شرطة وقوات بحرية المانية الى لبنان وسط استمرار الجدل الداخلي
١٧ أغسطس ٢٠٠٦أعلنت ألمانيا على لسان سفيرها لدى الأمم المتحدة، توماس ماتوسيك، أن بلاده ستساهم في القوة الأممية بقطع بحرية تكون قادرة على مراقبة السواحل اللبنانية لمنع تهريب الأسلحة إلى حزب الله بحرا. ويأتي هذا العرض الألماني بعد أن استبعدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، عقب لقاء أجرته مع رؤساء الفرق النيابية في البرلمان الألماني، المساهمة بقوات عسكرية برية. لكن برلين عرضت أيضا وحدات من الشرطة وحرس الحدود وجمركيين لمراقبة الحدود السورية اللبنانية.
وفي نيويورك أعلن الأمين العام المساعد للأمم المتحدة، مارك مالوك براون في ختام اجتماع ضم مندوبين من 49 بلدا إن مسألة نشر القوات الدولية في لبنان مازالت قيد الدرس. وأضاف بأنه رغم تلقي الأمم المتحدة أمس عروضا للمساهمة فيها، فإنها ما تزال غير قادرة بعد على تشكيل طليعتها المكونة من 3500 رجل ترغب في نشرهم سريعا. وذكر أن المنظمة الدولية تسلمت حتى الآن كثيرا من العروض المهمة كان البعض منها حازما والبعض الآخر مشروطا. غير أن المسؤول الأممي اعترف كذالك بأن المنظمة شعرت "بخيبة أمل" لأن فرنسا التي كانت يعول عليها في تشكيل العمود الفقري، إذ أنها لن تبدي استعدادها لتقديم سوى 200 جندي يضافون إلى القوة الموجودة حاليا في الجنوب اللبناني.
رسمياً ...
وفي الوقت الذي قررت فيه الحكومة الألمانية المشاركة في القوات الدولية إلى لبنان ما زال الجدال محتدما في الأوساط الرسمية والشعبية حول ذلك. رئيسا الحزبين الليبرالي غيدو فيسترفيله والمسيحي الاجتماعي البافاري إدموند شتويبر ما زالا يرفضان رفضا قاطعا مشاركة ألمانية فيها. يبدو أن الحزبين الحاكمين المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي متفقان على ضرورة ذلك. ووفقا للاتفاق المبدئي، فإن الجيش الألماني "بوندسفير" سيشارك من خلال قوات ستأخذ على عاتقها مراقبة الطرق البحرية قبالة السواحل اللبنانية والإسرائيلية وكذلك من خلال قوات شرطة سترابط على الحدود اللبنانية السورية. الجدير بالذكر أن المسؤولين الألمان ـ حسب مصادر حكومية ـ استبعدوا مشاركة قوات إسعاف أو وحدات مقاتلة أو مروحيات في القوة الدولية المزمع إرسالها. وفي هذا الخصوص، كرر خبير الشؤون الخارجية في الحزب المسيحي الديمقراطي كارل لامِرز أن الحديث "لا يدور عن نزهة إذا قررت ألمانيا إرسال جنودها إلى منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر من أخطر مناطق الأزمات في العالم." وأكد المسؤول في حديث مع إذاعة "راديو ألمانيا" على ضرورة عدم تورط القوات الألمانية في عمليات قتالية.
وشعبياً ...
يبدو للمراقب أن الرأي العام الألماني منقسم على نفسه بخصوص مشاركة جيش بلاده في قوة دولية. ورغم ذلك، يمكن القول إن غالبية المواطنين الألمان الذين تحدث إليهم موقعنا تؤيد إرسال جنود ألمان إلى الشرق الأوسط، ولكن بعد تفكير متمعن في المهام التي ستلقى على عاتقهم. في هذا الشأن قال كارل (موظف، 30 عاما) إنه يجب "تحديد شكل هذه المشاركة والظروف التي ستتم في ظلها." وعن عقدة الذنب الألمانية المرتبطة بصفحة التاريخ الألماني السوداء (الحقبة النازية والمحرقة) ذكر أنه لا يمكن له "أن يتصور قيام جندي ألماني بإطلاق النار على جندي إسرائيلي،" الأمر الذي يرفضه رفضا قاطعا. أما شتيفان ك. ( 34 عاما) فإنه أعرب أيضا عن تأييده للمشاركة، ولكن تحت شروط أهمها قيام وحدات الجيش الألماني بدور متواز لا يخدم لا مصالح حزب الله والجانب اللبناني ولا الجانب الإسرائيلي. وفي حين لاحظنا أن الشباب الألماني يؤيد ـ تحت شروط ـ المشاركة المحتملة ويحاول التحرر من عقدة الذنب التاريخية تجاه المحرقة، فإننا استطعنا تسجيل رفض للمشاركة عند المتقدمين في السن. إلى ذلك جزم غونتر س. ( 72 سنة) بالقول إن "مجرد التفكير في الجرائم التي ارتكبها النازي بحق اليهود تمنعني من تأييد إرسال جنود ألمان إلى الشرق الأوسط قد يكونون مضطرين إلى إطلاق النار على إسرائيليين." أما هيلغه م. (69 عاما) فقد جاء موقفها أيضا رافضا للمشاركة.
ودبلوماسياً ....
إذا ألقى المرء نظرة متفحصة على الجهود الدبلوماسية الألمانية في الأسابيع الماضية والزيارات المتكررة التي قام بها وزير الخارجية شتاينماير (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) للشرق الأوسط، لا يسعه سوى القول إن الدور الألماني في فض النزاعات المسلحة وخاصة في منطقة الشرق الأوسط لا يستطيع أحد إنكاره، وإنه لا يوجد وزير خارجية دولة غربية أخرى يعكف على بلورة حلول سلمية للصراع في هذه المنطقة مثل الوزير الألماني شتاينماير. ولا تقتصر جهود برلين الدبلوماسية على الزيارات، بل أن شتاينماير يعي تماما أن التوصل إلى حل سلمي للصراع يتطلب إشراك دمشق في العملية التفاوضية. صحيح أن الوزير الألماني ألغى أول أمس زيارة معلنة كان من المقرر أن يقوم بها للعاصمة السورية، عازيا ذلك إلى الخطاب الذي ألقاه الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أنه عاد أمس ليؤكد من جدة بعد لقاء مع نظيره السعودي الأمير سعود الفيصل على ضرورة أن تلعب سوريا في المستقبل دورا في الجهود الدولية الساعية إلى حل سلمي للنزاع العربي الإسرائيلي. كما أن الوزير الألماني يعرف أن دورا رئيسيا لألمانيا في الشرق الأوسط لا يمكن تحجيمه على الزيارات والجهود الدبلوماسية، بل أن هذا الدور يتطلب أيضا مشاركة ألمانية في قوة حفظ السلام الدولية. إذا، يمكننا دون شك ملاحظة حماس ألماني للمشاركة في قوة حفظ السلام، سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي أو الدبلوماسي، ولكن هذا الاستعداد والحماس كان مقرونا ـ وفقا لاستطلاعاتنا ـ بشروط محددة.
ناصر جبارة