شهداء ثورة مصر حصلوا فقط على محطة باسمهم
٣١ ديسمبر ٢٠١٤هل تعلم لماذا خضنا الثورة في مصر؟ يسألني الناشط السياسي علي (اسم مستعار)، ويضيف دون أن يسمع مني جوابا على سؤاله: من أجل الحصول على محطة مترو تحمل اسم شهداء الثورة، بدلا من اسم مبارك. هذا الحديث دار بيننا بعد النطق بحكم البراءة لمبارك، أثناء جلوسي مع علي بإحدى المقاهي بميدان التحرير بالقاهرة. التعليق المضحك الذي أراد علي أن يضفيه على الجلسة لم يُضحك أيا من الموجودين، لأنه عكس واقعا مرا تعيشه مصر بعد مضي حوالي ثلاث سنوات ونصف السنة من عمر الثورة.
براءة لمبارك ومحطة مترو للشهداء
في شتاء 2011 كان علي ناشطا في الثورة المصرية وهي في ذروتها وعنفوانها. خاطر بنفسه للتظاهر في ميدان التحرير من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية. وشاهد كيف سقط الناس قتلى هناك، كما تم اعتقاله مرتين في العام 2012 ولا زال العديد من أصدقائه رهن الاعتقال حتى مع قدوم الرئيس عبد الفتاح السيسي للسلطة، و"بدلا من أن تسير الأمور نحو الأفضل، سارت نحو الأسوأ"، كما يردد علي.
وبعد أن كانت السيطرة على شوارع القاهرة للثوار، أصبحت بأيدي قوات الأمن التي تقمع أية تظاهرة ضد النظام، كما حدث بعد الحكم ببراءة مبارك في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حيث فرقت قوات الأمن الآلاف من المتظاهرين، الذين خرجوا للتعبير عن غضبهم ورفضهم للحكم الصادر.
ويقول علي "لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي يخرج بها أعداد كبيرة من المتظاهرين، منذ سقوط الرئيس المخلوع محمد مرسي في حزيران/ يونيو 2013. الكثيرون خرجوا للشارع، حتى أنا خرجت للمشاركة. لكن قوات الأمن فاجأت الجميع بإطلاق النيران على المتظاهرين، دون سابق إنذار. جريت مبتعدا ولمحت العديد من المتظاهرين ممن سقطوا أرضا بفعل الغاز المسيل للدموع الذي أطلقته قوات الأمن". وبحسب البيانات الرسمية للدولة، فإن شخصين قتلا على الأقل وجرح حوالي 15 متظاهرا.
خنق المجتمع المدني
هذا التصعيد العنيف كغيره من التجاوزات الأخرى لم تحقق به الدولة، ولم يتخذ بحق المسؤولين عنه أية إجراءات عقابية. الدولة تريد أن توصل رسالة أنها قائمة على القمع والعنف. هذه الرسالة وصلت المتظاهرين كما وصلت علي أيضا، الذي يعمل محاميا مع منظمة لحقوق الإنسان، التي تدافع عن الناشطين السياسيين ومنتقدي الحكومة أمام المحاكم القضائية، إلا أن علي سيفقد عمله قريبا، لأن هذه الجمعية سوف تغلق أبوابها.
يقول علي: "عمل مؤسسات المجتمع المدني كان نتيجة الثورة في 2011 ، فهو أعطى منصة للنضال، من أجل نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في المجتمع المصري. لكن الآن، فإن الوضع يختلف، الدولة تريد أن تحكم قبضتها على مؤسسات المجتمع المدني بحجة أن هذه المؤسسات تتلقى أموالا من الخارج.
التدخل بالعمل الصحفي
وفيما يعتبر تدخلا مباشرا بحرية العمل الصحفي، فإن الدولة بدأت تنظر بعين الشك إلى المراسلين الأجانب المتواجدين على الأراضي المصرية، حيث زارت أجهزة الأمن هؤلاء المراسلين للتحري عن ماهية عملهم، فيما حصل بعضهم على تحذيرات من نشر أية سلبيات تتعلق بالدولة، مثل انتقاد الأحكام القضائية أو إعداد تقارير تتحدث عن الفقر في المجتمع أو غياب العدالة الاجتماعية. وأبلغت أجهزة الأمن الصحفيين بأن التصوير الخارجي غير مسموح به دون أذونات مسبقة صادرة عن الدولة.
ويؤكد علي بأن "هذا التدخل في العمل الإعلامي للمراسلين الأجانب يعتبر تمويها من الدولة، لأن أجهزة الأمن لا تسمح حتى للإعلاميين المصريين بانتقاد أي من سياساتها. فقط الأجهزة الإعلامية المقربة من الدولة لها مطلق الحرية في العمل دون إزعاج، وذلك لمدح إنجازات السيسي".
علي فقد الأمل في أي تغيير، فهو يتمنى مغادرة البلد حاليا، لكن إلى أين؟ فحامل الجواز المصري غير قادر على التحرك الحر بدون تأشيرات سفر لأي من البلدان التي قد يراها علي مناسبة. فقط لبنان أو تركيا تسمحان بالسفر للمواطن المصري دون تأشيرة مسبقة، لكنهما تنتهجان قوانين صارمة. والآن أصبح الأمر أصعب للمصريين، حيث أعلنت السلطات المصرية مؤخرا أن السفر إلى هذين البلدين يتطلب إذنا مسبقا من الدولة المصرية، مما يعني تقديم الأوراق إلى الدوائر الأمنية ومراجعتها، وهو ما يحاول علي أن يتجنبه حاليا.