسوأ أزمة في تاريخه الذي يمتد لأكثر من قرن. ويتوقع اتحاد النقل الجوي الدولي أن حركة الطيران لن تعود إلى طبيعتها قبل عام 2024. وحتى ذلك الحين سيقل عدد المسافرين على الأرجح، فالكثيرون لا يرغبون بأن يكونوا في طائرة مكتظة بالمسافرين، كما كان الوضع سابقاً.
إيرباص: أمل من الإمارات
الطائرات العملاقة ذات الأربعة محركات مثل بوينغ 747، وإيرباص A380 الأوروبية أيضاً، التي بدأت بأخذ مكان 747 قبل أكثر من عقد بقليل، كانت مكلفة للتشغيل وبالكاد تجلب الأرباح للشركات المشغلة حتى قبل أزمة كورونا.
فقد أصبحت الطائرات الحديثة الأصغر والأكثر توفيراً مناسبة أكثر الآن، مثل إيرباص A350 وبوينغ 787 دريملاينر. وقال تيم كلارك، رئيس طيران الإمارات في دبي، في أيار/مايو الماضي: "نعلم أن أيام A380 و747 قد انتهت، لكن A350 و787 سيحتلان مكانهما دائماً". تصريحه أثار ضجة كبيرة، خصوصاً وأن شركته هي أكبر زبون لطائرات A380، إذ لديها 115 طائرة منها، ومن المقرر أن تستلم ثماني طائرات أخرى من إيرباص.
لكن كلارك أدلى بعد شهرين، في تموز/يوليو، بتصريحات أكثر إيجابية، قائلاً: "إذا عاد الطلب وأصبحت مواعيد الهبوط في المطارات الكبيرة محدودة، سيكون هناك مكان لـ A380"، وأضاف: "أتمنى أن تحلق جميع طائراتنا من طراز A380 مرة أخرى في نيسان/أبريل عام 2022". ونظراً لأن نموذج أعمال طيران الإمارات يعتمد على التبديل في نقل المسافرين لمسافات طويلة، والذين يعودون بشكل متقطع في النهاية، فإن تصريحات كلارك الأخيرة محل للشكوك.
أماكن جمع الخردة تمتلئ
بكل الأحوال، فإن طائرة A380، التي انطلقت ذات مرة بأمل كبير، والتي قررت إيرباص إيقاف برنامج تصنيعها في عام 2021، حتى قبل أزمة كورونا، فقدت حالياً الكثير من زخمها. وبالإجمال سلمت الشركة هذا الطراز من طائراتها إلى 15 شركة خطوط جوية. وفي الوقت الراهن لا تشغل هذا النوع من الطائرات سوى شركة طيران الإمارات، عبر إحدى عشرة طائرة في الخدمة، بالإضافة إلى شركة خطوط جنوب الصين الجوية، بخمسة طائرات.
جميع الطائرات الأخرى، بما فيها التي تعود لشركة لوفتهانزا الألمانية، مركونة حالياً تحت الشمس في إسبانيا أو كاليفورنيا أو مناطق نائية في أستراليا، بانتظار أن يتم تفكيكها وتحويلها إلى خردة، مثل أسطول الخطوط الجوية الفرنسية من طائرات A380، والذي يتكون من عشر طائرات، أحدثها عمرها ست سنوات. وليس من المتوقع أن تعود طائرات A380 التي تمتلكها لوفتهانزا أيضاً، والبالغ عددها 14 طائرة، إلى الطيران مرة أخرى.
وحتى شركة الخطوط الجوية السنغافورية أعلنت الآن أنها ستبحث مصير طائرات A380 الـ 19 التي تمتلكها. في الوقت الحالي، هناك ما يزيد قليلاً عن 60 طائرة بوينغ 747 لنقل الركاب جاهزة للطيران، بالإضافة إلى 244 طائرة أخرى للشحن، وذلك من إجمالي ما يزيد عن 1500 طائرة مصنعة من هذا الطراز. من الواضح أن عصر الطائرات العملاقة قد انتهى.
أندرياس شبيت/م.ع.ح