"شيخة" تونس أمام تحديات ومشاكل العاصمة
١٣ يناير ٢٠١٩من يريد مقابلة رئيسة بلدية تونس، عليه أن يكون لدية الوقت - الكثير من الوقت. وذلك بسبب الضجة الإعلامية الكبيرة، التي جعلت غرفة الانتظار الخاصة بها مليئة بالأشخاص الذين يرغبون في أخذ موعد لمقابلتها، مواطنون ومسؤولون محليون ومسؤولو المدينة وضباط شرطة وناشطات المجتمع المدني - وحتى السفير الصيني في تونس يرغبون بزيارة مكتب سعاد عبد الرحيم "شيخة" المدينة. "الشيخة" هي مؤنث لـ "الشيخ"، وهو اسم يُطلق على رئيس المجلس البلدي في تونس.
من يدخل مكتبها، سيجد على يسار الباب، طاولة مؤتمرات كبيرة عليها ملفات عديدة في انتظار معالجتها. عمل مُجهد ومثقل بالتفاصيل البيروقراطية. انتخاب عبد سعاد الرحيم، أثار مشاعر متنوعة في جميع أنحاء العالم. ولكن الآن، و بعد مرور حوالي نصف عام على توليها المنصب، يجب عليها تقديم حلول للتحديات الكثيرة التي تواجه المدينة: البنية التحتية المتهالكة، الاختناق المروري المستمر، وفوضى الباعة المتجولين.
أزمة القمامة في العاصمة
قبل كل شيء، تريد سعاد عبد الرحيم حل مشكلة القمامة في تونس. خاصة في المساء عندما تتكدس أكوام النفايات في شوارع البلدة القديمة. عندما تتجول رئيسة البلدية في المدينة، يشتكي السكان لها باستمرار عن قلة النظافة في شوارع المدينة، وتقول عبد الرحيم موضحة: "نقص الموظفين والإمكانيات اللوجستية لا تسمح لنا بالتواجد في كل شارع وزقاق في تونس". ميزانية المدينة قليلة لضمان خدمة أفضل للتخلص من القمامة. وتريد "الشيخة" حل المشكلة من خلال المزيد من إعادة التدوير والشراكات مع مستثمرين من القطاع الخاص، وبهذا الخصوص تقول:"نحتاج إلى أطر قانونية جديدة. بعبارة أخرى، يمكن أن يستغرق ذلك بعض الوقت".
بعد انتخابها في صيف عام 2018، شكك العديد من التونسيين في قدرة سعاد عبد الرحيم على معالجة وحل هذه المشاكل العديدة، لأنها ليست أول امرأة تتولى هذا المنصب فحسب، بل وُلدت في مدينة صفاقس وليس في تونس، لهذا فهي ليست واحدة من عائلات النخبة في العاصمة، التي يأتي منها رؤساء البلديات. وهذا بعض ما ينقصها في هذا المنصب. "في تونس، لا تزال العقلية الذكورية هي المهيمنة، وخاصة في بعض المواقف التي لها ارتباط بالسلطة. وكأن السلطة حكر على الرجال فقط، وكما لو كان مناصب الإدارة العامة محجوزة لهم فقط" كما تقول عبد الرحيم في مقابلة لها مع DW.
وعلى الرغم من تمتع المرأة التونسية بالحقوق بشكل أكبر مقارنة بنساء سائر الدول العربية، فإن ذلك لا يترجم على أرض التطبيق، وبهذا السياق تقول رئيسة البلدية، أنه بالرغم من ذلك لا يوجد تساوي في الفرص بين أي فرصة الرجال والنساء في تونس. وتصف سعاد عبد الرحيم انتخابها لمنصب رئيسة البلدية بـ "الانتصار للمرأة التونسية" لأنه من خلال تبوئها هذا المنصب، الذي ظل حكراً على الرجال، قد كسرت "المحرمات" و "التقاليد، التي جعل منها المجتمع قانوناً له ".
انتقادات من ناشطات في مجال حقوق المرأة
لكن الناشطات النسويات التونسيات لديهن موقف متشكك عن سعاد عبد الرحيم. وتقول الناشطة في مجال حقوق المرأة ليلى الشابي إن "كل أولئك الذين يعملون من أجل المزيد من المساواة ، يجدون تولى امرأة الآن لهذا المنصب الرفيع أمراً جيداً مبدئياً. لكن عبد الرحيم لم تُصبح رئيسة البلدية من خلال انجازاتها. وهي ليست مناضلة من أجل حقوق المرأة، لأن "تونس صغيرة، وجميع المناضلات من أجل حقوق المرأة يعرفن بعضهن البعض" ، وتُضيف الشابي، "حزب النهضة هو من رفع من مستواها كي تتولى هذا المنصب. وقد ساعدها في ذلك الوزن السياسي لحزب النهضة". وتتهم الشابي و العديد من الناشطات في مجال حقوق المرأة، سعاد عبد الرحيم بتوظيفها من قبل حزب النهضة الإسلامي المحافظ من أجل مصالحه. لأن رئيسة البلدية رشحت نفسها ضمن قائمة النهضة ضد الحزب العلماني المعارض "نداء تونس". وقالت الشابي إن حزب النهضة أراد تمليع صورته، من خلال انتخاب امرأة، وتُضيف: "لكن الحزب ضد التقدم. و يريد إلى سلب الحقوق التي كافحت من أجلها النساء".
وكمثال على ذلك، تذكر الشابي حق المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة: وهو مشروع قانون حكومي جديد يقضي بالمساواة في تقسيم الإرث بين النساء و الرجال. ويُثير حالياً هذا الموضوع كثيراً من الجدل في تونس. وبحسب الناشطة في حقوق المرأة فإن هذا الموضوع بالذات، يضع رئيسة البلدية أمام اختبار، لأن حزبها ضد المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة. وبحسب الشابي، فإن ذلك سيُظهر ما إذا كانت سعاد عبد الرحيم تناضل بشكل فعلي من أجل قضية المرأة، أو أنه يجب عليها التحرك ضمن الإطار الأيديولوجي لحزب النهضة.
"لا وجود للسياسة داخل مجلس المدينة"
هذا بالضبط ما لا تريده عبد الرحيم: اقحام نفسها في السياسة. كلما كان الحديث عن منتقديها وخصومها، تصبح أقل دقة، ولا تذكر أسماء، ولا تهاجم أحداً. وترى رئيسة البلدية، السيدة البالغة من العمر 54 عاماً، نفسها أكثر كمسؤول إداري. وتقول عبد الرحيم إن مجلس المدينة هو هيئة إدارية تنفيذية، وتُضيف بالقول: "لا نحتاج إلى المزيد من الصراعات السياسية داخل مجلس المدينة". وترفض عبد الرحيم بشدة، الاتهام القائل بأن حزب النهضة يوظف رئيسة البلدية كمدخل سري من أجل خدمة أجندته الإسلامية، وعن هذا تقول:" لا، في مجلس المدينة يجب على الجميع العمل بشكل متناغم، ولا يمكن الحديث عن أجندة معينة لجدول أعمال رئيسة البلدية ".
تُفضل عبد الرحيم التحدث عن أهدافها في المنصب الجديد. وفي كل مرة توجّه المحادثة إلى موضوع "الإدارة المحلية"، وتقول:" يجب أن ترسخ تونس اللامركزية وأن لا تُدار مركزياً، كما كان من قبل". وتريد رئيسة البلدية منح البلديات ومجالس المدن المزيد من الاستقلالية: "المركزية: كانت الدافع وراء ثورة الشعب التونسي وأوجدت اختلافات كبيرة بين المناطق. في حين تسمح اللامركزية بتحقيق المزيد من الإنصاف".
"لقد دخلت حرباً"
لكن السؤال حول كيف ستستطيع إنجاز ذلك، يبقى مفتوحاً، لأنها تقول بنفسها أنها تخشى أن تشتت في زحمة العمل اليومي وتغفل الأهداف طويلة المدى . وذلك لأن الوضع السياسي والاقتصادي المتوتر في تونس منذ اندلاع الثورة قبل تسع سنوات، يجعل عملها أصعب. ويشهد البلد الصغير، الواقع في شمال أفريقيا، باستمرار موجات احتجاج عنيفة، لا سيما في المناطق الأفقر في الجنوب. ويتظاهر الناس في تونس ضد البطالة المرتفعة والفساد والبيروقراطية المتضخمة. كما إنّ إحداث تغيرات على الهياكل الإدارية المحلية والإقليمية بشكل أساسي في هذا الوضع المتأزم والحرج لن يكون بالتأكيد مهمة سهلة أمام رئيسة البلدية.
في شارع الحبيب بورقيبة النابض بالحياة في وسط العاصمة تونس، لا يعرف العديد من الشباب والمراهقين اسم سعاد عبد الرحيم. ربما لأنهم أقل اهتماماً بقضايا الحكومة المحلية. لكن الشيخة تحصل على بعض المديح من المارة الذين يعرفونها. إنهم فخورون لأن مجلس بلدية تونس تترأسه امرأة ووسائل الإعلام الدولية مشغولة بالحديث عنها. وتقول إحدى السيدات أنها لا تهتم إذا كانت عبد الرحيم تنتمي إلى حزب النهضة الإسلامي المحافظ، وتقول: "نحن جميعاً مسلمون"، وتُضيف: "الشيء الرئيسي أنها ليست أصولية".
سيدة كبيرة في السن، ترتدي الحجاب وتضع نظارات شمسية كبيرة، تقول معبرة عن رأيها بشكل حذر: "سعاد عبد الرحيم لم تجلس في المنصب منذ فترة طويلة، عليها أن تثبت نفسها أولاً. وهذا لن يكون سهلاً عليها، لأن تونس تمر بفترة حرجة، وضع البلد هش للغاية. ورئيسة البلدية تدخل معركة، أو بالأحرى حرباً كبيرة ".
نادر الصراص/ إ. م