صراعات عائلية لخدمة جبهة لوبان الفرنسية اليمينية؟
١١ أبريل ٢٠١٥دعت مارين لوبان، رئيسة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية (اليميني المتطرف)، إلى اجتماع إدارة الحزب في باريس لدفع والدها جان ماري لوبان إلى "الموت السياسي" واستبعاده من الحزب الذي كان قد أسسه قبل أكثر من أربعين عاما. وكان لوبان الأب (البالغ من العمر 86 عاما) قد صرح خلال مقابلة أجراها 1987، وكرر مقولته مؤخرا لإحدى الصحف اليمينية الراديكالية بأن غرف الغاز التي أقامها النازيون ليست إلا "إحدى تفاصيل التاريخ". كما دافع لوبان عن الماريشال فيليب بيتان، رئيس الحكومة الفرنسية إبان احتلال الحكم النازي الألماني لفرنسا، وقال إنه كان في الواقع وطنيا مثاليا.
تصريحات لوبان الأب أقلقت الابنة ورئيسة الحزب مارين لوبان ودفعتها إلى دعوته اعتزال الحياة السياسية والزعامة الفخرية للحزب طوعا، وتعارض أيضا ترشحه للانتخابات الإقليمية في منطقة جنوب شرق مرسيليا. وترى مارين لوبان أن والدها لا يخدم بتصريحاته الاستفزازية المتكررة مصالح الحزب اليميني وإنما يسعى إلى تخريبه وسيجعل الحزب ينفجر داخليا. لكن لوبان الأب، السياسي اليميني المعادي للمهاجرين، أكد أنه لن يتخلى بطواعية عن منصبه وينوي الدفاع عن نفسه والرد على دعوة اعتزال العمل السياسي التي أطلقتها ابنته مارين، وصرح للقناة التلفزيونية "بي إف إم" أنه يتحدى ابنته وأضاف: "إنها تريد موتي سياسيا، فعليها الآن ألا تعول على دعمي لها" و أن "السيدة لوبان تنسف حزبها... ولستُ أنا من ينتحر بل هي" وأعرب جان ماري لوبان عن "صدمته" لرد فعل ابنته.
دراما مشابهة لدرامات تاريخية
يشبه مشهد العداء السياسي بين رئيسة الجبهة الوطنية، مارين لوبان، ووالدها زعيم الحزب، جان ماري لوبان، مشاهد تاريخية مماثلة. وبدأ الصحفيون والمعلقون يطرحون أوجه المقارنة بين عائلة لوبان وعائلة بورجيا في القرن الـ16، أو ما كان يحدث في روما القديمة من صراعات عائلية للاستحواذ على السلطة. أوجه الدراما لم تخلُ من الإثارة عند المعلقين والصحفيين، حيث يتساءلون الآن عن موقف حفيدة جون ماري لوبان العضوة البرلمانية ماريون ماريشال لوبان من صراع العمة مارين لوبان والجد جان ماري لوبان.
فأي نجاح داخل الحزب اليميني رهين بالولاء للعائلة لوبان، حيث أن رئيسة الحزب مارين لوبان تُجند المقربين منها لأخذ مناصب رفيعة داخل الحزب. أما السؤال المطروح، هل هناك حقا خلاف سياسي أم أنه فقط ورقة سياسية تستخدمها رئيسة الحزب مارين لوبان لتطهير الحزب من مواصفات معاداة السامية وتخليد شخصيات عليها جدل كفيليب بيتان، بشكل دائم.
لا تغير في جوهر الحزب
يعتقد يانيك جادوت، النائب الأوروبي وعضو حزب الخضر، أن مارين لوبان تستغل هذا الصراع العائلي لهيكلة الحزب وتحديثه. ويرى جادوت أن الحزب لا يزال يحتفظ بنفس الإيديولوجية التي يلمسها في أعضائه بالبرلمان الأوروبي والمتمثلة في معاداة السامية والمثليين، إضافة إلى أن مارين لوبان وجان ماري لوبان ينتقدان بشدة الاتحاد الأوروبي كلما أتيحت لهما الفرصة في البرلمان الأوروبي. كما أضاف جادوت أن الجبهة الوطنية تسلك استراتيجية مزدوجة، ففيما يحظى الأب جان ماري لوبان بشعبية كبيرة في صفوف القوميين والمقاتلين الأسبقين في الجزائر تسعى ابنته مارين لوبان إعطاء الحزب صورة أكثر اعتدالا. والآن حان الوقت لتوجيه ضربة قاضية للأب ودفعه إلى "موت سياسي" واستقالته من الحزب الذي أسسه والتخلي عن مسؤولياته السياسية، بحسب ما ذكر جادوت ويضيف أن فوز مارين لوبان يبقى فوزا رمزيا لا يغير من واقع وإيديولوجية الحزب شيئا.
نفس الرأي يشاطره أيضا، المحافظ والوزير السابق، برونو لومير من حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" الذي قال: "جان ماري لوبان وابنته لهما نفس الرؤية، إلا فيما يخص السياسة الاقتصادية، وحزب الجبهة الوطنية لن يشهد أي تغير في العمق. هذا الحزب شأنه شأن أي مؤسسة عائلية تشهد صراعا بين الفينة والأخرى، أما الجديد في الأمر الآن فإن الحزب يريد إبراز مارين لوبان على أنها الشخص الذي يسعى للتجديد في الحزب". مارين لوبان تعد الناخبين الفرنسيين بدولة دون عولمة واعتماد اقتصاد قوي وتعزيز الوطنية وحب الوطن، ولكن في المقابل تعدهم بفرنسا دون أجانب ودون عملة اليورو ودون أوروبا ما عدا الشراكة مع الرئيس الروسي. بوتين، الذي يمول رئيسة حزب الجبهة الوطنية، يرى في مارين لوبان زعيمة وطنية قديرة ومناضلة ضد سياسة الغرب.
مارين لوبان تسعى لكسب الناخبين المحافظين
يتفق جميع المحللين السياسيين في باريس على أن مارين لوبان تسعى إلى القضاء على الجناح اليميني المتطرف المساند لجان ماري لوبان مع الحفاظ على أصوات الناخبين ودعمهم للحزب. يذكر أن جون ماري لوبان قام قبل أربع سنوات خلال جولة مثيرة بتقديم الرئاسة لابنته مارين لوبان. ويرى المحللون أن رئيسة الحزب ترى في الظروف الحالية فرصة لإنهاء حقبة جان ماري لوبان والقطيعة معه لكسب أصوات المعسكر المحافظ. أما سياسي حزب الخضر، يانيك جادوت، فيعتقد أن الحزب اليمني سيصبح بعد هذه القطيعة مع مؤسسه لوبان والانفصال عنه أكثر خطورة مما هو عليه الآن لإخفاء طابعه الحقيقي.