"شركات العنوان البريدي"- غسيل للأموال وتهرب ضريبي
٦ أبريل ٢٠١٦حسب ما كشفت عنه "وثائق بنما" فإن كل من لاعب كرة القدم ليونيل ميسي، والرئيس الأوكراني بترو بورشينكو، والرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري، والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وأمير قطر السابق حمد بن خليفة، وابن خال الرئيس السوري رامي مخلوف وغيرهم امتلكوا أو لا يزالون يمتلكون حتى اللحظة شركات وهمية والتي يطلق عليها صفة "شركات العنوان بريدي". وقد سمحت هذه التسريبات من مكتب الخدمات القانونية "موساك فونسيكا" بالإطلاع على 214 ألف شركة من هذا النوع.
عادة ما تكون هذه الشركة عبارة عن عنوان لصندوق بريد، غير أن هذا العنوان مهم للغاية. فمن خلاله يتم الحصول على مقر للشركة الوهمية. وتقوم السلطات المالية في دول "شركة العنوان البريدي" بجباية ضرائب منخفضة جدا على أموال وأعمال الشركة. وهذا هو السبب الذي يدفع بالكثيرين لتسجيل شركاتهم في تلك الدول، لأن نسبة الضرائب والجبايات في بلدانهم الأصلية تكون أعلى بشكل ملحوظ. ويحقق صاحب الشركة مكسب آخر: فلشركة يديرها غالبا شخصا آخر غير الأشخاص الممولين، فتبقى أسماؤهم خفية عن المتابعة الضرائبية في بلدانهم. كما يمكن بواسطة تلك الشركات إخفاء حركة الأموال، مما يساعد على غسل الأموال غير الشرعية ومضاعفة الأرباح.
مالكو شركات العنوان البريدي مجرمون؟
لا يعد امتلاك شركة خارج حدود الدولة خرقاً للقانون، عدا إن كانت عبارة عن "شركة عنوان بريدي". ويتساءل الخبير الضريبي وعضو البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر، سفن غيغولد:"لماذا يتحمل مالك الشركة هذا العناء؟" ويجيب الخبير: "يتم ذلك، عندما يكون لديه شيء يخفيه عن بلده الأصلي".
الإشكالية القانونية تتجلى في أنه لا يمكن للسلطات المالية في البلد الأصلي لمالك الشركة استيفاء الضرائب على الأرباح. وهذا نوع من التهرب الضريبي، وبموجب "مبدأ الدخل العالمي" يلزم دفع الضرائب في البلد الذي يعيش فيه الشخص.
شركات للأثرياء فقط؟
مبدئيا يمكن لأي شخص فتح مثل هذه الشركة الوهمية، ولكن ما الفائدة من ذلك؟ ويجيب عضو البرلمان الأوروبي قائلا: "لا شيء!" لأنه يجب جني أرباح عالية من مثل تلك الشركات التي تحتاج إلى استثمارات ضخمة، على خلاف الموظف العادي الذي يقتطع من راتبه ضرائب بشكل مباشر. ولذلك فقلما يمكن لذوي الدخل المنخفض فتح مثل تلك الشركات.
وعلاوة عما سبق ذكره، فقد تكون الخدمات التي تقدمها مكاتب الخدمات القانونية، مثل موساك فونسيكا، باهظة التكاليف. يمكن تفهم مثل هذه الخطوة لو كانت هناك عدم ثقة لدى المستثمرين بالنظامين البنكي والقانوني في البلد الأصلي، كما يقول غيغولد، مؤلف كتاب "تجفيف الملاذات الضريبية". ويتابع: "السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تشكل بنما الملاذ الضريبي الأول على مستوى العالم؟"
ما استفادة السلطات الضريبية من "وثائق بنما"؟
حسب المعلومات الأولية من "وثائق بنما" فإننا نعرف الآن أن بعض مشاهير الرياضيين والساسة متورطون في"شركات العنوان البريدي". وتتيح هذه الوثائق للسلطات الضريبية إمكانية جديدة لملاحقة المتهربين من دفع الضرائب. "يتوجب الآن على السلطات الضريبية التأكد من أسماء الشركات الأنفة الذكر في الكشوف الضريبية للساسة والرياضيين الواردة أسماءهم في وثائق بنما "، حسب غيغولد. فهل تم تدوين كل المداخيل المالية للأشخاص الواردة أسماؤهم؟ وهل تم استيفاء ضرائب عليها؟ "في حال الأوربيين الواردة أسماؤهم في القائمة فإنه يمكننا القول إنهم لم يدونوا كل مداخليهم ولم يدفعوا ضرائب عليها".
ما الذي يمكن فعله حيال تلك الشركات؟
"مفتاح القضية بيد المصارف"، هذه هي قناعة غيغولد. لا يريد مالكو "شركات العنوان البريدي" إيداع أموالهم في بنما أو في ملاذات ضريبية فقط. فهم يودون تشغيل أموالهم. ولم يكن من العبث أن ظهرت في "وثائق بنما" أسماء عريقة لمؤسسات تمويلية ومصارف- بعضها ألمانية- فهذه المصارف والمؤسسات تفتح حسابات لأصحاب الشركات، وهم يودعون فيها أموالهم، وهي لاتسأل أصحاب الشركات عن مصدرتلك الأموال. لذلك فإن غيغولد يطالب كل البنوك بالإبلاغ عن كل شخص يقوم بمعاملات اقتصادية مع أي من دول الملاذات الضريبية.
لقد كان للولايات المتحدة تجربة في هذا المضمار. يتوجب على جميع البنوك السويسرية إبلاغ السلطات الأمريكية عن كل مواطن أمريكي تتعامل معه. وبالطبع فإن هذا خطوة أولى، لأنه يمكن للمالكين نقل أموالهم إلى مكان آخر- إلى بنما على سبيل المثال.
أضرار "شركات العنوان البريدي"
تتزايد الضغوط للقيام بشيء ما: فمن جهة، تخسر الدول مداخيل ضخمة بسبب التهرب الضريبي. ومن جهة أخرى يحصل الضرر المالي الأكبر بسبب ما تساهم به مثل هذه الشركات في جعل الجريمة مغرية وجذابة، كما يقول غيغولد. "فلولا وجود هذا النظام المالي القذر، الذي يوفر ملاذاً آمناً، لما زادت التجارة بالمخدرات بالسلاح" والكلام دائما للخبير.
وللمسألة تأثيرات اجتماعية خطيرة؛ فعندما يتمكن الأثرياء من التهرب من الضرائب ولا يمكن تقديمهم للعدالة. "سيدمر هذا على المدى الطويل الثقة في الديمقراطية وحكم القانون"، كما يستخلص الخبير الضريبي.