ضحايا بورسعيد: "شهداء" أم " قتلى لهو محرم"؟
٧ فبراير ٢٠١٢نحو ثمانين قتيلا في مباراة لكرة القدم في بورسعيد بمصر بعد الثورة. رقم مخيف يكشف عن خطورة التجمعات الحاشدة، لكن الأخطر في هذا الشأن أن جدلا واختلافا كبيرا نشأ في تعريف أولئك الضحايا وحقوق أسرهم المترتبة على الدولة والمجتمع. السلفيون يحرّمون وصفهم بالشهداء، بل يعتبرونهم "قتلى لهوٍ محرمٍ شرعا"، حسب أحد الناطقين باسمهم. وهذا يعني حرمان أسرهم من أي حقوق.
الرياضة من الملاعب إلى الحرام والحلال
بغض النظر عن أي تصورات سياسية، يعشق المصريون كرة القدم لدرجة تجعلهم متعصبين في الولاء إلى احد الفريقين الأشهر في مصر، فالمصري يبادر أي مصري آخر تعرف عليه توا بالسؤال : هل أنت أهلاوي أم زملكاوي؟ في إشارة إلى فريقي الأهلي والزمالك المتنافسين أبدا على بطولة الدوري المصري. هذا الوضع يدفع مراقب الشأن المصري إلى السؤال، بعد تقدم الإسلاميين والسلفيين في الانتخابات، هل يحتمل أن تحرّم القوى السلفية الرياضة؟
الصحفي السلفي علي عبد العال في حديث مع موقع دي دبليو عربية من القاهرة أشار إلى أن "السلفية لا تحرّم الرياضة، بل أن كافة ما يصدر عنهم يشي بعكس ذلك". ويضيف عبد العال بأن السلفيين يدعون أنصارهم إلى ممارسة الرياضة لوجود "إرث شرعي وفقهي يدعو إلى ممارستها في ضوء ممارسة النبي والصحابة لها". والسلفيون ينظرون، حسب عبد العال، نظرة أخرى إلى مسألة الاهتمام والتشدد في مشاهدة كرة القدم، كما ينظرون إلى مسالة ملايين الدولارات التي تنفق على هذه المباريات والملايين التي يتقاضاها اللاعبون، ويرون أن "هذه الملايين إذا وجهت إلى قطاعات العمل والتنمية سوف تفيد المجتمع أكثر مما تفيده مشاهدة وحضور مباريات كرة القدم."
ويهتم السلفيون بالأشياء باعتبار حليتها أو حرمتها طبقا لعقيدة "السلف الصالح" التي يقتدون بها، من هنا فهم يرون أن كشف الرياضيين الرجال لأجزاء من أجسادهم أمام الناس فيه مفسدة كبرى للمسلمين كما ذهب الصحفي المصري علي عبد العال، مضيفا "أن المباراة تمتد في مناسبات عدة إلى 3 أو 4 ساعات وهي بذلك تمنع المشاهدين واللاعبين عن قضاء صلواتهم، لذا فهي غير جائزة شرعا وتعد ملهاة عن ذكر الله".
"الألترس سيحمون كرة القدم"
من صوتوا للسلفيين والإسلاميين هم نفسهم عشاق فريقي الأهلي والزمالك المتحمسون للدخول في معركة دفاعا عن فريقهم المفضل، ولن يتمكن السلفيون من تغيير موروث الثقافة الشعبية المصرية المرتبط بكرة القدم. هذا ما ذهب إليه الصحفي المصري سيد محمود المحرر الثقافي في صحيفة الأهرام في حديث مع دي دبليو عربية من القاهرة مشيرا إلى أن "السلفيين لن يتمكنوا أيضا من تغيير ما يعرف في مصر بـ "التدين الشعبي المرتبط بالحلقات الصوفية". ومضى إلى القول" كرة القدم كانت منذ الخمسينات أسلوبا روجه عبد الناصر لإبعاد المواطن عن السياسة ".
وأشار سيد محمود إلى ما يعرف بـ "الألتراس" وهم القوى التي تتولى تشجيع كرة القدم، واصفا إياهم بأنهم اقرب إلى الجماعات الروحية التي ترى في كرة القدم متعة روحية. ويرى محمود أن الألتراس يعملون بجد ضد جعل هذه الرياضة سلعة تباع وتشترى وضد مأسستها، قائلا: "كان الألتراس في صدامات دائمة مع الشرطة، إلا أنهم نزلوا منذ جمعة الغضب إلى ميدان التحرير وتحولوا إلى حصن منيع يدافع عن الثوار، وتجلى هذا الدور بوضوح أكبر فيما صار يعرف بموقعة الجمل. فبحكم كونهم أشبه بميلشيا غير مسلحة وروحية لكرة القدم فقد تصدوا لبلطجية موقعة الجمل".
هل هناك سيناريو تآمري؟
الصحفي المصري سيد محمود الذي يعرّف نفسه بأنه من المناهضين للجماعات السلفية حمل في حواره مع دي دبليو عربية بشكل صريح العسكر والسلفيين بالمسؤولية عن "المذبحة في بورسعيد" مشيرا إلى أن" مباراة بورسعيد كانت قد أقيمت في ذكرى انتصار الثوار في الثاني من فبراير شباط 2011 فيما يعرف بموقعة الجمل على بلطجية النظام السابق، وبالتالي فإن هؤلاء البلطجية استغلوا هذه المناسبة للثأر من الألتراس، والسلفيون حين يعلنون أن ضحايا المذبحة ليسوا شهداء إنما يؤكدون ما كان شائعا عنهم من ارتباطهم بأمن النظام السابق وفلول نظام مبارك".
ويرى الصحفي علي عبد العال القريب من التيارات السلفية أن "السلفيين لم يعلنوا أنهم سيلغون الرياضات الجماعية، لكنهم يرون أن على المجتمع أن يوظفها فيما هو أنفع، وأن الشباب الذي يتحمس لهذا الفريق دون الآخر يحتاج إلى مزيد من الوعي، وقد شهد العالم كله حجم التعصب الذي حصل بين الجزائر ومصر بسبب كرة القدم، فهم يرون إذا أن الجماهير الحاشدة التي تحضر مباريات كرة القدم بحاجة إلى توعية وبحاجة إلى توجيه نشاطهم لما هو مفيد ".
ضحايا كرة القدم بين السلفيين وبين العسكر
الصحف والمواقع المصرية تناقلت اليوم تصريحات السلفي عبد المنعم الشحات وانبرى كتاب وصحفيون للرد عليه. وفي هذا الإطار اعتبر الصحفي سيد محمود "أن حزب النور السلفي، وهو الأكبر في مصر لا يعتبر الشحات متحدثا باسمه بل وينكر أي صلة له بهذا الشخص وقد تجلى هذا في الأزمة التي صنعتها تصريحات الأخير بشأن الكاتب نجيب محفوظ، كما أن النخب المصرية ووسائل الإعلام قد تجاوزت قضية التصريحات التي تطلق من هنا وهناك، ونحن من جانبنا نعتقد أن هذا التصريح هو جزء من الرغبة في الحضور الإعلامي بعد أن كان السلفيون خارج دائرة الأضواء لسنوات طويلة".
و يدور الجدل بشكل كبير في مصر حول تسمية ضحايا ملعب بورسعيد، فهل هم شهداء؟ السلفيون يرفضون هذا الوصف، ولكن الموقف الرسمي ممثلا بموقف المجلس العسكري كما كشف الصحفي سيد محمود "اعتبرهم شهداء، بدليل إعلان الحداد العام على أرواحهم، وهناك دوائر رسمية تتولى تحديد أعدادهم وبياناتهم الشخصية لصرف تعويضات لأسرهم أسوة بشهداء الثورة، والخلاصة أن أحدا لا يناقش حقيقة كونهم شهداء أو غير ذلك إلا السلفيون في برامجهم".
ملهم الملائكة
مراجعة: أحمد حسو