طائرات مسيرة ومقاتلات.. أي سلاح يُهيمن على سماء المستقبل؟
١٤ يونيو ٢٠٢٣لا يتعين على سكان بعض المدن ألمانية الاستغراب عند سماع دوي اختراق الصوت إذ أن الأمر برمته يرتبط بالمناورات الجوية الأكبر في تاريخ حلف شمال الأطلسي (الناتو) والتي بدأت في ألمانيا بهدف تحسين أنظمة الدفاع الجوية للدول الأوروبية الأعضاء في الحلف والوقوف على جاهزية الردع ضد معتدين محتملين مثل روسيا.
وتهدف المناورات الجوية الجارية والتي تقوم على استخدام موارد معقدة ومكلفة مثل المقاتلات التلقيدية، إلى تنفيذ عمليات جوية معقدة ناجحة، ، لكنها في المقابل تقف على الطرف النقيض من الحرب الجارية في أوكرانيا منذ أن بدأت روسيا توغلها العسكري في أراضي جارتها الغربية في فبراير/ شباط العام الماضي.
ففي المعارك بأوكرانيا، يجرى استخدام طائرات مسيرة رخيصة محملة بقنابل يدوية لاستهداف خطوط العدو في تذكير للاستخدام المبكر لهجمات محمولة جوا إبان الحرب العالمية الأولى عندما كان الطيارون يلقون متفجرات من طائراتهم بأيديهم.
ولا يتوقف الأمر على ذلك، بل تنفذ الطائرات المسيرة مهام انتحارية في الحرب الروسية بأوكرانيا فيما يعد رصد هذه المسيرات صعبا سواء على الأرض أو في السماء.
وفي مقابلة مع DW، يقول توربين شوتس، الزميل والمتخصص في شؤون الأمن والدفاع بالمجلس الألماني للعلاقات الخارجية، إن طرفي الحرب في الحرب الجارية في أوكرانيا "يبدو أنهما غير قادرين على تحقيق التفوق والهيمنة الجوية".
أوكرانيا.. تحذير وحالة للدراسة
قبل الحرب، كان سلاح الجو الأوكراني صغيرا وغير متطور، فيما يعتمد في الوقت الراهن على الأسلحة التي ترغب الدول الغربية الحليفة في تقديمها إليه.
أما في المقابل، فإن القوات الجوية الروسية تبدو على الورق مخيفة، لكنها فشلت حتى الآن في تحقيق أقصى استفادة من المزايا العددية والتقنية التي تمتلكها.
فرغم أن روسيا مازالت قادرة على إطلاق صواريخ عالية السرعة قد تفوق سرعة الصوت، إلا أن كلا الجانبين قد لجأ إلى حلول جاهزة قد تكون ارتجالية أكثر من كونها استراتيجية مما جعل الكثير من المراقبين العسكريين في أوروبا والغرب يتساءلون حيال تأثير ذلك على الحروب المستقبلية.
عطفا على تساؤلات حيال جدوى التدريبات والتكنولوجيا الجوية المكلفة أمام مجموعة من طائرات مسيرة تحلق على مدى منخفض فضلا عن أنها رخيصة الثمن ويمكن اقتناؤها بسهولة.
ويُضاف إلى كل ذلك الهجمات الإلكترونية بما في عمليات التشويش.
وتعد القوة الجوية الكبيرة والساحقة ركيزة أساسية في استراتيجية الحرب الأمريكية وحلفائها مع ضمان التفوق والهيمنة الجوية فيما افتقر طرفا الحرب على منظومات دفاع جوي قوية وأيضا طائرات قتالية متقدمة يقودها طيارون تلقوا تدريبات جيدة لتحقيق الهيمنة على السماء.
ويرى توربين شوتس، الذي يعد من المتشككين في سلاح الطائرات المسيرة، أن هذا النوع من الهيمنة قد لا يكون جزءا من أي نزاع مستقبلي بشكل مطلق، لكنه قال إن أي خصم على نظير الناتو يمكنه أن يضاهي معدات وعمليات الحلف.
ويضيف أن هذا يمثل "سببا إضافيا في تعزيز العمل المشترك وتمركز أصول الناتو في ألمانيا والحصول على تدابير صحيحة".
لكن الولايات المتحدة قد تجد مع حلفائها أن الإنفاق الكبير بمليارات الدولارات على تعزيز قدرات جوية عالية التقنية غير فعال.
التكييف مع الأسلحة الحديثة
بدوره، يقول الناطق باسم القوات الجوية الألمانية في مقابلة مع DW إن صد الهجمات التي تشنها الطائرات المسيرة "ممكن بمجموعة متنوعة من التشكيلات"، من المدى القصير إلى المدى الطويل حيث يقع صد الهجمات التي تتم على ارتفاعات منخفضة في المقام الأول على عاتق القوات البرية.
ورغم أن الجيش الروسي قد برهن فعالية في القتال أقل مما كان متوقعا، إلا أن عقيدة الحرب الروسية أظهرت مخاوف من غياب التوافق بين التهديدات التي تواجهها والمواد المتاحة لصدها.
فبعد وقت قصير من اندلاع الحرب، تعهدت ألمانيا بتعزيز قدراتها الدفاعية الجوية ليس فقط للدفاع عن الأراضي الألمانية، فحسب، وإنما عن الأراضي الأوروبية أيضا وعلى نطاق أوسع، لكن هذا الأمر سوف يتطلب زيادة هائلة في تمركز وانتشار المعدات العسكرية.
وفي هذا السياق، يقول بن هودجز، وهو جنرال أمريكي متقاعد كان قد قاد في السابق القوات البرية الأمريكية في أوروبا،"لم يكن لدينا دفاع جوي وصاروخي متكامل وكاف ضد أي تهديد. كان قلقي قائما فقط على حقيقة مفادها أننا نمتلك القليل جدا من الأصول مثل بطاريات باتريوت".
ويضيف في مقابلة مع DW قائلا: "بعد أن رأيت أن الروس كانوا مستعدين لاستخدام أسلحة بملايين الدولارات بحرية ضد مبان سكنية قلت لنفسي يا إلهي! لسنا على استعداد حقا لأي هجوم جوي وصاروخي خطير".
ويشير الجنرال الأمريكي السابق إلى أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تخوض حربا بدون حلفاء مثل ألمانيا، مضيفا أن هذا يعني أن التدريب المشترك يعد وسيلة ليس فقط لتعزيز الجاهزية والاستعداد لأي حرب وإنما أيضا للوقوف على "الحدود القانونية والتشغيلية لبعضنا البعض".
لمن التفوق العسكري؟ للآلة أم للإنسان؟
ويضيف بأن الأمر "يتعلق على وجه التحديد بالذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة العسكرية خاصة وأن البلدان الأوروبية ليست جميعها حريصة على ذلك أو لديها سياسات تسمح بذلك".
فعلى سبيل المثال، مازالت ألمانيا مترددة في دمج الطائرات بدون طيار خاصة العسكرية في جيشها، لكن في المقابل تمتلك أسطولا متقادما من طائرات مقاتلة فيما جرى تخصيص أكثر من ثمانية مليارات يورو من خطة المائة مليار يورو لتحديث الجيش الألماني، لشراء 35 طائرة من طراز إف-35 أمريكية الصنع القادرة على حمل أسلحة متنوعة من صواريخ موجهة جو جو وحتى حمل قنابل نووية.
ويؤكد المعسكر المؤيد للقوة الجوية التقليدية أن الطائرات المسيرة مازالت غير قادرة على التغلب على القدرات البشرية. ويشدد هؤلاء على أن الطائرات أكثر قوة مما يسمح لها بنقل معدلات وأسلحة إضافية أكبر، فضلا عن أنها أقل عرضة لأنواع شتى من الهجمات الإلكترونية بما ذلك عمليات التشويش التي يمكن أن ترصد الطائرات المسيرة وتعرقل تحليقها في السماء.
وقد يمزج الجيل القادم من عمليات القتال الجوي بين الوحدات التجريبية ووحدات التحكم الذاتي فيما يعد ذلك ركيزة عمل "منظومة القتال الجوي المستقبلي" الذي يعد مشروعا ألمانيا-فرنسيا تحت رعاية إيرباص.
من جانبه، يرى توربين أرنولد، الضابط في الجيش الألماني والزميل في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، أنه في ضوء وتيرة تطور التكنولوجيا والتباين للاستعداد العسكري، يتعين "تجنب استخلاص قواتنا (الناتو) استنتاجات متسرعة من الحروب السابقة والحالية كما هي الحال في أوكرانيا وسوريا وأرمينيا وأذربيجان".
وفي مقابلة معDW، يقول إن الدروس المستفادة "لا يمكن اكتسابها على أساس فردي. وحتى مع ظهور الذكاء الاصطناعي، فإن الطائرات بدون طيار لا تجعل الطائرات المقاتلة سلاحا عديم الفائدة، على الأقل ليس الآن".
وليام غلوكروفت / م. ع