شبان مغاربة وصحراويون: الحوار أفضل السبل لكن للصبر حدود
٧ مارس ٢٠١٦في ختام زيارته لمخيمات اللاجئين الصحراويين في تيندوف جنوب غرب الجزائر، دعا أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون لاستئناف المحادثات بين أطراف نزاع الصحراء الغربية، ومن المتوقع أن يبدأ مبعوثه إلى الصحراء، الدبلوماسي الأميركي السابق، كريستوفر روس، جولة جديدة من المحادثات.
ورغم أن المحادثات المرتقبة ستكون معلقة إلى حين إتمام بان كي مون جولته في وقت لاحق إلى الرباط ومدينة العيون، كبرى حواضر الصحراء التي يوجد بها مقر بعثة الأمم المتحدة (مينورسو)، فان الاستنتاجات التي توصل إليها من خلال جولته الأولى والتي شملت أيضا موريتانيا التي تعتبر طرفا محايدا في النزاع، ودولتي بوركينا فاسو ومالي الواقعتين جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى، (الاستنتاجات) لا يبدو أنها ستكون مختلفة. فالدعوة إلى الحوار من أجل حل نزاع الصحراء الغربية، ترتفع أيضا داخل البلدان المغاربية وفي العواصم الأوروبية، في ظل المخاوف من انزلاق هذا النزاع إلى مربع المواجهات المسلحة التي قد تغذيها التهديدات الإرهابية وحالة عدم الاستقرار والاضطرابات التي تشهدها منطقة الساحل والصحراء وصولا إلى ليبيا.
بيد أن تكرار الفشل في جولات الحوار برعاية الأمم المتحدة على امتداد ربع قرن منذ إقرار الأمم المتحدة مخططها لتنظيم استتفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربية، يطرح تساؤلا حول أفق هذا النزاع وكيف ينظر إليه الشبان والشابات من الجانبين المغربي والصحراوي، الذين فتحوا أعينهم على الحياة ووجدوا النزاع قائما.
في استطلاع أجرتهDW عربية لآراء شبان مغاربة وصحراويين سواء منهم الذين ولدوا في أقاليم الصحراء الواقعة تحت نفوذ المغرب أو في مخيمات تيندوف جنوب غرب الجزائر، تبدو هنالك مؤشرات تبعث على القلق، مفادها أن النزاع يتوارث عبر الأجيال وأن فكرة الحوار تغري الشباب أيضا لكن نفاذ صبر هؤلاء قد يكون أسرع مما هو لدى الأجيال الأولى التي اكتوت بنيران الحرب.
"حوار الطرشان لن يجدي نفعا"
المبادرة التي أطلقها أخيرا الزعيم اليساري والقائد التاريخي لجيش التحرير المغربي في منطقة الصحراء، بنسعيد آيت يدر، بإجراء مؤتمر للحوار حول مستقبل نزاع الصحراء، سيُعقد في إطار مركز غير حكومي للدراسات، في غضون الأسابيع المقبلة بمدينة مراكش، هذه المبادرة لقيت أصداء واسعة في المنطقة، خصوصا أن بنسعيد المعروف بمواقفه التاريخية المعارضة لنظام الملك الراحل الحسن الثاني وتأييده لفكرة مبدأ تقرير المصير. فقد زار الجزائر والتقى وزير خارجيتها ووجه الدعوة لشخصيات سياسية جزائرية لحضور المؤتمر كما وجه الدعوة لقادة جبهة البوليساريو.
هذه الدعوة تباينت الآراء بصددها، الحبيب الفائز(30 عاما) طالب ماجستير في كلية الحقوق بالرباط، يعتقد أن هذه المبادرة "يمكن أن تنجح على الأقل لتكون أول لقاء مباشر بين طرفي النزاع بعيدا عن اللقاءات الرسمية في إطار الأمم المتحدة".
بينما يرى محمد ميارة، (30 عاما) وهو ناشط حقوقي صحراوي، بمدينة العيون، أن نجاح أي مبادرة للحوار يتوقف على شرط "عدم تجاوز رغبة وإرادة الشعب الصحراوي".ويشكك الناشط الصحراوي في جبهة البوليساريو في مدى استقلالية مبادرة بنسعيد عن السلطة المغربية، ولذلك فهو يشدد على ضرورة "فتح حوار حقيقي وجاد للتواصل بين الشعبين وطرح الرؤى بعيدا عن كل الحساسيات والأفكار الجامدة"، كما يقول.
وكي ينجح الحوار، يشترط طارق بن حمو(24 عاما) وهو طالب ماجستير في جامعة محمد الخامس، بالرباط، أن يتوفر شرطان:"أولا، تنازلات من الطرفين وأن يبديا نوعا من المرونة وألاَ يتعنتا في المفاوضات. وثانيا: أن يكون الحوار برعاية مؤسسة دولية مستقلة لها سلطة تُلزم الأطراف بالتوصيات الصادرة عنها وهذا يبقى ضربا من الخيال في ظل مجتمع دولي تسيطر عليه المصالح"، كما يلاحظ بن حمو.
من جهتها تبدو جميلة (21 عاما) التي تحدثت إلىDW عربية في "مخيم ولاية الداخلة" بتيندوف، متفائلة بالزيارات المرتقبة لمسؤولي الأمم المتحدة للمخيمات، وتقول جئت من"تيفاريتي (وهي منطقة تعتبرها البوليساريو محررة، وهي بجانب الجدار الرملي الفاصل بين مخيمات تيندوف والأقاليم الصحراوية الواقعة تحت نفوذ المغرب). وتضيف "أنا لم أتعلم في المدارس بسبب تواجدي في الصحراء، حيث أرعى الإبل...إلا أنني أظن أن قضيتنا ل نتحل إلا بالسلم والحوار والاستفتاء خاصة مع وجود ما يفوق130 دولة مساندة لقضيتنا".
التلويح بالخيار العسكري يغري بعض الشباب أيضا
وفي مخيمات تيندوف، حيث يوجد مقر قيادة جبهة البوليساريو وآلاف المقاتلين المسلحين، وفي كل مرة تتأخر جولات الحوار أو تفشل، تلوح الجبهة بالعودة إلى الخيار العسكري. وفي ظل الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه عشرات آلاف اللاجئين الصحراويين في المخيمات وغياب الآفاق، ترتفع الضغوط على الشباب وهو ما يغذي لدى بعضهم التفكير في "الخيار العسكري كسبيل لإنهاء معاناتهم".
بالنسبة لمحمد(45 عاما) وهو بائع خضربالمرسى(سوقفيمخيمات تيندوف)، فهو يرى أن الحواريبقى خيارا ممكنا لحل القضية، لكنه يتطلب وقتا، والصحراويون ليسوا في وضعية تسمح لهم بالانتظار أكثر". ومن جهتها، نيهة (30 عاما)، وهي حاصلة على إجازة في لتسيير والإدارة من جامعات جزائرية وإيطالية، وقد عادت مؤخرا إلى مخيمات تيندوف لتعمل كمتطوعة في مجال تسييرالمياه في المخيمات، فهي تبدو يائسة، وتقول:"سئمت كصحراوية من انتظارالحل السلمي وحوار الطرشان في كل مرة ينتهي بأزمة أو صراع يمنع تحقيق العدالة وأرى أنه لافائدة من الحوارات وأظن أن ما أخذ بالقوة لايسترد إلا بالقوة".
أما الشاب أحمد، وهو خريج اقتصاد منجامعة تبسة الجزائرية، فيبدو أن حالة البطالة وانعدام الآفاق، دفعت إلى العودة إلى المخيمات التي ولد فيها، وهو الآن يسكن في "مخيم ولاية الداخلة" بتيندوف، ويقول إنه حاول الاستقرار في بلدان أخرى لكن استعصى عليه العمل في أي مكان لأن بلده لاتزال في نزاع مع المغرب. ولذلك فقد قرر أن يصبح عسكريا وينضم إلى مقاتلي الجيش الصحراوي، ولا يستبعد خيارالعودة إلى الحرب، ويقول بنبرة يائسسة:"نحن انتهى عهدنا وعشنا حياة صعبة واليوم نعمل من أجل مستقبل أطفالنا وأن نضم لهم معيشة أفضل من التي نعيشها نحن اليوم".
وفي تعقيبه على الدعوات للخيار العسكري، يستبعد محمد ميارة الناشط الصحراوي مع جبهة البوليساريو، في مدينة العيون، هذا السيناريو "على الأقل في المدى القريب بالنظر إلى الاهتمام الدولي المتزايد بحل هذه القضية عبر حشد التأييد لمساعي المبعوث الأممي كريستوفر روس".
ومن جهته يقول أحمد طالب إن الجيل الأول من أعضاء جبهة البوليساريو ومقاتليها يجدون صعوبة في إقناع بعض الشباب بالعدول عن التفكير في الحلول العسكرية، وهم يقولون لهم إن "أيةخطوةغيرمدروسةأومنفردةقدتسببللقضيةمشاكلهيفيغنىعنها"، كما يقول أحمد طالب وهو من المقاتلين الأوائل الذين شاركوا في حرب الصحراء خلال السبعينيات ضد المغرب.
ويشكك حسام هاب(26 عاما) نائب المركز المغربي للشباب والتحولات الديمقراطية، الدار البيضاء، في جدية التلويح بالخيار العسكري من قبل جبهة البوليساريو ويرى فيه مؤشرا على "التيه وانعدام الأفق السياسي".
ويبدي معظم الشبان المغاربة الذين استطلعت DW عربية آراءهم تأييدهم لفكرة "الحكم الذاتي الموسع" التي طرحها المغرب لكن بعضهم يوجه انتقادات لأسلوب إدارة هذا الملف من طرف دولتهم، ويقول حسام هاب:"ليست لدينا فرص كشباب لطرح بدائل خاصة لأن الملف تحتكره الدولة(المغربية) لكن القراءة المتأنية للنزاع حاليا تجعلني أؤكد أن الحكم الذاتي صيغة مناسبة لإنهاء مشكل الصحراء المغربية".
حسابات إستراتيجية
العديد من الشبان الذين استطلعت DWعربية آراءهم سواء في المغرب وفي مخيمات تيندوف، يبدو أنهم مدركون لتعقيدات نزاع الصحراء، وتداخل أطراف عديدة في تطوراته ومخرجات الحل الممكنة له.
ويبدو حسام هاب حذرا إزاء مبادرات الحوار المطروحة سواء على مستوى الأمم المتحدة أم مبادرة الحوار التي دعا إليها الزعيم التاريخي آيت يدر، ويرى الشاب المغربي أن"إنهاء نزاع الصحراء الغربية يتجاوز مسألة الحوار لأنه مرتبط بحسابات إستراتيجية وجيوسياسية في المنطقة بين الجزائر والمغرب والدول الأوربية والولايات المتحدة الأميركية". ويضيف حسام "قد يكون الحوار بين المغرب والبوليساريو جزءا من حل النزاع لكن إنهاءه مرتبط بالتوافق أساسا بين قطبي النزاع: المغرب والجزائر".
أما خديجة( 30 عاما) وهي طالبة صحراوية من مدينة كلميم التي يطلق عليها المغرب"باب الصحراء" باعتبارها الحد الفاصل بين الصحراء المغربية والصحراء الغربية(المتنازع عليها)، فهي ترى أن "النزاع حول الصحراء المغربية هو صراع مفتعل" وتوضح خديجة قائلة: "أنا انتمي لقبيلة آيت اوسى وهي قبيلة بايعت ملوك المغرب منذ الأزل ورافقتهم. أما القبيلة الصحراوية التي أرادت أن يبقى هذا الصراع مفتعلا هي قبيلة الركيبات التي لم تبايع الملوك المغاربة". ويذكر أن قبيلة الركيبات هي واحدة من كبريات القبائل الصحراوية ويتوزع وجودها البشري بين أغلبية تعيش في الأقاليم الصحراوية تحت نفوذ المغرب ويعلن عدد من أعيانها ولاءهم لملك المغرب، وفئة أخرى ضمن مخيمات اللاجئين التي تشرف عليها جبهة البوليساريو.
ورغم أن خديجة تتمنى أن "يسود التعايش السلمي في الصحراء كما هو في باقي التراب المغربي" لكنها تبدو قلقة وهي تقول:"للأسف هناك مرتزقة وأناس ينتفعون من الصراع ومن مصلحتهم أن يبقى قائما".
ويدفع اتساع عدم الاستقرار في منطقة جنوب الصحراء والساحل إلى مخاوف أمنية متزايدة من تسرب تأثير الجماعات الإرهابية داخل مخيمات اللاجئين في جنوب الجزائر، مثل تنظيم" القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وتنظيم"الدولة الإسلامية"، وهو ما يجعل الأمم المتحدة والعواصم الغربية تكثف في الآونة الأخيرة جهودها لإحياء الحوار ومحادثات السلام حول ملف الصحراء الغربية.
منصف السليمي (زينب الهاشمي الوزاني/ الرباط، نور الحياة الكبير/ تيندوف، جنوب غرب الجزائر)