شباب مصر: نجاح في الإطاحة بنظام مبارك وفشل انتخابي
٣ يناير ٢٠١٢القبضات المضمومة والحناجر المتيبسة المتعبة والسهر لليال طوال في ميدان التحرير ومواجهة قمع سلطة مبارك وعناصر أمنه و"بلطجيته" رسمت تخطيطا لتغيير سياسي في أكبر دولة عربية وأرسخها عمرا وتجربة في الممارسة الديمقراطية. ويبدو تتابع الأحداث في مصر سرياليا في سرعته، ولكن لا يخفى عن عين المراقب أن شباب الثورة يخسرون مواقعهم، ولا مكان لأغلبهم في مجلس النواب الذي يتشكل اليوم من خلال انتخابات ثلاثية المراحل معقّدة الجزئيات. إذ يفضل الشارع في أغلب ناخبيه "الخيار السهل، أي الإسلام السياسي"، أما الناخبون الأكبر عمرا فلا يودون أن يهبوا أصواتهم لشبان لا يعرفون حتى أسماءهم، ناهيك عن خبرتهم في العمل السياسي.
ورغم سوداوية المشهد فإن بارقة أمي تلوح في تفاصيل ما يجري، فقد فاز زياد العليمي في الانتخابات عن منطقة جنوب القاهرة مرشحا عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي ليصبح نائبا في البرلمان بعد أن كان احد شباب ائتلاف الثورة في ميدان التحرير. وفي حديث له مع دويتشه فيله أكد العليمي أن فوزه لا يعني فوز شباب الثورة كتيار وعزا ذلك إلى "وجود خطأ في إجراء الانتخابات في هذا التوقيت قبل استيفاء مطالب الثورة، والبرلمان القائم الآن برلمان ليس له صلاحيات واضحة لعدم وجود دستور يحدد هذه الصلاحيات، وطالما لم تتحقق مطالب الثورة حتى الآن فإن الدور الحقيقي هو في الميدان".
الشباب امتلكوا إرادة التغيير وفقدوا أدواته
ويبدو أن الشباب امتلكوا إرادة التغيير ولكنهم لا يمتلكون أدوات التغيير: المال والسلطة والرأي العام. وبهذا المعنى ذهب النائب زياد العليمي إلى القول "جرت الانتخابات بطريقة تقليدية وقد نجحت فيها الأحزاب والمجموعات التي تمتلك الخبرة في إدارة العملية الانتخابية، فيما لم ينجح فيها من لهم رؤيا سياسية للتغيير، وهذا ما كان يدفع باتجاهه المجلس العسكري، فهو لم يشأ أن يجري تغيير جذري في المجتمع، كما أن سمح لفلول الحزب الوطني المشاركة في الانتخابات".
ويؤكد النائب الشاب زياد العليمي على أن "الانتخابات ونتائجها تجسدان صراعا بين الثورة وبين من لا يريدون الثورة. ورغم أني شخصيا فزت بهذه الانتخابات فإن هذا لا يعني أنها قد صنعت لأجل الثورة. فالثورة ما زالت في منتصفها، كما أن الناس سينزلون مرة أخرى إلى ميدان التحرير في 25 يناير لاستكمال مطالبها".
ويقترب المفكر القبطي المصري والبرلماني السابق جمال أسعد من هذا التحليل إذ قال في مقابلة نشرتها صحيفة الشرق الأوسط التي تصدر في لندن "لن يكون هناك وجود شبابي في البرلمان المقبل، لأن الشباب المصري وشباب الثورة تسرعوا في الانخراط في العملية السياسية من دون الإعداد الجيد لها". ويرى أسعد أن الشباب "لم يمارسوا السياسة على أرض الواقع أو ينزلوا للناس وليست لهم مصداقية في الشارع، وبهذه الصورة فإن الواقع يقول إنهم ليس لهم أي رصيد سياسي يمكن من خلاله الحكم بأنهم سيكون لهم نصيب من انتخابات البرلمان، على الرغم من أنهم هم من أشعلوا شرارة الثورة".
الشباب زرعوا غيرهم حصد
ويصعب على الشباب، الذين ضحوا كثيرا لكي يصنعوا التغيير، الاعتراف بأنهم يواجهون فشلا سياسيا، ولكنهم يرون أن الثورة مستمرة وأن النظام السابق لم يسقط بالكامل. من هنا نرى أن الشباب مشغولون بالعمل الثوري في ميدان التحرير ولم يتجهوا إلى العمل السياسي تماما، وهو ما أشار إليه مدير المكتب الإعلامي لحركة 6 إبريل محمود عفيفي في حديث له من القاهرة مع دويتشه فيله. ويشير عفيفي بالقول "نحن نحارب اليوم فلول النظام السابق ونحارب المجلس العسكري الذي يتواطأ مع الثورة المضادة".
ولا يحتاج مراقب الأوضاع السياسية في مصر إلى كثير جهد وكبير فطنة ليدرك أن القوى الدينية والسلفية هي التي تصدرت المشهد السياسي اليوم بأصوات الناخبين، فهل زرع الشباب بذور التغيير ليحصد غيرهم النتائج؟ عن هذا السؤال أجاب الناشط السياسي محمود عفيفي بالقول "الشعب هو الذي اختار، وهذه هي الديمقراطية وعليه أن يرى بنفسه نتائج اختياره خلال المرحلة القادمة، فلو فشل الأخوان والسلفيون في إثبات أنفسهم ، فإن الشعب سيسقطهم ويختار غيرهم في المرة القادمة. هذه كانت مطالبنا من البداية، أي أن ندع الشعب هو الذي يختار، وحتى لو جاءت النتائج بخلاف رغباتنا فعلينا قبولها".
شهادة صحفية في غير صالح الشباب
الظاهرة التي تميزت بها الثورة المصرية هي الشفافية. فقد واكبت وسائل الإعلام مسيرة الثورة بلحظاتها وأرّخت بالصوت والصورة والكلمة كل ما جرى من مختلف الميادين. ولعل هذه الظاهرة تمثل قاسما مشتركا بين أغلب ثورات الربيع العربي، كما استمرت التغطية الإعلامية لمرحلة ما بعد الثورة.
دويتشه فيله اتصلت بالصحفي المصري عطية نبيل الذي غطى مراحل التغيير، فقال من الدقهلية حيث يغطي المرحلة الثالثة من الانتخابات "الشباب لم يستطيعوا تحقيق النتائج المرجوة منهم. صحيح أنهم اسقطوا النظام لكن ثبت أن خبرتهم ضئيلة جدا في التعامل مع العملية الانتخابية والانخراط في الشارع السياسي والتواصل مع الناس".
ملهم الملائكة
مراجعة: أحمد حسو