DW تتحقق- هكذا تعمل حملة التضليل الروسية ضد الناتو!
٢٠ فبراير ٢٠٢٣منذ احتجاجات الميدان الأوروبي في كييف، أو ما تعرف بـ"ثورة ميدان" في أوكرانيا (نوفمبر 2013 - فبراير 2014) ثم ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في 2014، تحاول موسكو التأثير على الرأي العام من خلال حملات تضليل.
ورغم أنه من الصعب تحديد مدى قوة تأثير هذه الحملات، سواء داخل روسيا أو خارجها، إلا أن خبراء قالوا لـ DW إن روسيا زادت من وتيرة هذه الحملات منذ توغلها العسكري في أوكرانيا قبل عام.
ومن بين أكثر السرديات التي حاولت روسيا من خلال حملات التضليل المعلوماتية التركيز عليها، حتى قبل الحرب، الادعاء بأن حلف شمال الأطلسي (الناتو) لا يهدد روسيا فحسب بل يخطط لغزوها.
روسيا ومحاولات قلب الحقائق
وقال خبراء إن روسيا قبل بدء الحرب في 24 فبراير / شباط الماضي قامت بنشر الكثير من الروايات بهدف تبرير غزوها العسكري لجارتها أوكرانيا.
وفي ذلك، قال رومان أوسادشوك، الباحث في المجلس الأطلسي، وهو مؤسسة بحثية دولية مقرها واشنطن، إن من المحتمل أن "الادعاءات الروسية الكاذبة قد بدأت منذ ثورة ميدان في عام 2014 حيث أنه منذ ذلك الحين، يزعم الروس أن الغرب يتدخل في أوكرانيا".
ومن جانبه، قال لوتز غولنر، رئيس قسم الاتصالات الاستراتيجية وتحليل المعلومات في خدمة العمل الخارجي الأوروبي، إن روسيا تعتمد من خلال آلة التضليل الدعائية على قلب الحقائق.
وأضاف "تنصب محاولات الدعاية الروسية دائما على تصوير مدى التهديد الفعلي الذي تواجهه روسيا وأنها تحت الحصار بل ومهددة من قبل أوكرانيا، لذا يجب أن تدافع روسيا عن نفسها. ويهدف كل ذلك إلى تبرير الحرب في صورة ردع وليست عدوانا".
وفي هذا السياق، زعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب متلفز قبل بدء الغزو بأيام قليلة أن الناتو "يتوسع أكثر فأكثر" بما يشمل توسيع البنية التحتية العسكرية للحلف والتعدي على الحدود الروسية.
ويحمل هذا الادعاء الروسي بعض الحقائق إذ أنه منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، انضمت 14 دولة من أوروبا الشرقية، بينها أربع دول متاخمة لروسيا، إلى الحلف، فيما سعت أوكرانيا إلى الانضمام إلى الناتو منذ عام 2008 عبر خطة العمل الخاصة بالعضوية.
ومنذ الغزو الروسي، كثفت كييف مساعيها من أجل الانضمام إلى الناتو.
ويدخل في هذا الإطار قيام الناتو بتدشين استعدادات لوجستية في دول أوروبا الشرقية المنضوية تحت لواء الحلف، بما يشمل تعديل المطارات في هذه الدول حتى تستوعب التعزيز السريع للقوات، بيد أن هذا الأمر كان رداً على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 في خطوة تعد انتهاكا للقانون الدولي.
لكن في المقابل، يمضي حلف الناتو في احترام "الوثيقة التأسيسية" المبرمة مع روسيا عام 1997 التي تحظر نشر قوات قتالية إضافية كبيرة بشكل دائم في دول أوروبا الشرقية المنضمة إلى الحلف، بيد أن هذا الأمر لم يمنع بوتين من الزعم بأن الناتو يهدد روسيا.
وتهدف "الوثيقة التأسيسية" إلى وضع أسس العلاقات المتبادلة والتعاون والأمن بين روسيا والناتو، فيما تم تأسيس مجلس الناتو وروسيا في عام 2002، وكلاهما يهدفان إلى تعزيز التعاون. لكن هذا التبادل بين الناتو وروسيا توقف إلى حد كبير منذ هجوم روسيا على أوكرانيا في عام 2014.
ويزعم بوتين أيضا أن أوكرانيين يرتكبون منذ سنوات "إبادة جماعية" بحق السكان الناطقين بالروسية في "جمهوريتي" دونيتسك ولوهانسك، اللتين ضمتهما روسيا بشكل غير قانوني، وأنه يجب "إخلاؤهما من النازيين".
البروباغاندا الروسية في الخارج والداخل
يقول الخبراء إن مثل هذه المزاعم الكاذبة كان هدفها الداخل الروسي في المقام الأول، لكن أيضا كان لها بعض التأثير في الدول الغربية.
فقد كشف استطلاع أجراه "مركز المراقبة والتحليل والاستراتيجية"، الذي يراقب المعلومات المضللة في وسائل التواصل الاجتماعي ومقره ألمانيا في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن أن 19 بالمئة من المشاركين الألمان قد وافقوا المزاعم الروسية من أن عدوانها على أوكرانيا كان ردا على استفزازات الناتو، فيما اتفق 21 بالمئة من المشاركين جزئيا مع الزعم الروسي.
ووفقا للاستطلاع، فإن 40 بالمئة من المشاركين الألمان يعتقدون بشكل ضمني أن الناتو يعد المسؤول عن الصراع في أوكرانيا.
وأوضحت جوليا سميرنوفا، المحللة البارزة في معهد الحوار الاستراتيجي ومقره لندن والتي قامت بدراسات عن تأثير المعلومات المضللة خلال الحرب، أن نتائج الاستطلاع تعد خطيرة. وقالت "هذه الأرقام مرتفعة جدا ومن المفترض أنها جاءت نتيجة لهذا الكم الكبير من حملات التضليل والأفكار والمواقف ضد الناتو".
تصوير الناتو وأوكرانيا في صورة "المعتدي"
يشار إلى أنه منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، زعمت تقارير أن هناك مختبرات للأسلحة البيولوجية تمولها الولايات المتحدة في أوكرانيا، فيما تبين أن هذه المزاعم عارية عن الصحة.
وروجت روسيا عبر خارجيتها لما قالت إنها "قنبلة قذرة"، لكن تبين لاحقا أن الصور التي استندت عليها موسكو لدعم هذا الزعم ليست سوى صور قديمة خاصة بمحطات طاقة نووية روسية وأجهزة كشف الدخان في سلوفينيا.
وفي هذا السياق، جرى استخدام الدعم، الذي حصلت عليه أوكرانيا من دول غربية، سواء في شكل مساعدات مالية وأسلحة وعقوبات ضد روسيا، بهدف دعم ادعاء بوتين المتكرر بأن كييف "تحت السيطرة الخارجية بالكامل وأنه يتم تسليحها من قبل أعضاء الناتو بأحدث المعدات العسكرية".
وزعمت وسائل الإعلام الرسمية الروسية أن الناتو منخرط في الحرب مع ادعاء وجود بعض الوحدات العسكرية تعمل سرا في أوكرانيا تحت قيادة ضباط أو مدربين من دول غربية، فيما يتم استخدام صورا ومقاطع مصورة، خاصة بمتطوعين أجانب يقاتلون إلى جانب الأوكرانيين، لدعم مثل المزاعم.
وفي سياق الادعاءات الروسية، قال نيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن الروسي وأحد المقربين من بوتين، أواخر العام الماضي "إن الناتو من يقاتلنا الآن في حقيقة الأمر، حيث يقوم أعضاؤه بتزويد النظام السياسي في كييف بالأسلحة الثقيلة والذخيرة والمعلومات الاستخباراتية، فضلا عن تدريب القوات الأوكرانية من قبل متخصصين عسكريين".
شائعات تسليم دبابات إلى أوكرانيا
الجدير بالذكر أنه في مايو/ أيار الماضي، زعم بعض رواد منصات التواصل الاجتماعي أن دولا في الاتحاد الأوروبي على وشك الانخراط في الصراع بأوكرانيا، إذ ظهر في مقطع مصور يحمل شعار الخدمة الإخبارية لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" جنرال عسكري بولندي وهو يوقع أمرا بوضع مفارز الجيش في "حالة تأهب قصوى".
لكن تبين لاحقا إن هذا المقطع المصور مزيف فيما نفت "بي بي سي" صلتها بهذا الفيديو حيث أكدت أنه جرى تقليد شعارها بهدف نشر مقطع فيديو مزيف.
وعلى وقع ذلك، وجهت السلطات البولندية إلى روسيا اتهامات بشن حملات تضليل معلوماتية ضدها.
أما في ألمانيا، فقد فسر بعض رواد التواصل الاجتماعي على الفور قرار الحكومة الأخير بتزويد أوكرانيا بدبابات من طراز "ليوبارد" باعتباره "اعترافا" من قبل المستشار الألماني أولاف شولتس بأن الناتو في حالة حرب مع روسيا.
وحتى قبل القرار الألماني بتزويد أوكرانيا بالدبابات، انتشرت مقاطع مصورة مزيفة على منصات التواصل تظهر انتشار الدبابات الألمانية في أوكرانيا.
من جانبه، يرى رومان أوسادشوك، الباحث في المجلس الأطلسي، أن انتشار مثل هذه المقاطع المصورة المزيفة على نطاق واسع على الإنترنت ليس من قبيل المصادفة. وقال: "من وجهة نظر روسية، فإن نشر مثل هذا المحتوى بإمكانه أن يخدم غرض توضيح أن أوروبا تستعد لمهاجمة روسيا".
تيتيانا كلوغ وراشيل بيغ / م. ع