شبح المقاطعة يهدد نجاح الانتخابات البرلمانية في الجزائر
٢٩ أبريل ٢٠١٢أقرت أغلب التشكيلات السياسية المشتركة في الانتخابات التشريعية القادمة بفشل الحملة الانتخابية في أسبوعها الثاني، وتحدثت عن استمرار الفتور الذي خيم على الأسبوع الأول منها، وتُرجع الأحزاب سبب ذلك إلى سوء التحضير من طرف جميع أطراف العملية الانتخابية، بالإضافة إلى الظروف العامة التي تزامنت مع انطلاق الحملة، والمتمثلة في إعلان الجزائر حالة الحداد إثر وفاة الرئيس الأسبق الراحل أحمد بن بلة، وكذا الاضطرابات الجوية التي شملت عدة ولايات من الوطن. وأظهر الأسبوع الثاني للحملة -حسب مراقبين- الفقر الشديد لبرامج أغلب الأحزاب المشاركة، والتي عجزت حتى في إقناع مؤيديها بجدية طرحها وفعالية خططها في حل مشاكل الجزائريين المتجذرة في كل القطاعات، وهو ما أغرق الحملة لحد الآن في الدعاية الديماغوجية وتوزيع الأوهام على الناخبين.
الحملة الانتخابية ترجح كفة المقاطعة
ويرى الدكتور عامر مصباح الباحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر أن الطريقة التي ظهرت بها الأحزاب في الحملة الانتخابية حتى الآن رجحت موقف بعض الجزائريين المترددين لصالح المقاطعة، وأن أحزاب المعارضة والسلطة لازالت تكرر نفس الخطاب المضلل والمنمق بـ"لغة الخشب" البالية، والبعيد جدا عن طموح الجزائريين في إيجاد حلول لمشاكلهم، ودعا الدكتور مصباح الأحزاب إلى ملامسة أوجاع وهموم المواطنين اليومية والتركيز على البرنامج الاقتصادي والابتعاد عن الايديولوجيا لاستقطاب أكبر نسبة مشاركة في الانتخابات خلال ما تبقى من عمر الحملة.
ولا تزال لافتات وصور المترشحين للانتخابات تتعرض يوميا لعملية تشويه وتمزيق واستبدال بعبارات تدعو للمقاطعة من طرف دعاة المقاطعة، الأمر الذي عملت مصالح الامن إلى نصب كمائن وإلقاء القبض على الكثير منهم وتحويلهم للعدالة بتهم متعددة منها "تخريب أملاك عمومية، والتحريض على العصيان والعنف".
"أحرق بطاقتك الانتخابية"
ويشتكي نشطاء المقاطعة على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي من التضييق الذي تمارسه السلطة على حقهم في التعبير السياسي الحر المنصوص عليه في الدستور، وأن المقاطعة حق يجب أن يكفل ويحترم من طرف الجميع، وندد النشطاء بالاعتقال الذي طال 25 شخصا مع بداية الحملة الانتخابية والمنتمين إلى "حركة الشباب المستقل من أجل التغيير"- أفرج عنهم لاحقا-، عندما كانوا بصدد القيام بمسيرة تدعو للمقاطعة، كما أدانوا بشدة حجب الموقع الالكتروني للحركة التي ولدت عقب أحداث شهر جانفي 2011. و امام التضييق الممارس عليهم لجأ المقاطعون للانتخابات إلى موقع اليوتيوب وقاموا بحملة أطلقوا عليها اسم "احرق بطاقتك الانتخابية" يستعرضون فيها مبرراتهم لمقاطعة الانتخابات.
والمتجول في شوارع الجزائر يلحظ ذلك البرود تجاه الانتخابات القادمة، ويعتقد جمال، وهو شاب عاطل عن العمل، إلتقيناه في أحدى المقاهي وسط العاصمة، أن ما تقوم به السلطة لن يغير من قناعات الكثير من الجزائريين بأن الانتخابات ليست هي الحل للخروج من الأزمة التي نعيشها، بل ستزيد من عمرها، أما عثمان فيؤكد بأن "المقاطعة واجب وطني، لمن أراد خدمة وطنه، وأضاف لـDW "إن الإنسان لا يلدغ من الجحر مرتين، فقد خبرنا الانتخابات مرات كثيرة لكن في كل مرة يستعملون الشعب كجسر لنهب المال العام وإهانة كرامته في الأخير. وترى رقية أن المقاطعة هي طريقة سلمية للاحتجاج على الظلم والحرمان والفساد، وإن أرادوا أن يستمروا في حكم الجزائر فلهم ذلك، لكن لن يحصلوا على مباركتنا أبدا، وعن إذا كانت مقاطعتها استجابة لأحزاب وقوى سياسية دعت إلى المقاطعة مثل جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة وحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، تقول رقية لـ"DW" أنا عن نفسي لا انتمي إلى أي حزب سياسي، وقرار المقاطعة جاء انطلاقا من إرادتي الحرة، ودون أي تنسيق مع أي جهة، وبناءا على ما شاهدته من مستوى أداء المترشحين خلال الحملة".
المؤيدون يهددون .. الانتخابات أو الناتو
ويشكك المؤيدون للانتخابات في الحجج التي يقدمها المقاطعون، ويرون في سلوكهم "عدم إدراك لطبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد، والأخطار التي تتهددها من كل جهة" ويقول وليد لـDW" إن المقاطعة موقف سلبي وفرصة لفتح باب التزوير أمام الانتهازيين، ومن واجب كل جزائري أن ينتخب ولو بورقة بيضاء لحماية صوته"، أما محمد رضا فيؤكد بأنه ينتخب فقط "لمنع وصول الإسلاميين إلى الحكم لأن ذلك سيكون كارثي علينا جميعا، وسيعيدون بنا إلى العشرية السوداء الماضية" أي إلى فترة التسعينيات.
فيما يرى مناضلو أحزاب المعارضة أن المقاطعة لن تجدي نفعاً، ويجب المشاركة وبقوة لإبعاد أحزاب السلطة عن دائرة الحكم، حيث يعتبر سليمان المناضل في حزب جبهة القوى الاشتراكية "أن المشاركة بقوة هو الحل الوحيد لتعطيل التزوير الذي تعودت عليه السلطة، وأن هذه الانتخابات سوف تكون فاصلة في تاريخ الجزائر". ودعما لخيارهم وصحة وجهة نظرهم يتناقل مؤيدو المشاركة في الانتخابات على شبكة التواصل الاجتماعي الفتوى المثيرة للجدل التي أطلقها الشيخ شمس الدين بوروبي التي توجب حق الانتخاب على الجزائريين في هذه الانتخابات دون غيرها، وخيّر الشيخ بوربي الجزائريين بين الانتخاب والناتو، وهو ما أعتبره خصوم المشاركة بـ"الدجل السياسي" وإقحام الدين في العملية السياسية قائلين إن ذلك غير مقبول لا قانونيا ولا أخلاقيا.
المشاركة الواسعة لترميم المشروعية المتصدعة
ويرى الدكتور زهير بوعمامة الباحث في العلوم السياسية بجامعة عنابة، أن رهان السلطة الحقيقي في هذه الانتخابات هو المشاركة الواسعة وليس النتائج، لأنها تريد جوابا من الشعب الجزائري يبارك إصلاحاتها السياسية الأخيرة. وأن "تحقيق نسبة مشاركة مرتفعة داعم رئيسي لمشروعية النظام المهلهلة داخليا وخارجيا". وأضاف بوعمامة في حديث لـDW أن العزوف الانتخابي أصبح سمة الانتخابات الجزائرية في السنوات الأخيرة وهناك نوعين من المواطنين المتغيبين عن صناديق الاقتراع؛ الأول وهو ما يطلق عليه العزوف الإستراتيجي، ويخص مجموع الناخبين الذين يضعون انفسهم خارج اللعبة السياسية، بسبب الظروف التي مرت بها البلاد وطبيعة النظام والعملية السياسية وسوابقها، وهم لا يرون أي جدوى في الانتخابات. أما النوع الثاني الذي يطلق عليه العزوف الظرفي؛ والذي يتخذ فيه الناخب قراره بالمقاطعة او المشاركة- بناءا على حسابات عقلانية، ومدى نجاعة العروض في تلبية حاجاته، وهذا النوع يؤمن بالعملية السياسية لكنه يمتنع لعدم وجود برنامج وأشخاص يستحقون صوته الانتخابي وثقته، ويؤكد بوعمامة في آخر المطاف أن "كل المؤشرات تؤكد أن نسبة المشاركة سوف تكون بعيدة عن طموح السلطة".
توفيق بوقاعدة – الجزائر
مراجعة: يوسف بوفيجلين