شكسبير والإسلام: مغربيّ البندقية يمد الجسور بين الشرق والغرب
منذ أن أعلن جورج بوش بالاشتراك مع توني بلير "الحرب ضد الإرهاب" لم تعد المجموعات الدينية المختلفة المتعايشة في لندن ذات التنوع الثقافي الحقيقي تحيا جنبا إلى جنب في جو تسوده اللامبالاة. "لقد لاحظنا تصاعدا عاما لمشاعر الخوف والريبة تجاه المسلمين" يقول شير خان عضو المجمع الإسلامي في بريطانيا.
يقيم حوالي مليونين من المسلمين في بريطانيا. وهناك محاولات لمواجهة الأوضاع بشيء من الفكاهة: فمن لا يشعر بالانفراج لرؤية تي شيرت قد طبعت عليه عبارات:’’Don’t panic I’m Islamic’’ (لا تفزع، إنني مسلم)؟ إلى جانب ذلك هناك محاولة أخرى ذات طابع أقل ازدواجية بكل تأكيد ولكنها أطول نفَسا وتتمثل في اللقاءات الثقافية النشطة.
منديل الجيب المصري
هناك اهتمام متزايد بالفضاء الثقافي الإسلامي والشرق أوسطي يمكن للمرء أن يلاحظه داخل المشهد المسرحي البريطاني. تشهد على ذلك أعمال مسرحية مثل "The Arab-Israeli Cookbook" (كتاب الطبخ العربي الإسرائيلي) التي عرضت على خشبة Gate Theatre، أو عرض مسرحية "Women of War" (نساء الحرب) للمخرج جواد الأسدي.
إلا أن المسرح البريطاني الذي كان له اهتمام بهذا الموضوع امتد على مدى زمني أطول هو الـGlobe Theatre اللندني. خلال شهر ديسيمبر/كانون الأول احتفل للمرة 400 بالعرض الأول للنسخة المكتوبة لـ"Othello,the Moor of Venice" (عطيل مورو البندقية).
وعبارة "a moor" كانت في زمن شكسبير، كما هو الحال اليوم أيضا، تستعمل للتدليل على عرب شمال إفريقيا ومن ثم على كل مسلم. باتريك سبوتيسوود مدير القسم التثقيفي في مسرح "الغلوب" يفصّل القول في المسألة بأن كل شيء يشير إلى أن عطيل شكسبير من أصل مغربي.
ويبدو أن المسرحية قد جاءت من وحي الزيارة المهيبة التي قام بها سفير المغرب لأنكلترا سنة 1600: "من الغزو العثماني لقبرص وصولا إلى منديل جيب ديسدومنا الشهير الذي كان من نتاج منسوجات مصر يتكثف حضور الإحالات على الفضاء الإسلامي."
استغل القسم التثقيفي لمسرح "الغلوب" هذه الذكرى السنوية لعقد اتصالات بالمجمع الإسلامي البريطاني Islamic Society of Britain وعدد آخر من المنظمات من أجل إرساء ما عمّد بموسم "شكسبير والإسلام".
والهدف المنشود من وراء ذلك هو القيام ببحث في المواقف الإليزابيتية من العالم الإسلامي. ويتمثل جزء من المهمة التي ينهض إليها "الغلوب" في السعي إلى فهم أفضل لشكسبير عن طريق التحقيق في السياق الاجتماعي والسياسي الذي نشأت داخله أعماله المسرحية. كما يرى "الغلوب" في هذا أيضا فرصة لكي يحقق من موقعه كحامل متميز للثقافة الإنكليزية تواصلا مع الثقافة الإسلامية داخل بريطانيا العظمى الحالية.
تأويلات إسلامية
يحتل "عطيل" موقع المحور المركزي داخل المجال العريض لبرنامج النشاطات. ومن بين ما يعرضه البرنامج "ورشات عمل للشباب" باللغتين الإنكليزية والعربية وكذلك قراءة ممسرحة للنص المسرحي الذي كتب لأول مرة سنة 1622 والذي قلما تم عرضه على تلك الصيغة.
تقدم إلى جانب ذلك أيضا نصوص مسرحيات أخرى من عصر شكسبير تدور وقائعها داخل العالم الإسلامي أو تتضمن شخصيات إسلامية تلعب دورا مهما داخلها، نصوص ينفض عنها الغبار ممثلون يقرأونها من نسخ يمسكون بها فوق الخشبة، من بينها مسرحيات منسية كان لها نجاح كبيرفي القرن السابع عشر مثل "Emperor of the East "-(إمبراطور الشرق) لفيليب ماسينجر و "The Battle of Alcazar "-(معركة القصر) لجورج بيله.
في إطار سلسلة من المحاضرات المرافقة يقدم عالم الأديان الأميركي الشيخ حمزة يوسف تأويلات إسلامية للقصائد الغنائية لشكسبير. تحت عنوان ‚The Iago Factor: Obstacles on the Path of Peace’-(عامل إياغو: عقبات على درب السلام) يسلط الإنارة على مسألتي الحرب والسلم في مسرحية عطيل ويستخلص علاقات تشابه الأوضاع السياسية الحالية. أما الأكاديمي اللندني د.مارتن لينغس فيكشف لجمهوره إشارات إلى الفكر الصوفي في "عطيل". جهود قراءات واكتشافات كثيرة.
وبالفعل كان الإسلام في عصر شكسبير يلعب دورا لا يستهان به، وكانت الأفكار الإليزابيتية وما يحف بها من مخاوف وآمال بشأن الإسلام تجد لها انعكاسا داخل أعمال الشاعر ومعاصريه. كانت الإمبراطورية العثمانية ما تزال تمثل خطرا متربصا في ذلك الزمن:
ففي سنة 1570 غزا الأتراك جزيرة قبرص بطريقة عنيفة دموية. وفي الوقت نفسه كان المغرب المستقل عن سلطة القسطنطينية أهم حليف لأنكلترا ضد إسبانيا الكاثوليكية.
بل إن الملكة إليزابيت وملك المغرب كانا يغذيان مشاريع استعمار مشترك لأميركا. وتفيد بعض المصادر بأن شكسبير قد قرأ كتاب ريتشارد كنوللة ‚General History of the Turks’ (التاريخ الكامل للأتراك) ونجده يحيل على الإسلام في 141 موقعا من 21 مسرحية، ويذكر النبي محمد والمغرب والقسطنطينية والأتراك والعثمانيين والسارازانيين(الإسم المتداول للمسلمين في أوروبا) والسلاطين والمورو.
"قراءات من خلال السوق"
إلا أن "الغلوب" يمد الجسور مع الحاضر أيضا. فقد سلطت حصص "قراءات في السوق" الأضواء على أهمية الإسلام ماضيا وحاضرا في أنكلترا. في الأثناء كانت الباحة الداخلية للقصر قد تحولت إلى سوق عربية. وقد تنوعت معروضات تلك السوق من البهارات مرورا بالخط العربي وصولا إلى العروض المسرحية المشرقية التي تقام في الأسواق. هذا الاختبار الحسي للثقافة الإسلامية، متعاضد مع تظاهرة ‚Islam Awarness’(الأسبوع البريطاني للتعريف بالإسلام) قد استقطب هذه السنة ما يزيد عن الـ10 آلاف زائرا.
وقد قوبلت فعاليات "الغلوب"، بصرف النظر عن بعض التعليقات الخبيثة التي لا مناص منها على صفحات الإنترنت، استقبالا إيجابيا على العموم. ولم يتوقف هذا الاستقبال الإيجابي على الصحف اليومية البريطانية والمنشورات الإسلامية الأنغلوفونية فقط.
سبوتيسوود يروي أنه تبادل الحديث مع سائق تاكسي مسلم لم يكن يتوقف في اهتمامه بأنشطة الغلوب على مجرد الاهتمام الشخصي فقط، بل إنه عرّف بها وأبلغ أخبارها إلى جامعَين.
ومن خلال الاهتمام الذي لقيته هذه المبادرة برز إلى الوجود مشروع استمراري لهذه الفعاليات. خلال 2005 سيقوم "فريق غلوب للتثقيف" بجولة عبر 60 مدرسة بريطانية محملا بورشة عمل شكسبيرية ثقافية موسعة.
وسيكون على هذا المشروع أن يمكن التلامذة المسلمين من التعرف على جزء من تراثهم الثقافي الخاص داخل الأعمال الكلاسيكية الإنكليزية، ومن تقاسم هذا التراث مع أصدقاء المدرسة. وفي إطار هذه الورشة، ومن أجل اقتراب أكثر من عالم عطيل ومعرفة أفضل بعالمهم الخاص سيقوم كل الأطفال معا بزيارة كنيسة وجامع.
بقلم باتريسيا بينيكه
عن صحيفة Zürcher Zeitung 6 ديسمبر/كانون الأول 2004.
ترجمة علي مصباح
المصدر: www.qantara.de