صحافيون لبنانيون في دائرة التجاذبات الإقليمية
٣٠ نوفمبر ٢٠١٣انعكست الاصطفافات الإقليمية في ظل تفاقم الأزمة السورية، طفرةً إعلامية واسعة أتت في سياق خدمة المشاريع السياسية للقوى الإقليمية والدولية المتنازعة، وأدت إلى عمليات استقطاب للكفاءات الصحافية اللبنانية على غرار ما قام به الإعلام السعودي في منتصف الثمانينات من القرن الماضي في وجه الإعلام المدعوم من ليبيا والعراق ومنظمة التحرير الفلسطينية آنذاك.
المشهد لم يختلف كثيراً، فبعد سنوات على نشوء قناة "الجزيرة" القطرية ومن بعدها "الحرة" الأمريكية وبعدها "العربية" السعودية، انتشرت وسائل الإعلام في لبنان والمنطقة، مثل "العالم" و"الميادين" و"آسيا" و"الثبات" الخ المؤيدة للمحور الإيراني. وفي الشهور الأخيرة بدت قطر وإيران في مشهد تجاذب واضح لاستقطاب الصحافيين اللبنانيين، إما عن طريق الإغراء المالي، أو عن طريق الشحن المذهبي، أو من خلال الإقناع السياسي.
بعض الصحافيين، الذين انتقلوا حديثاً إلى مؤسسات إعلامية ممولة من قطر أو من إيران رفضوا الإدلاء بأي تصريح لهذا التحقيق، إما لتفادي الإحراج تجاه أصدقاء في المؤسسات التي عملوا بها سابقاً أوخوفاً من ضياع فرصة مهنية لطالما انتظروها. والمفارقة أن جزءاً من هؤلاء يرفض الاعتراف بتبعية المؤسسة التي يعمل فيها لهذا المحور أو ذاك رغم وضوح ذلك في سياسات المؤسسة.
لعل تجربة الصحافي حسان الزين، نموذج لما يجري من محاولات عمليات استقطاب للصحافيين اللبنانيين، فقد عمل سابقاً في صحيفة "الاتحاد" الإماراتية في أبو ظبي قبل أن يأتي إلى لبنان ليلتحق بجريدة "الأخبار" وبعدها بجريدة "النهار". والآن يعمل سكرتيراً للتحرير في جريدة "السفير".
الكذب للجذب
الزين تحدث لـ "DW عربية، عن تلقيه عرضاً لإنشاء موقع إلكتروني باسم رجل أعمال كويتي، في صيف العام 2011، بعد شهور قليلة على انطلاق الثورة السورية. يقول: "اتصلوا بي على أن أقوم بإنشاء وكالة أنباء عربية وأن أكون رئيس تحريرها. لكن تبين أن رجل الأعمال جاء إلى سوريا ولم يأت إلى لبنان فاضطررت لمقابلته في دمشق حيث اكتشفت أن المشروع لعبة سياسية وهو تابع لسوريا، فرفضت السير به لأني لا أريد العمل لمصلحة أنظمة سياسية".
وبعين المراقب يرصد الزين حركة التجاذب بين وسائل الإعلام على الساحة اللبنانية، معتبراً أن أي مشروع إعلامي قد ينجح حين تكون للدولة الممولة سياسة واضحة، مشيراً إلى ما قامت به السعودية منتصف الثمانينات حين انشأت "الحياة" وقبلها صحيفة "الشرق الأوسط"، قائلاً: "الإعلام السعودي لا يزال الإمبراطور، لكن على مستوى الإعلام الالكتروني تحاول السعودية العمل على تعزيزه وان كان هذا الإعلام من الصعب احتكاره. إذ يمكن التأثير فيه من دون السيطرة عليه".
عن دور قطر المتعاظم في هذه المرحلة، حيث أسست جريدة "المدن" الالكترونية في بيروت وتعمل على إنشاء صحيفة في لندن والدوحة، يرى الزين أن "قطر ذات سياسة مرتبكة، علاقتها بالسعودية وبإيران ملتبسة بعدما عادت عن انطلاقتها الجامحة إثر انطلاق الربيع العربي. أي مشروع قطري إعلامي في هذا الوقت سيكون مرتبكاً وسيشكل خطراً، لذلك هي أمام امتحان صعب. قطر أصبحت على الهامش، إلاّ في حال غيّرت موقفها السياسي وعملت على أساس استراتيجي غير آني".
وعن إيران وحزب الله يقول الزين "نجحوا في مرحلة معينة لأنهم كانوا في حالة صعود خصوصاً بعد حرب 2006، لكن الأزمة السورية أدخلت هذا الإعلام في مرحلة جمود".
محاور إقليمية
الصحافي سامي خليل (إسم مستعار) يعمل في جريدة شبه مستقلة في بيروت وسينتقل قريباً للعمل في الصحيفة القطرية الجديدة. الصحافي الذي لم يشأ كشف هويته دفعاً لأي إحراج مع المؤسسة التي لا يزال يعمل فيها حتى الآن، يعزو لـ DW عربية، هذا الانتقال إلى البحث عن فرص أفضل، قائلاً "المشاريع الإعلامية في العالم العربي لم تكن أبداً مستقلةً، هي دائماً سياسية وتصب حيث يوجد رأس المال. اليوم الأموال محصورة بدول النفط".
عن إمكانية تعايشه مع الإعلام الخليجي سيما أنه ينطلق من جذور سياسية مناقضة، يقول خليل "شغلي مهني بحت، وأذكّر هنا بمقولة للراحل جوزف سماحة (المهم ماذا تكتب ليس المهم أين تكتب)".
حول طبيعة الاستقطاب يرى الصحافي الشاب "أنه لم يبق من مصادر تمويل سوى الخليج وايران، فلا كتلة شرقية ولا منظمة تحرير فلسطينية ولا ليبيا معمر القذافي أو عراق صدام حسين". في نظره أن "الصحف التابعة للخليج حتى الحكومية منها أصبحت ترفع سقف حرية التعبير داخلها للقدرة على مواصلة عملية التنافس مع الآخرين. كذلك كلما خرج الصحافي من دائرة الارتهان لرب عمله كلما أصبحت الوسيلة الإعلامية أكثر قدرة على المنافسة".
اتّهام بالعمالة
الصحافية سالي نوفل، التي عملت لدى مجلة تابعة لفريق 8 آذار، المؤيد للمحور السوري -الإيراني دفعت ثمن انخراطها في عمل محسوب على المحاور الاقليمية، فباتت بلا وظيفة؛ إذ تقول لـ DW عربية: "اعتدنا العمل لدى وسائل إعلام متحيّزة سياسياً أو طائفياً. إذ لتتمكن من العمل، عليك إما أن تنتمي إلى نفس المحور السياسي لهذه الوسيلة أو تلك، أو الانتماء لهذا الدين أو ذاك، حتى وأن ترتدي الزيّ الديني كالحجاب مثلاً، كما في بعض الوسائل الإعلامية المرئية".
تضيف نوفل، أنها درست الصحافة وأثناء دراستها عملت لخمس سنوات في وسيلة إعلامية محسوبة على فريق 8 آذار لاعتقادها أن الخبرة التي ستكتسبها ستساعدها على إيجاد وظيفة تعوّض الجهد الذي بذلته أثناء الدراسة، لكن ذلك لم يتحقق، إذ أن "العكس حصل، فقد قدّمت استقالتي من هذه المؤسسة قبل تخرّجي بفترة قصيرة. وها أنا أعاني في إيجاد وظيفة جيدة بنفس مجال اختصاصي، في بلدٍ مليء بالمحسوبيات والوساطات، وهذا ما أحاول الابتعاد عنه" وتتابع أنها تواجه العوائق فلا أستطيع العمل في وسيلة إعلامية محسوبة على الفريق نفسه "لأنهم قد يعتبرون أنني أصبحت "عميلة" بعد أن قدّمت استقالتي، ولا في وسيلة أخرى محسوبة على الفريق الآخر أي 14 آذار، علماً أني عملت أيضاً مع جريدة الكترونية تابعة لهذا الفريق (14 آذار). ذلك طبعاً لأنهم لن يتفهّموا أني غير مسيّسة وسيعتبرون أني أنتمي للفريق السابق حتماً".
وقد يكون السؤال الذي تطرحه نوفل هو لسان حال الصحافيين الشباب الذين يسألون معها: "أين أجد وسيلة إعلامية غير مسيّسة تأخذ الشهادة والخبرة والكفاءة، لا الانتماء السياسي بعين الاعتبار؟".