مرشحة انتخابات الرئاسة الفرنسية ماري لوبان- شخصية عصرية بروح قديمة
١٧ مارس ٢٠١٢ما هو الفرق بين الجبهة الوطنية والأحزاب اليمينية الشعبوية الأخرى في أوروبا؟ اتيان فرانسوا، المؤرخ في مركز الدراسات الفرنسية في جامعة برلين الحرة، يرد على هذا السؤال ضاحكاً بمرارة: "لا يحظى أي حزب يميني شعبوي في أي بلد أوروبي بشعبية كبيرة كما في فرنسا، لسوء الحظ". فمن المتوقع أن يمنح نحو 15 في المائة من الشعب الفرنسي صوتهم الانتخابي للجبهة الوطنية في التصويت المقرر في 22 نيسان/ أبريل القادم، حسب استطلاعات الرأي.
وتحصد الجبهة الوطنية منذ أواخر عام 1980 هذا الكم من الأصوات في الجولة الأولى بانتظام، لكنها لم تصل إلى منافسات الجولة الأخيرة إلا في عام 2002. وكان جون ماري لوبان يسيطر على الحزب اليميني الشعبوي لفترة طويلة. وأسس لوبان الحزب الجبهة الوطنية قبل 40 عاماً وكان معروفاً بتصريحاته العنصرية والمعادية للسامية العديدة.
معتدلة وعصرية
تولت مارين لوبان (43 عاماً) زعامة الحزب خلفاً لوالدها في كانون الثاني/ يناير2011. مارين محامية، وهي أصغر بنات لوبان الثلاثة. وتظهر مارين لوبان من خلال المواضيع التي تطرحها، مرونة أكثر من والدها، كما يرى فلوريان هارتليب، الباحث في مركز الدراسات الأوروبية ببروكسل والخبير بظاهرة الشعبوية والتطرف والأحزاب السياسية في الاتحاد الأوروبي. وبشكل عام فإن مارين لوبان تحاول تحديث الحزب وتوجيهه في مسار أكثر اعتدالاً، كما يرى هارتليب.
لكن التشكك في مشروع العملة الأوروبية الموحدة والقومية والدفاع عن سيادة فرنسا هي أجزء لا تتجزأ من برنامج الجبهة الوطنية. أهداف مارين لوبان تتمثل في الخروج من منطقة اليورو، وكذلك الانسحاب من منظمة حلف شمال الأطلسي. أما قضية كراهية الأجانب فهي على رأس أجندة الحزب، حيث تحارب الجبهة الوطنية ضد اختراق المهاجرين، ولاسيما المسلمين منهم، للثقافة والمجتمع الفرنسيين.
مواقف ثابتة
يقول اتيان فرانسوا عن الجبهة الوطنية إنها "حزب احتجاجي بشكل كبير"، ويرى المؤرخ أن مواقف الحزب الأساسية من قضايا معينة لم تتغير، على الرغم من أن مارين لوبان لم تصدر أي تصريحات عنصرية أو معادية السامية. ويضيف اتيان فرانسوا بالقول: "تروج مارين لوبان صورة لنفسها كمدافعة عن العلمانية، أي الفصل بين الكنيسة والدولة، وقيم الجمهورية الفرنسية، وكمدافعة عن الشعب البسيط ضد من هم في مواقع القرار".
لكن فحوى الرسالة التي تحملها، تبقى واضحة: فقد شنت حملة ضد لحوم الحيوانات التي يتم ذبحها بدون تخدير حتى تصفي كل دماءها، أي التي يتم ذبحها وفقاً للشريعة الإسلامية. وتدعو لوبان ظاهرياً إلى احترام قيم الجمهورية واحترام رغبات الشعب الفرنسي، لكنها تحاول في واقع الأمر ومن خلال الفيديوهات على صفحتها الإلكترونية إثارة المخاوف من العادات الإسلامية، التي تدعي لوبان أنها ضارة.
تسأل لوبان في قلق في إحدى الفيديوهات "ماذا عن المخاطر التي تهدد هؤلاء، الذين يستهلكون اللحوم الحلال دون أن يدركوا في كثير من الأحيان ضررها على الإطلاق؟". وتتابع بالقول: "إن المستهلك يراعي تعاليم العقيدة الإسلامية عندما يأكل اللحم الحلال. أين هي قواعد الجمهورية، لماذا لا تفعل الحكومة شيئاً؟ لماذا تتجاهل الأحزاب اليمينية واليسارية هذه الفضيحة؟".
ناخبون من جميع شرائح المجتمع
تستطيع مارين لوبان بمثل هذه التصريحات الوصول إلى كل شرائح المجتمع، وليس فقط المحبطين والمسنين والفقراء، بل والعمال والموظفين أيضاً. عادة ما يختار هذه الأحزاب أيضاً أناس من الطبقة المتوسطة، ممن يشعرون بدرجة من الاستياء ضد المهاجرين أو ممن يخشون تدهور الوضع الاقتصادي، كما يقول الباحث فلوريان هارتلب. ويشير اتيان فرانسوا بالقول: "هناك عدد متزايد ممن يسمون بالمثقفين والشخصيات الاجتماعية، ممن يرون أن الحزب يحظى بمكانة اجتماعية".
يحاول الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي أيضاً استمالة الناخبين عبر الترويج للطروحات ذاتها. وتطرق ساركوزي بسرعة لموضوع "الذبح الحلال" وقضايا الهجرة. وفي هذا الإطار صرح ساركوزي خلال ظهوره في حملته الانتخابية في منتصف مارس/ آذار "إذا لم يحدث خلال عام واحد أي تقدم جدي في شأن حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، فإن فرنسا ستعلق عضويتها في معاهدة شينغن".
اللعب بورقة القومية
وحول شعارات ساركوزي يقول فلوريان هارتليب "إنه يلعب الآن بورقة الوطنية والقومية". إذا خرجت مارين لوبان من سباق الجولة الانتخابية الأولى في 22 أبريل/ نيسان وهو الأمر المتوقع على الأرجح، فإن الكثير من ناخبيها سيمنحون أصواتهم للاتحاد من أجل حركة شعبية، الذي يرأسه ساركوزي، كما يتوقع المراقبون.
وفي حال هزيمة ساركوزي في الانتخابات الرئاسية ضد منافسه الاشتراكي، فرانسوا هولاند، فمن المحتمل أن يحدث تحالف بين المحافظين المعتدلين والجبهة الوطنية لخوض الانتخابات النيابية في يونيو/ حزيران، كما يتوقع فرانسوا اتيان من مركز الدراسات الفرنسية في جامعة برلين الحرة. وحينها قد تلقى الحقوق تقبلاً أكثر في المجتمع الفرنسي، كما يرى.
دافنيه جراتفول/ مي المهدي
مراجعة: عماد غانم